كلمات: خالد القحطاني
الترجمة العربية: ساره السلطان
الصور: حميدة عيسى

من عادتها التي ورثتها عن والدتها في حمل كاميرا الفيديو معها لكل مكان تذهبه نشأت حميدة عيسى لتصبح مخرجة أفلام، توثق وتروي قصص الأماكن التي كانت لها وطناً من الدوحة في قطر ولندن في المملكة المتحدة وغيرهم. كانت حميدة من أوائل المخرجين اللذين ساهموا في نشأة المشهد السينمائي في قطر وبقية الدول الخليجية. انضمت حميدة من منزلها في الدوحة إلى خالد القحطاني في تبوك عبر مكالمة زووم في أمسية جمعة دافئة في أوائل مارس ٢٠٢١. خلال حديثهما عادت حميدة بذاكرة مشوارها إلى النقطة التي تطور اهتمامها بالأفلام ومساهمتها في مهرجان قطر السينمائي الأول ومشاريعها الحالية. 

مخرجة الأفلام حميدة عيسى

خالد القحطاني: متى وكيف بدأت رحلتك في صناعة الأفلام؟

حميدة عيسى: بدأت رحلتي في صناعة الأفلام في مرحلة سابقة أقدم مما كنت أتصور. كانت في وقت ما من الطفولة وباغتني الأمر لاحقاً حين أصبحت مخرجة. حين أعود بالذاكرة أجد أن الامر بدأ مع والدتي رحمها الله. اعتادت أمي تصوير كل شيء على كاميرا فيديو، وأتذكر أنني بدأت أؤخذ الكاميرا منها حين أصبحت لدي الرغبة في توثيق الأشياء بنفسي. توفيت أمي وأنا في 13 من عمري. 

بدأت أصنع الافلان وانا في المرحلة الثانوية في فصل اللغة الإنجليزية، كانوا يكلفوننا بكتابة السيناريو وأكون أنا دوماً الشخص الذي يصور شيئاً ما ويضيف التعديلات ثم يعرضه في الفصل. لذا كان شيئاً شبه طبيعي بالنسبة لي. لم أدرك الا في وقت لاحق من حياتي أنني أرغب بأن أصبح مخرجة. حدث هذا الامر عندما كان عمري ٢١ سنة. 

ذهبت إلى كلية لندن الجامعية UCL لدراسة السياسة، واعتقدت انني سأغير هذا العالم. كنت في سنتي الأخيرة وعلى وشك التخرج حين تلقيت بريداً الكترونياً حول صناعة الأفلام الوثائقية الاثنوغرافية، وهي دورة مدتها أسبوعين تقدمها الجامعة. لم يكن الموضوع متعلقاً بشهادتي ولكنني ولا أعرف لماذا انتهزت الفرصة بدون ادراك. لذا أتممت الدورة وصنعت فيلماً. تعلمت كيف استخدم الكاميرا وكيفية التحرير بشكل صحيح، وصنعت فيلماً عن الابتسامات في شوارع لندن. كان شيئاً بسيطاً جداً ولكن جعلني أدرك رغبتي في استكشاف صناعة الأفلام. 

في وقت ما لاحقاً تلقيت بريدا الكترونياً بأول مهرجان سينمائي في قطر، مهرجان الدوحة ترايبيكا السينمائي في عام ٢٠٠٩. لذلك تركت كل ما كان بيدي في لندن وعدت إلى قطر للعمل على هدا المهرجان السينمائي، ولأكون جزءاً من هذه الموجة الجديدة من صانعي الافلام في بلدي، وللمشاركة في بناء امبراطورية من الألف للياء. من هنا بدأت رحلتي المهنية في السينما. 

أنشأنا مؤسسة الدوحة للأفلام DFI في عام ٢٠١٠ وكنت جزءاً من فريق قسم التعليم حيث أنتجنا ورض عمل للمهتمين بالمجتمع. بعد أن أخرجت بعضاً من أفلامي الأولى قررت العودة للدراسة والحصول على درجة الماجستير في السينما العالمية ومتعددة الثقافات في كلية الدراسات الشرقية والافريقية في لندن SOAS، متخصصة في السينما العربية والإيرانية. لذا عدت إلى الجامعة لدراسة الأفلام وتطوير المهارة لمشاهدتها من وجهات نظر متعددة، من منظور أنثروبولوجي ونفسي ومنظور ما بعد الاستعمار وحتى من خلال عدسة الهوية الوطنية. لذا درست الأفلام بطريقة مختلفة تماما مثل النص تقريباً وأشعر أن ذلك أثرى رحلتي كمخرجة.

