يمتاز كل شعب من الشعوب البشرية بسمات تميزه عن غيره، سواء على صعيد اللغة أو العادات والتقاليد أو الأديان أو الثقافة، ومن بين ما يتميز به كل شعب على وجه التحديد هو الرقص. الرقص له أشكال مختلفة، بعضها يتميز بخفة الحركة على أنغام الإيقاع السريع، والبعض الآخر ببطء الحركة على أنغام الموسيقى الهادئة، وهناك أنواع لا تؤدى إلا في مناسبات وحالات معينة.

في العصر الحديث، بات من الواضح أن هناك أنواعاً من الرقص طغت على غيرها، مثل الفلامنكو والتانغو والسامبا والرقص الشرقي، فربما كانت الأكثر تعبيراً عن المشاعر الإنسانية، ونلاحظ أنه خصص لأجلها ميزانيات كبيرة، سواء في إنشاء مدارس وصالات لتعليم هذه الرقصات، أو تخصيص مسابقات على مستوى العالم، إلى جانب صنع أفلام وتأليف كتب حولها، وإطلاق قنوات فضائيّة خاصّة بها، تكون الغاية منها إشباع توق الإنسان إلى الرقص، الذي غدا لغة للجسد.

حتى أننا نشاهد العديد من الأفلام التي تناقش شغف كبار السن بالرقص، بحيث يتوارى الزوج أو الزوجة عن الأنظار لأجل تعلم الرقص. وفي الحقيقة، توجد في المكسيك ساحة يرقص فيها كبار السن، يعبرون فيها عن حبهم للحياة برقصاتهم ويعيشون ذكريات العمر الراحل، ويخطون الإبتسامة على تجاعيد وجوه رسمتها تجارب الحياة. ونجد أفلام أخرى مثل الفيلم المغربي "كلّ ما تريده لولا تناله" الذي تدور قصته حول فتاة أمريكية تعشق الرقص الشرقي والأصالة الشرقية، تأتي إلى مصر وتتعرف إلى أشهر راقصة متقاعدة هناك، والتي كانت تعيش حالة من النبذ الاجتماعي بسبب نظرة المجتمع السلبية لها. تطلب منها الأمريكية أن تعلمها الرقص، وتوافق على تعليمها على مضض، ثم تصبح لولا أشهر راقصة في مصر، ولم تكن شهرتها لأجل المال بل لأجل التمتع بالرقص في حد ذاته. كما أن الرقص ليس محدداً بجنس معين دون غيره، فالعديد من الرجال في مجتمعات بشرية متعددة يمثل الرقص عندهم أسمى حالات الفرح، وعلى النقيض من ذلك نجد أن بعض الإناث يلجأن إلى الرقص وحدهن للتعبير عن حالة حزن أو وحدة يعشنها، فتكون حركة   أجسادهن حالة تعبيرية رمزية، تنقل الكثير من المعاني التي لا يمكن التعبير عنها في الواقع.

في الحقيقة، ما دفعني إلى الكتابة حول هذه الموضوع هو قراءتي عن مدربة رقص روسية تعلم الرقص الخليجي في الكويت، ومدرّبة أخرى في العاصمة الإماراتية أبو ظبي، وربما هناك مدربات أخريات، ومدارس أخرى للرقص في دول الخليج، يعلمون فيها كل الرقصات العالمية الشهيرة.

