هي تلك اللحظات التي تعقد فيها العين اتفاقاً مع حيث الجمال والرهبة والعظمة، ذلك الشعور الذي يزورك بقشعريرته وأنت تتأمله ورأسك مشدوداً إلى آخره للأعلى، تلك الأيادي التي تسحبك إلى الخلف وأنت تثبّت قدميك في الأرض رافضاً المغادرة، تلك العيون التي تأبى أن تُغمض كي لا تفوّت هنيهات الدهشة، هو الالتصاق بين الجمال والعظمة. خلال ساعات قليلة، تغيّر اسم أعلى برج في العالم من برج دبي إلى برج خليفة، ومن لهيب الأزمة الاقتصادية العالمية التي كانت لدبي نصيباً كبيراً منها، خرج البرج مثلجاً ومزيناً كعريس، وبعد خمس سنوات من العمل المتواصل، كان المواطن الإماراتي والمقيم والزائر على موعد مع اللاوصف في البناء العمراني. ولأن المغامر الفرنسي "آلان روبير" كان أول المتسلقين على أطول برج في العالم يبلغ ارتفاعه 820 متراً، ولأن البرج "كان حلماً كبيراً بالنسبة لي منذ افتتاحه، وتحقيق هذا الحلم سيضعني في مكانة لم يصل إليها أحد غيري.. هذا أكبر تحدٍ سأخوضه في حياتي، وسيسجله التاريخ باسمي" بل لأن هناك من سيضيف التراجيديا إلى القصة، فها هو شاب آسيوي في العقد الرابع من عمره يلقي بنفسه من البرج، مقر عمله، نتيجة خلافات مع مديره في العمل، وذلك من الطابق 147 ليستقر في الطابق 108 منه، بعد اصطدامه بعدة حواجز، علماً أن البرج مؤلف من 160 طابقاً، وفي الطابق 124 منصة المشاهدة.

ما سبق ليس بجديد وليس بقديم أيضاً، ففي الرابع من يناير/ كانون الثاني 2010، كان يوم تدشين البرج، وكنتيجة للجهود الكريمة لصاحب السمو الشيخ خليفة بن زايد آل نهيان، رئيس دولة الإمارات العربية المتحدة، كان أن ردّ الجميل صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس دولة الإمارات، رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، لرئيس الدولة بتغيير اسم البرج ليحمل اسم خليفة.

أجل، هي حكاية نجاح برج بلغت تكلفته الإجمالية مليار ونصف المليار دولار أمريكي، تعهدت ببنائه شركة إعمار العقارية، ليضم مكاتب تجارية، وأجنحة فندقية، وشققاً سكنية، ومواقف للسيارات، ومطاعم "أعلى مطعم" و"أعلى مسجد" و"أعلى حوض سباحة" بجهود 12 ألف عامل ومهندس، بحيث يمكن رؤيته من 95 كيلومتراً، كل هذا محاطاً بآلاف الهكتارات من الحدائق وعشرات النوافير "أعلى النوافير في العالم" فضلاً عن أهم المراكز التجارية كدبي مول وبنك الخليج التجاري ومركز دبي المالي العالمي ومطاعم، وغيرها الكثير من أرقى قواعد الاقتصاد والسياحة في العالم، دون تجاهل الصعوبات الجمة التي واجهت بناءه ولاسيما في مناخ حار نسبياً. لذا، ليس بالأمر المستغرب الآن أن ترى عشرات الناس وهم يحملون الكاميرات ويلتقطون صوراً تذكارية شخصية أو صحفية أمام وخلف البرج، فمن محطة المترو التي تخرج لتكون مع مفاجأة من الطراز المميز، وفي المسافة التي ستقطعها إما مشياً على الأقدام أو بالباص أو بسيارتك الخاصة، سيغدو المشي من أروع الدقائق التي تفصلك عنه، فأمامك وخلفك وعلى جنبيك ثمة ما يمتع النظر وما يثير الدهشة وما يطرد الملل والتعب والتذمر، الآن أنت على مقربة من برج خليفة، تأهّبْ للمشاهدة والتأمل الطويل، لكن لا تنسى النوافير مع الموسيقى المنسجمة، وقد تصادف العديد من المفاجآت الأخرى كفرق موسيقية وفعاليات وأنشطة ثقافية وفنية متنوعة. ففي طريق الذهاب إليه عبر مترو دبي، ثمة منادٍ آلي ناطق يذكر الركاب بالمحطة الجديدة "برج خليفة دبي مول" وبوقوفه ينطلق عشرات الركاب صوب الباب للنزول، وعند باب الخروج تكون للمتعة بعض الوقت وثمة الكثير من المفاجآت.

ماذا قدم برج خليفة لدبي ولدولة الإمارات؟

ليست عملية التنمية المستدامة فقط هي التي تجسد عظمة هذا البرج، بل هناك العديد من الدراسات الاقتصادية التي درست هذا التأثير ولخصت مدى الاستفادة منه في عدة نقاط تمثلت في توفير آلاف فرص العمل داخل البرج، مدينة متكاملة تضم كل شيء، وكذلك اعتباره مشروعاً سياحياً هائلاً يدر أرباحاً كبيرة، فهو مشروع عقاري يعطي دروساً وعبراً لقطاعات العقارات في دول العالم، فضلاً عن كونه تجربة عظيمة من الناحية العلمية عن هندسة الرياح، بالإضافة إلى أنه بيئة استثمارية مثالية للمستثمرين الأوائل الذين حصدوا استثمارات بمبالغ غير متوقعة، وهو رغم كل هذا وذاك جزء من هيبة الدولة وأحد أبرز رموز القرن العشرين، وإحدى أهم الأفكار التي يعود فضل ابتداعها إلى الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم.

أنت الآن في أغلى مربع في العالم، وأمام برج فريد في تصميمه المعماري المضاد للرياح، أنت الآن أمام أكثر من 28 ألفاً من الألواح الزجاجية في واجهة البرج، أمام برج غريب في شكل بنائه، أمام ناطحة سحاب انتقلت من الورقة إلى واقع. هنا قد تشتم رائحة من أبدع هذا النسيج العمراني، وقد تتذكر عجائب الدنيا السبع التي سبقت برج خليفة، لكنك مع كل ذلك لن تكون مندهشاً إلا لعظمة الإنسان الذي بنى هذا البرج وصار صغيراً جداً أمامه بشكل لا يمكن رؤيته من فوق، لتقول في الوقت نفسه: ما أعظمك أيها الإنسان!

آلجي حسين –
Alchy1984@hotmail.com

  dubaiw.net :الصوره

0 Shares:
Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

You May Also Like