خ.ق.: أفلامك مستوحاة من تقاليد قطر وتراثها وماضيها، كيف أشعلت هذه العناصر شغفك بصناعة الأفلام ورواية القصص؟ كيف تجسدت في عملك؟

ح.ع.: أعتقد أنني يجب أن أبدأ الإجابة من خلال إعطائك المزيد من المعلومات عن نفسي وما الذي تشتمله هويتي ومن أين أتيت والمكان الذي نشأت فيه قبل أن أخوض في سبب وجود التقاليد والتاريخ في لغتي السينمائية. أنا نصف قطرية ونصف سعودية. غادرت قطر عندما كنت في السابعة من عمري وترعرعت بين فرنسا ولندن معظم حياتي حتى بلغت 21 عامًا. عندما سمعت عن مهرجان الأفلام أردت أن أكون جزءًا من هذه الموجة الجديدة لدرجة أنني اخترت العودة لقطر. نشأتي في الخارج لهذه الفترة الطويلة قد عززت ووطدت علاقتي بالماضي.

عندما كنت في الخارج كنت دائماً ما أتصل على جدتي، ماما حميدة. نظرًا لأنني نشأت بعيدًا جدًا فقد كنت دائمًا أقدر الوقت الثمين الذي أمضيه مع كبار السن وسماع قصصهم. متى ما أتيحت لي الفرصة للزيارة يصبح لدي ارتباط قوي بهذا التراث الثقافي غير المادي الذي أشعر بضرورة تسجيله للحفاظ على تاريخنا وتقاليدنا الشفوية. نحتاج إلى التركيز على توثيق الثقافة والتأكد وجودها للأجيال القادمة، لأنه برحيل الجيل الأكبر ترحل معهم الكثير من القصص والكثير من الأشياء عن ماضينا التي قد لا نعرفها بالضرورة إذا لم نوثقها. بالنسبة لي يتعلق الأمر بامتلاك هذا الارتباط القوي مع ماضيي ومحاولة ترجمته في أفلامي. إنه شكل من أشكال إعادة اكتشاف هويتي، شكل من أشكال التوثيق واستكشاف هويتي والحفاظ عليها للأجيال القادمة، وأشعر أنني بدأت للتو.

اعتدت أن أسميه علم الآثار السردي – أنت تبحث عن أجزاء من نفسك من خلال قصص مجتمعك عن التقاليد والتاريخ المشترك.

خ.ق.: أنتِ من أوائل المخرجات النساء في قطر والخليج، تأتي هذه المسؤولية مع عبء الاضطرار الى تمثيل بلدك بالكامل. هل شعرتِ بذلك خلال مهنتك حتى الآن؟ واذا كانت الإجابة بنعم هل أثر ذلك على عملك؟

ح.ع.: إنه ليس عبئًا. في الحقيقة هو شيئاً مقوّي وممكّن. أعتقد أن هناك شعوراً بالمسؤولية للتعبير عن عناصر هويتنا الوطنية وثقافتنا بطريقة جميلة. لكنني لا أعتقد أنه عبء لأنني أرى أنها فترة جميلة للإبداع والعمل. متى يمكنك أن تكون الوحيد في عمل شيء ما؟ من النادر جدًا أن تكون على قيد الحياة وأن تكون جزءًا من موجة حركة منذ البداية. إنه الشيء الأكثر إثارة حالياً، أن  تزرع بذور صناعة السينما في قطر وتكون جزءًا من الموجة الجديدة. ونعم كنت من الأوائل لكن من المثير أن نرى أن هناك الكثير من النساء والرجال الموهوبين والجديرين بالملاحظة الذين ينشطون في صناعة السينما الآن.

