رغم أن البعض يعتبر المُغني الشاب "سيّد النور" صاحب موهبة مثيرة للجدل لارتباط صوته بصوت سيّدة الطرب العربي المصريّة "أم كلثوم"، إلا أن كثير من مستمعيه يتفقون على أن اجتهاده و إخلاصه لـ "فن الزمن الجميل" ومحاولاته الدائمة لتقديم هذا الفن إلى جمهوره عبر حنجرة شابّة توجّه موهبتها نحو أبناء الزمن الجديد استطاعت أن تقدّم نموذجاً فريداً لفنان شاب نجح في الوصول إلى مستمعيه في الألفيّة الثالثة بطريقة جماهيرية حديثه رغم حفاظه على أسلوب الغناء التقليدي القديم، مثلما وصل باسمه وصوته من أرض الكويت إلى جمهوره ومتابعيه في الوطن العربي، لا سيّما مصر ودول الخليج. وما أن بلغت أخبار رحلته الفنيّة الجديدة إلى السعوديّة مسامع فريق تحرير "خليجسك" حتى سارعنا بإجراء هذا السبق الحواري مع هذا الصّوت الشاب في محاولة لاكتشاف أسرار رحلته الفنيّة القصيرة بين بلدين، ورحلته الفنيّة الطويلة على خط الطرب الأصيل.

خليجســك: علمت "خليجسك" من مصادرها الخاصّة أنك قادم إلى السعودية قريباً، ما وراء تلك الرحلة؟

سيد النور: هذه الزيارة تلبية لدعوة خاصة من إحدى الأسر الكريمة في محافظة "جده" لإحياء حفل فني خاص، وسأستغل الفرصة لإشباع شوقي الكبير لبيت الله الحرام ومسجد رسوله الكريم بتأدية مناسك العمرة إن شاء الله.

خليجســك: وما الذي تتوقعه من الجمهور السعودي؟

سيد النور: لا أتوقع منهم إلا الذوق الرفيع والإحساس المرهف، فأرض الحجاز التي أخرجت لنا كنوزاً من علوم اللغة العربية، والشعر، والثقافه، والفكر، والكرم، لا يمكنها أن تأتي إلا بثمار بشريّة كريمة. كما أن ردودهم وتواصلهم وتفاعلهم مع ما أطرحه عبر صفحتي الشخصيّة على موقع "تويتر" يؤكد على ذوق يحترم الفن ويقدّره.

 خليجســك: على ذكر "تويتر" نلاحظ لك نشاطاً يومياً مبهراً في تواصلك مع جمهورك عبر وسائل الاتصال الحديثة والإعلام الجديد مطلاً من نوافذ "تويتر" و "فيس بوك" إلى جانب عدد غير قليل من مقطوعات أغانيك المنشورة على موقع "يوتيوب" رغم مشاغلك الكثيرة، من أين تجد الوقت لهذا التواصل؟

سيد النور: أجهزة الاتصال الصغيرة الحديثة أغنتني عن استخدام حاسبي المحمول، ولهذا أجد فرصه كبيرة خلال أوقات الفراغ للتواصل السريع مع جمهوري ومتابعي حسابي، هذا التواصل الكتابي من خلال قنوات الإعلام الإلكتروني يقي حنجرتي من استهلاك الصوت، وهو أمر هام بالنسبة للفنان الراغب في الحفاظ على تجدد صوته وأوتار حنجرته، و يهبه فرصة ادّخارهما للتمارين الصّوتيّة الضرورية للتحسين من أدائه الغنائي.

خليجســك: وهل قدّمت لك تلك الوسائل ما تصبو إليه إعلامياً كفنان؟

سيد النور: لا شك أنها قدمت لي الكثير، إذ وهبتني فرصة التعرف إلى زملاء كثر، ومعجبين، ومستمعين رائعين. و من خلال تجربتي الشخصية أعتبرها  أفضل من ألف مدير أعمال، فقد عينت من قبل مدراء أعمال ولم يقدموا لي ما يساوي واحد بالمائة مما قدّمته قنوات التواصل تلك.

