القلق، التوتّر، الاكتئاب، الإحباط، وغيرها من جنود المشاعر السلبية صارت بعبعاً يهيمن على الحالة المزاجية لكثير من الناس في عصرنا المحموم بتقلباته اليومية المتسارعة، ومتطلباته المادية والمهنية المعقدة، وغدت بطاقة دعوة مفتوحة لعدد غير قليل من الأمراض النفسية والعضوية المزمنة كارتفاع ضغط الدم، ضيق الشرايين، مرض السكر، الصداع، آلام الظهر، اضطرابات المعدة والقولون، الانخفاض السريع في وزن الجسم أو زيادته بطريقة مُرعبة، الأرق، النسيان، والتشتت الذهني، لتتسلط على أرواح الشباب وأجسادهم فتقودها نحو شيخوخة مبكرة غير متوقعة ما لم يلتفتوا لمخاطرها، ويسعوا لمُكافحتها قبل أن تكافح سلامهم النفسي وتقضي على استقرارهم المعنوي.

وتجدر الإشارة إلى أن إحدى أهم قواعد مُحاربة التوتر والقلق إدراك حقيقة هامّة، مفادها أن وجود جرعات من ضغوطات الحياة الإيجابية يُعد عاملاً قوياً لمواجهة التحديات، وتحفيز الطموحات، وتحقيق المزيد من النجاح لأولئك الذين يُتقنون مواجهتها بشجاعة ومخططات متقنة كفيلة بالانتصار عليها. فعقبات الحياة وعثراتها هي فصلٌ معتاد من فصول رواية نضج النفس البشرية وتطورها بمرور الأيام والأعوام، ودون المرور على صراط تلك العقبات وأوجاعها ستبقى شخصياتنا فقيرة للمناعة المعنوية التي تؤهلها لارتقاء درجة أرفع من درجات الحياة وسلّم النجاح فيها. ولأن الوقاية خيرٌ من العلاج، فإننا نقدم هنا عدداً من النصائح الكفيلة بمواجهة بعض المشاكل المؤدية للقلق أو التوتر قبل تفاقمها:

عش في حُدود يومك: لا تفكر بما كان البارحة، ولا بما قد يحدث يوم غد، وليكن أقصى استعدادك البنّاء لمُستقبلك هو إنجاز ما بين يديك من اعمال دنياك وكأنك "تعيش أبداً". يحكى أن السير "ويليام أوسلر" الذي أصبح أشهر طبيب في جيله، وأسس مدرسة "جونز هويكنز" للطب بكل ما تمتعت به من شهرة عالمية، وقف مرة ليخاطب طلبة إحدى الجامعات قائلاً: "أغلقوا الأبواب على الماضي، وأوصدوها دون المستقبل، وعوّدوا أنفسكم العيش في حدود اليوم. إن أفضل طرق الاستعداد للغد هي أن نركز كل ذكائنا وحماستنا في إنهاء عمل اليوم على أحسن ما يكون".

حلل الموقف الذي يقلقك بينك وبين نفسك بأمانة تامّة: توقع أسوأ ما يحدث وتصوره ثم وطّد نفسك على تقبله، وأخيراً، خطط لخطوات إيجابية تمكنك من إنقاذ ما يمكن إنقاذه والتقليل من حجم خسائرك على جميع الأصعدة.

نظم حياتك: رتب غرفتك، وأخلِ مكتبك مما عليه من أوراق وملفات عدا ما تحتاجه اليوم فقط. ابدأ بعمل الأهم فالمهم، وابذل أقصى ما بوسعك لحسم المشاكل التي تبزغ في حياتك فور ظهورها لئلا تكبر، إذ أن جزء كبير من مسببات القلق والتوتر اليومي يقبع وراء إهمال النظام.

اهتم بصحتك: يرتبط القلق والتوتر أحياناً باضطرابات بيولوجية أو هرمونية تعود إلى إهمالنا صحتنا، واستهتارنا بالتدقيق في مواعيد نومنا ونوع الغذاء غير الصحي الذي نتناوله، وعدم إدراكنا مدى حاجة جسدنا لتناول بعض أقراص الفيتامينات والمكملات الغذائية، وعدم تناولنا ما يكفينا من الأكسجين. لذا تذكر أن تنام جيداً، تأكل بطريقة صحيحة، وتتنفس بعُمق.

إحذر إغراء القرارات غير مضمونة العواقب: تجنب أي خطوة أو مشروع أو قرار حاسم تشعر أن فرص نجاحه ضئيلة جداً مهما بدت لك المغامرة مغرية أمامه، إذ أن فشل بعض الخطوات والقرارات الحساسة قد يؤدّي إلى انتكاسة نفسية حادة يصعب عليك تجاوزها.

أسكب قلقك على الورق: إضافة إلى أن تحرير الذهن من ضغوطاته بمحاولة كتابة ما يقلقك في دفتر مذكراتك السرية، أو على أوراق قد تقرر تمزيقها أو حرقها فيما بعد لئلا يطّلع عليها مخلوق سواك باستطاعته أن يملأك بقدر من الارتياح المعنوي، فإن هذه الطريقة ستساعدك على مواجهة مشاكلك بواقعية، وتحديدها للتوصل إلى حلول عملية مناسبة أو طرق ملائمة للتكيّف معها بأقل قدر ممكن من الخسائر والإحباطات.

ابتعد عن مصادر التوتر اليومي: عالمنا الراهن يعج بكل ما يصدّر القلق والتوتر لأرواحنا ويضاعف شعور القلق في أعماقنا بكثافة مجانية، كزحام الأماكن المكتظة، سماع نشرات الأخبار المشحونة بأحداث سلبية، والجلوس مع رفاق تفيض من مسامهم طاقة الإحباط والتشاؤم. ابتعد عن تلك المصادر قدر المستطاع لئلا تمس روحك ببصماتها وتضاعف إحساسك بالتوتر أو القلق.

انشغل بهواية تعشقها: قانون الطبيعة لا يقبل بالفراغ، ومادام ذهنك منشغلاً بالإبداع والتركيز على هواية تحبها وتصبو إلى تحقيق أهداف كبرى بها فلن يكون لدى ذهنك متسع من الفراغ للقلق أو الشعور بالتوتر.

عليك بالرياضة: فهي تخلص الجسم من هرمونات الغضب، القلق، الإحباط، والتوتر، وتزيد من معدل إفراز الجسم للهرمونات الباعثة على السعادة، والمسكّنة لمشاعر الألم.

انفرد بنفسك قليلاً: لا تنطوِ على ذاتك وتتجنب أهلك وأصحابك، لكن لا بأس بتناول إجازة قصيرة من ضجيج العمل، الناس، الطرقات، الأخبار اليومية المزعجة، والاختلاء بالنفس في مكان مريح، منعزل، لقضاء أوقات ثرية من التأمل والاسترخاء على شاطئ البحر أو في أحضان الطبيعة النقية، بوسعه أن يشحن بطاريات روحك وجسدك من جديد، فتعود لحياتك الطبيعية أكثر استعداداً لمواجهة مشاكلك وخوض صعوبات الحياة بهدوء وثقة.

– زينب علي البحراني

0 Shares:
Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

You May Also Like