أرى كل هؤلاء المخرجين بارزين وأدرك أنني شهدت ولادة هذه الصناعة. لذلك ليس أنا فحسب، لقد قمنا جميعًا بتمكين ودعم بعضنا البعض حتى هذه النقطة. إنه مجتمع صغير. لكنني أعتقد أن هناك شعوراً بالمسؤولية لإظهار جمال تقاليدنا وجمال ديننا وجمال من نحن كأشخاص، وإظهار جمال منظور النساء -الذي غالبًا ما يتم تجاهله- لتراثنا المشترك، والصعب الوصول إليه. 

خ.ق.: عندما يتم تسليط الضوء على صانعي الأفلام العرب أو أي صوت نادرًا ما يتم تمثيله في صناعة معينة، دائمًا ما يتم إبراز أعمالهم وإنتاجها بطريقة تروق للجمهور الغربي. يبدو أنها لم تصنع أبدًا للمجتمعات المحلية التي استوحت منها هذه الأفلام والقصص. هل لاحظت ذلك؟ ما رأيك؟

ح.ع.: أعتقد أنه من المهم جدًا أن تكون على دراية بـ "الاستشراق" والاستشراق الذاتي. عقدة النقص هذه التي يتعين علينا دائمًا أن نناشدها مع الغرب ونثبت لهم أننا (ذو قيمة). أعتقد أنه من المهم بالنسبة لنا أن نصنع أفلامًا تخاطب شعبنا وأنفسنا. وبهذه الطريقة يصبح الأمر عالميًا، سيكون الغرب مهتمًا بقصصنا لأنها تتحدث عن حقيقة لم يتم التحدث بها في أي مكان آخر من قبل. ويتم ذلك بصوت أصيل وحقيقي للغاية. أعتقد أن الأمر يتعلق بالبقاء صادقًا مع هويتك وصنع الأفلام بمصداقية.

خ.ق: لقد شهدت نمو السينما وصناعة الأفلام منذ ظهورك الأول لفيلم قصير ١٥ Heartbeats عام ٢٠١١. ما الذي لاحظتِه حول هذا المشهد والصناعة اللذان ينموان بسرعة؟ وكيف تتخيلين مستقبل كل منهما؟ 

ح.ع.: في أول مسيرتي رأيت المخرج الفلسطيني الرائع إيليا سليمان الذي أحترم صوته ورؤيته للعرب في السينما. صعدت إليه وقلت "أريد أن أصبح مثلك". كان ذلك قبل أن أصنع أول فيلم قصير لي. قال لي: كم عمرك؟ وأجبت: "٢١". فأجاب: "لن تصنعي سينما حقيقية حتى تصلي إلى الثلاثينيات من العمر." وقلت "ماذا؟" لم أفهم ما عناه.

لكن الآن بعد أن أصبحت في الثلاثينيات من عمري فهمت حقًا ما كان يقصده. كان يعني أنه طوال العشرينات من عمري ما زلت أكتشف من أنا. وإذا كنت لا تعرف من أنت فكيف سيكون لديك لغة سينمائية قوية وتعبر عن نفسك؟ أشعر أن أي فيلم يصنع هو امتداد للروح. إنها روحك تغني. إنها عملية روحية وفنية وإبداعية للغاية. أشعر بأنني كبرت في السنوات العشر الماضية  و رأيت لغتي السينمائية تتطور. بدأت بإخراج ١٥ Heartbeat، وهو أول فيلم قصير أخرجه على الإطلاق ويعرض في السينما. تم عرضه في مهرجان الدوحة ترايبيكا السينمائي في عام ٢٠١١. لم تكن له ميزانية كافية لكنني تمكنت من صنع فيلم مثير للمشاعر لأنه جاء من مكان حقيقي.

أشعر منذ  وقتها  أن البذور التي زرعت بدأت في الازدهار بطرق مختلفة من خلال الوسائط المختلفة التي جربتها طوال حياتي المهنية. أخذت هذه النصيحة خارج قالبها بمعنى أنني حاولت تجربة أنواع مختلفة من صناعة الأفلام، لقد صنعت أفلامًا وثائقية قصيرة وفيديو موسيقي وفيديو تركيب فني ذو أبعاد. على مدى السنوات الخمس الماضية من حياتي كنت أعمل على أول فيلم رئيسي لي وهو فيلم وثائقي، لذلك يأخذ الأمر جزءًا كبيرًا من حياتي، الجزء الذي تصبح فيه حقًا ما أنت عليه.