وما يلفت النظر أن فن الرقص الخليجي أثار اهتماماً لدى أشخاص من ثقافات أخرى مختلفة تماماً، ودفعهم الأمر إلى إجادة هذا النوع من الرقص والإقدام على تعليمه بعد اكتساب أكبر قدر من الخبرة. نجد أن هذا الرقص سواء رقص النساء أو رقص الرجال، محصور في قرى خليجية نائية فقط، لا تزال تحتفظ بالتراث والتقاليد الأصيلة أكثر من غيرها، بالطبع هذا لايعني أننا لا نجد في المدن الخليجية الحديثة فنون الرقص الخليجي، بل هي موجودة لكن ليست بالكثرة، ونلاحظ أن النساء تتقنه أكثر من الرجال، بالإضافة إلى إتقانهن أنواع عديدة من الرقص العالمي، لكن يظل الرقص محصوراً داخل حجرات منازلهن، وبعيداً عن أعين الآخرين، رغم أن الرقص في الماضي- ليس البعيد طبعاً-  كان أمام مرأى الجميع، حتى أن التي كانت تتقن الرقص على أصوله تحظى بمكانة جيدة في المناسبات السعيدة.

يمكن القول إنّ الرقص الخليجي يتمتع من دون شك بالكثير من الجمال، وبات عند الإناث خاصة على قائمة أشهر الرقصات في العالم العربي، وهو ينتشر ليصبح على قائمة الرقصات العالمية، ويشكل منافساً قوياً للرقص الشرقي المعروف، حيث تجد العديد من النساء فيه خير وسيلة للتعبير عن مشاعرهن أكثر من أي شكل آخر من الرقص، حتى أن البعض منهن يعشقنه لما يضفي على أجسادهن من الرشاقة واللياقة، التي هي همّ كل امرأة تعتني بجمالها وأنوثتها. ومن خلال مشاهدتنا القنوات الغنائية المتعددة، نجد أن الرقص الخليجي صار فناً قائماً بذاته، وله منظمون وفرق خاصة، يستعين به الفنانون والفنانات لإضفاء حيوية على كليباتهم الغنائية، أو في المناسبات أو الحفلات العامة في أرجاء الوطن العربي.

أما بالنسبة للرقص الخليجي عند الرجال، خاصة الجماعي منه، فهو يعبّر بشكل رمزي عن التعاضد والتآلف، الذي ربما في اللاوعي الرجولي، يشير إلى حالة من القوة والاتحاد في حلقة الرقص. ونلاحظ أن الرقص الرجالي يختلف عن النسائي، ذلك أن الجسد الذكوري يختفي في قالب الجماعة أو في حلقة الرقص، أما الجسد الأنثوي، يظهر بمفرده، في شكل احتفائي أكثر، وهذا لايعني أن الرقصات الفردية لا تتوفر عند الرجال في الخليج، بل نجد أن الرجل عندما يقوم برقصة فردية، تكون حالة الاعتزاز برجولته جليّة على أعلى مستوياتها، ربما في حمل السيف أو عصا مزخرفة وغيرها، والتي تنتشر في الأوساط العربية والشرقية عموماً، وليس في الخليجية فقط.

في الحقيقة، نعلم أن العديد من الكتاب الكبار مثل المفكّر إدوارد سعيد كتب حول فن الرقص الشرقي عند تحية كاريوكا، ومؤخراً الباحث إبراهيم محمود حول الرقص عند شاكيرا، بالإضافة إلى توافر العديد من الكتب والأفلام التي تغطي أنواع الرقص وتتناوله بالدراسة. لكن نجد أنفسنا أمام تساؤلات: لماذ يبقى الرقص الخليجي عند الخليجيين الأصليين محدوداً في القرى أو لدى النساء أكثر من الرجال؟ ولماذا يوجد هناك إقبال عربي أولاً وعالمي ثانياً على الرقص الخليجي النسائي، في حين نجده يقل بين المجتمع الخليجي نفسه؟ هل هناك من دراسة حقيقة تتناول الرقص الخليجي والتطورات التي طرأت عليه؟ هل الرقص الخليجي لا يتلائم مع العادات والتقاليد الراهنة، رغم أنّ الرقص ثقافة موجودة بين كل الشعوب وإن كان فيها بعض التجاوزات؟ ما مدى تأثير الحداثة في تغيير أساليب الرقص الخليجي؟

عبدالله ميزر –

abdhisen@gmail.com

0 Shares:
Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

You May Also Like