خليجســك: ما سرّ إصرارك على تأدية الأغاني الصعبة، واهتمامك بالطرب العريق الأصيل رغم أن ما يمكننا تسميته بـ "أغاني الفرفشة الشبابيّة" هي التي تكتسح السوق وتهيمن على أذواق المستمعين من الجيل الشاب هذه الأيّام؟

سيد النور: هذا لثقتي بأن علاقة المطرب والمنصت مع الأغنية العريقة الصعبة أشبه بقراءة كتاب دسم اللغة والمعنى والفكر والثقافة، وغالباً ما تكون بلغتنا الفصحى، هي كالدّر النفيس الذي يستحق الغوص والمجازفه بالحياة في سبيل الحصول عليه، يطرب لها عقل المستمع، وفكره، وقلبه، وسمعه، وربّما جسده، لهذا قيمتها عالية ومرتبتها رفيعة، بينما الأغنية الهشة أو المبتذلة غالباً ما تحرك الجسد وتلغي العقل. والصعب القائم على جذور راسخة عميقة يظلّ خالداً على مر العصور، بينما السهل المبتذل ينتشر سريعاً ثمّ يُنسى سريعاً بالمثل، وأفصح دليل على ذلك خسائر الشركات المنتجة حالياً بعد أن أهدرت جهودها وأموالها على أغاني خاوية، بلا فكر ولا لحن ولا كلمة تستقرّ في الوجدان. مُجرّد استنساخ دونما جذور أو قيمة فعليّة.

 خليجســك: من يُحاول الاقتراب قليلاً من شخصيّة الفنان الشاب "سيد النور" يكتشف انفرادها بآراء وجدانية خاصّة تجاه العديد من المشاعر والعلاقات البشرية، كالصداقة، والمحبة، والألم، وصدق الشعور.. من أين وكيف تكوّنت معتقداتك الإنسانيّة تلك؟ وهل يؤثر عليها فنّك أو تؤثّر عليه؟

سيد النور: لقد قرأت في فترة ما من حياتي كثيراً حتى ظننت أنني سأفقد بصري، وخالطت نماذج عديدة ومتنوعة من البشر، كما عشت ظروفاً قاسية تعلمت منها معاني الصبر والرّحمة والمحبة، كل تلك التجارب قربتني من الروحانيات، والوجدانيات، وحقيقة النوازع البشرية والإنسانية، الأمر الذي أثر على تفكيري، ومن ثم أسلوبي في التغريد الإلكتروني والتعليق على ما أرى وأسمع وأشاهد، وتأثير هذا الأمر على فني كبير، لأن تلك المواقف والأفكار تلهمني الأشعار التي أكتبها والألحان التي أصوغها، فأجدني قد انخرطت لا شعورياً في الغناء لأحبتي وأقربائي وأصدقائي، وكثيراً ما أمشي على ساحل البحر مغنياً لنفسي.

خليجســك: يبدو لنا أنك من المؤمنين بضرورة الثقافة الشاملة للفنان رغم أننا في عصر المعلومات الهشة، ووجبات الثقافة الخفيفة السريعة.. ترى ما الذي تضفيه تلك الثقافة على شخصيّة الفنان وسلوكه الإنساني والفني من وجهة نظرك؟

سيد النور: هذه الثقافة تجعل الفنان إنساناً راقياً على خلق، يستوعب مختلف ثقافات البشر حول العالم، ويستطيع التحاور وفهم الحضارات المقابلة، ومن دونها لن يكون بوسعه بلوغ درجة العالمية، أو الخلود الفني، هذا إن استطاع الوصول إلى المحلية من دونها أصلاً.

