بعد أن وطأت قدماه أرض دبي، قرأ سورة الفاتحة في سرّه، عسى أن تكون هذه البلاد مباركة له في رحلته وسفره غير المجهول هذا، في رحلة ستستمر ثلاثة أشهر، يبحث عن عمل خلالها..

كان هذا في عام 2004، عندما استأجر سريراً مع شباب لا يعرفهم كسكن مشاركة في إمارة الشارقة، ولأنه لم يكن يعرف إلا القليل من الأصدقاء في دولة الإمارات، فقد نصحوه أن يسكن في الشارقة كبداية، ثم ينتقل إلى دبي حين يعثر على عمل ويحصل على الإقامة.

هو لا يعد نفسه لقمة سائغة لبلاد الاغتراب، فهو لم يأتِ صفر اليدين ولن يرجع كذلك، كونه يحمل درجة البكالوريوس في الاقتصاد والتجارة، لكنه في الوقت ذاته مطلوب منه الآن أن يبحث عن عمل، ففترة زيارته التي تمتد ثلاثة أشهر، يجب أن يحاول بكل ما لديه من قوة أن يستغلها، فهو أساساً متهرّب من خدمته العسكرية الإلزامية في بلده.

مواقع، شركات، وظائف، مقابلات، مجالات عمل عديدة، هو لا يعرف ماذا يختار وكيف يبدأ.

هل يعمل كمحاسب تجاري كتخصص له أم يعمل كمندوب مبيعات أم أي عمل في المنطقة الحرة؟

تعبَ، ملَّ، جهدَ، عمل شاق يقوم به يومياً حاملاً سيرته الذاتية متنقلاً بين الشركات التي حصل على عناوين بعض منها بين الصفحات الصفراء ومن المواقع التي تهتم بالوظائف، رغم أنه عمّم سيرته الذاتية على الكثير منها.

في مقابلته الأولى، طلب منه صاحب الشركة أن يخضع لفترة اختبار ليتأكد من إمكانيته في الاستمرار في العمل أم لا، لذا داوم أسبوعاً وهو يعمل كمحاسب لديها، وبعد أن تأكد أن الشركة لديها بعض المشاكل مع وزارة العمل، ومن المستحيل أن تحصل على إقامات لموظفيها، تركها دون أن يدفع له صاحب العمل أتعابه..

في مقابلته الثانية، رضي بالعمل كمندوب مبيعات لمستحضرات تجميل، لكن ربّ العمل طلب منه تكاليف الإقامة وأن تكون على حسابه، رغم أن راتبه قليل أصلاً وليس هناك من بدلات. لذا، طفر من عمله بعد خمسة أيام من عمله بدون الحصول على أتعابه أيضاً.

في مقابلته الثالثة، الرابعة، الخامسة…. السادسة، كان أن عثر على عمل مناسب لدى إحدى الشركات في التسويق التجاري عبر الإنترنت، الكائنة في المنقطة الحرة بمطار دبي الدولي، فالمنطقة عمرها عامان وقتئذ، ولا تزال تشهد حركة تجارية نشطة، ليستمر في عمله، ويحصل على الإقامة لمدة ثلاثة أعوام، حيث كانت القوانين هكذا.

هو على رأس عمله إذاً، لكن راتبه قليل عموماً، والمصاريف كثيرة والسكن باهظ والمواصلات مكلفة، لكنه مضطر للبقاء.

هكذا دارت به الأيام في دبي، ويستطيع السفر إلى بلاده كل عام لمدة شهر حسب العقد، لكنه خلال عامين زار وطنه مرة واحدة، حيث تسللت إلى ذهنه التكاليف المرتبطة برحلته إلى بلده، ففضّل عدم السفر إلا كل عامين مرة، لكن بانتهاء عامين من عمله في الشركة، أنهى مديره عقده، لأن إنتاجيته خفّت عن البداية. هكذا برّر المدير إنهاء عمله.

أمامه شهر واحد ليبحث عن عمل جديد أو يعود خائباً إلى موطنه، وخاصة أنه لم يوفر من المال ما هو مفيد للعودة ليفتح مشروع هناك مثلاً، ومطلوب منه البحث عن عمل جديد هذه المرة يستطيع من خلاله سدّ بعض الديون المترتبة، فهو سمع كثيراً أن السنوات الأولى في الغربة صعبة للغاية، ومن الصعب توفير المال بالشكل الذي يتصوره الإنسان، فهي سنة شهادة السياقة والتعرّف على جو البلد ومعرفة الطرق والتأقلم، كما يُقال.

حصل على مقابلة عمل هذه المرة مع شركة أخرى تعمل في مجال التصدير والاستيراد، وعمله هو محاسب تجاري، والحكاية الآن في عام 2007، وسيُدفع له راتب بقيمة 2500 درهم، الراتب جيد عموماً في تلك الفترة، لكنه سيواجه نفس المطبات التي دخلها في عاميْه السابقيْن، إلا أنه وقّع العقد وباشر العمل.

اجتاز عاماً آخر من العمل وبنفس الوتيرة، تحولت حياته الروتينية إلى آلات يحملها كل صباح مصطحباً إياها كل مساء إلى سكنه في دبي هذه المرة ضمن غرفة لأربعة شباب عرب، أيامه كلها تشابهت، ثم دخل منتصف عام 2008، لتكشّر الأزمة المالية العالمية عن أنيابها ومخالبها في وجه العمال البؤساء الذين سيُواجَهون إما بالطرد من العمل أو تخفيض الرواتب إلى ما دون النصف. لذا، ماذا سيفعل؟

هو يعتقد ان العودة إلى وطنه أفضل، فوجوده في الشركة عبء عليها، ثم إنه يعتقد أن التوفيق في هذه البلاد متوقف على اللغة الإنجليزية التي لم يتمكن من إتقانها بالشكل المطلوب، نظراً لأنه لم يكن يمتلك الوقت الكافي لتعلمها، ويعمل ضمن بيئة عمل لا تتحدث الإنجليزية إطلاقاً، هذا من جهة.

ومن جهة أخرى، حتى رخصة قيادة السيارات لم يحصل عليها، فمديره لم يكن يمنحه ساعات إجازة من العمل، وحتى يوم الجمعة الذي كان متاحاً له أن يتعلم فيها دروس القيادة لم يكن مستعد نفسياً لها.

حقيبة سفره جاهزة، فهو لم يستخدمها إلا مرةً واحدة. يقول "سمير" بعد أن قضى أربعة أعوام في دبي: "هي من أجمل بلدان العالم، هكذا أعتقد، وأنا كنت فيها وقت ضربتها الأزمة العالمية، وربما كنتُ أنا وغيري ضحية هذه الأزمة، لكنني لا أعرف ماذا حدث لدبي، ورغم ذلك أنا متيقّن أنها وقفت على قدميها مجدداً، فلديها سياسات وعقليات إدارية تمنحها تلك المناعة من الصدمات، ويكفيها أنها بنَتْ برج خليفة في وقت كانت تعاني فيها دبي من أعتى أزمة مالية ضربتها".

يتأوه: "المسألة غير متعلقة بالقوانين الصارمة التي تحاسب الشركات التي تعتاش من الاحتيال، لكن قد أكون أنا قليل الحظ أو عدمه، فهذا قدري، ليس الجميع يتفوق".

– آلجي حسين

0 Shares:
Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

You May Also Like