خليجســك: لا تكف عن الإعلان في كل مُناسبة مُلائمة بتخصصك في التراث الكلثومي العريق، وارتباطك الروحي العميق بهذا التراث، ما يجعلنا نتساءل عن سر حبك الشديد لصوت أم كلثوم وتاريخها الفني؟

سيد النور: كثير ممن سمعوا صوتي بعد تعلّمي أصول الإنشاد في فترة مبكرة من حياتي شبّهوه بصوت أم كلثوم، ومع توالي تلك الآراء وتكرارها سألت أحد أساتذة الإنشاد عن هذا الأمر، فأجابني بأنه "من الباعث على الفخر أن يكون لدى أي إنسان صوت يشبه صوت أم كلثوم". الأمر الذي دفعني لمحاولة التعرّف إلى أسرة "كوكب الشرق" حين سافرت إلى مصر للدراسة عام 2008م، ولما سمعني أفراد الأسرة الذين منهم  ابن شقيقة سيدة الغناء العربي المستشار "ممدوح الدسوقي" رحمه الله، وابنة شقيقها الحاجة بثينة خالد إبراهيم، وحفيد شقيقها خالد إبراهيم، لم يصدقوا مدى قرب الصوت من صوت السيّدة! ثمّ تبتني أسرة الفنّانة العملاقة فنيًاً خلال مؤتمر صحفي عقد في القاهرة بمناسبة الذكرى المئوية لميلادها، ورشحتني لإدارة مقتنياتها وعرضها بالصورة المناسبة التي تليق بمكانة كوكب الشرق كرمز من رموز الفن العربي الأصيل. أم كلثوم مدرسة فنية وفكرية دينية وطنية عربية قومية إنسانية، والحب الذي غنته شمل كل هذه المفاهيم والأحاسيس الرّاقية، وهو ما عبّر عنه مسلسل "أم كلثوم" الذي عرض على شاشات القنوات الفضائيّة عام 1999م أجمل تعبير. ومن خلال بحثي الدائم المستفيض في تاريخ حياتها و كل معلومة تخصّها، اكتشفت أنّها ليست مطربه فحسب، بل إنسانه مفكرة مثابرة، بدأت من تحت التراب وصعدت للسحاب.

خليجســك: سمعنا أن أسرة كوكب الشرق "أم كلثوم" رشحتك لإدارة مقتنياتها وعرضها بالصورة المناسبة التي تليق بمكانتها، وهذا ينم عن احترام كبير متبادل بينك وبين أسرة تلك الفنانة العملاقة. كيف وصلة العلاقة بينكم إلى مثل هذا الحد من الثقة والمودّة؟

سيد النور: عندما وصلت بحثاً عن أسرة كوكب الشرق، لم أكن مطربا نال شهرة إعلاميّة بعد، وعرفوا اني احبها لفكرها وفنها لا لأجل شهرة او مصلحة تبتني الاسرة وقدمت لي بعض مقتنياتها الشخصية، فحاولت نشر فكرها وفنها بين أبناء جيلي حفاظاً على الثقافه العربية. وذات يوم توجهنا لمتحف أم كلثوم بالقاهرة وطلب منا احد المسؤولين مقتنيات أخرى. وحين رأت تلك الأسرة الطيّبة اجتهادي الكبير في الدفاع عن فن وتراث أم كلثوم لإبرازها بصورة إعلاميّة لائقة قررت الاتفاق معي لأكون قيّمًا ومسؤولاً عن مقتنياتها وعرضها خارج جمهوريّة مصر العربيّة.

خليجســك: غنيت أمام كثير من الموسيقيين، لكن لابد من أسماء يشعر الفنان أن رأيها الإيجابي في أدائه إكليل يتوّج موهبته الفنية، هل تذكر لنا بعض تلك الأسماء؟

سيد النور: كثيرون، منهم على سبيل المثال لا الحصر: الموسيقار فرج حسين، كذلك غنيت أمام الفنانة العملاقة نجاح سلام، الموسيقار د. عبدالرب ادريس، الملحن العراقي الموسيقار جمعه العربي، الاستاذ شادي الخليج، الموسيقار غنام الديكان، الموسيقار محمد الرويشد الذي أنتظر لحنا منه، إضافة إلى فنانين خليجيين وعرب، ومنهم موسيقيين عملوا مع كوكب الشرق مثل مجدي الحسيني، عبده قطر، المايسترو د. خالد فؤاد، وشهادات أخرى اعتز بها.

حاورته: زينب علي البحراني

zainabahrani@gmail.com

0 Shares:
Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

You May Also Like