بوستر "أماكن الروح" (Place of the Soul) ، أول فيلم روائي لحميدة عيسى

خ.ق.: تتراوح تجربتك بين الأفلام القصيرة إلى مقاطع الفيديو الموسيقية إلى الفيلم الوثائقي القادم. ما المشاريع التي تعملين عليها حالياً؟ وما هي آمالكِ لمستقبل هذه الصناعة؟

ح.ع.: أعمل على فيلمي الرئيسي الأول  Places of the Soul والذي سيصدر بحلول نهاية عام ٢٠٢١. إنه فيلم وثائقي صور بين القارة القطبية الجنوبية وقطر. أنا أول امرأة قطرية في التاريخ تذهب إلى القارة القطبية الجنوبية ، لذا فإن هذه الرحلة هي رحلة روحية واستكشاف مسائل التقاليد والبيئة وقضية الخسارة الأكبر. إنها رحلة اكتشاف شخصي وروحي ، ورحلة إلى الوطن بعيدًا عن الوطن، رحلة إلى الداخل.

أنا متحمسة لينتهي لأنه سيكون أول ظهور لي على المستوى الدولي. لقد قمت أيضًا بتطوير بعض الأشياء، لقد كنت أعمل مع زميل مخرج في تطوير سيناريو لفيلم رئيسي. لذلك سأعود مرة أخرى إلى الخيال السردي، وهو نوع من الأفلام الخيالية. أقوم أيضًا بتطوير فيلمين وثائقيين ليسوا بشخصيين ولكن إخباريين. أقوم أيضًا بإطلاق ثلاثة أفلام من خلال شركة الإنتاج الفني الخاصة بي Feryal Films (التي سميت على اسم والدتي الراحلة رحمها الله) تتألف من مجموعة من الفنانين والموسيقيين وصانعي الأفلام من المنطقة وأماكن الشتات العربي.

أعتقد أنه من المهم جدًا بالنسبة لنا أن يكون لدينا مبادرات على مستوى القاعدة. وهذا هو السبب في أنني بدأت Feryal Films. نعم  لقد كنا محظوظين لدرجة أنه كان قرارًا من أعلى، من مؤسسة الدوحة للأفلام. لم أكن لأكون مخرجة اليوم لولا هذه التجربة. ولكن الآن بوجود هذه المؤسسة  DFI التي تدعمنا وتمنحنا منصة ومِنحًا وفرصًا تعليمية وعرضًا لأفلامنا وتمسك بأيدينا عمليًا طوال العملية برمتها أصبحنا بخير. ولكن بعدها يأتي دورنا نحن (المبادرات الجذرية)، نحتاج أيضًا إلى البناء من الأسفل إلى الأعلى ، حتى نتمكن من مقابلة (فاعلين الخير) الداعمين للبنية التحتية في منتصف الطريق. وهذه هي الطريقة التي نعمل بها معًا. هذه هي الطريقة التي يجب أن تعمل بها صناعتنا العضوية والشاملة التي تعمل بكامل طاقتها.


linkedin.com/in/hamida-issa-33470a45


0 Shares:
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

You May Also Like
Read More

دن‭ ‬غاليري الكويت

يضم‭ ‬معرض‭ ‬دن‭ ‬غاليري،‭ ‬المنشئ‭ ‬في‭ ‬مايو‭ ‬٢٠١٥،‭ ‬بين‭ ‬جدرانه‭ ‬أعمالا‭ ‬لفنانين‭ ‬معاصرين،‭ ‬عارضا‭ ‬أساليب‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬مجال‭…
Read More

بون ‬آب

 ‬ يعمل‭ ‬ثلاثي‭ ‬نسائي‭ ‬مكون‭ ‬من‭ ‬ثلاث‭ ‬سيدات‭ ‬اسكندنافيات‭ ‬على‭ ‬حل‭ ‬مشكلة‭ ‬الطعام‭ ‬الفائض‭ ‬في‭ ‬الإمارات‭ ‬وجبة‭ ‬تلو‭…
Read More

سارة طيبة

منذ‭ ‬طفولتها‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬العاشرة،‭ ‬كانت‭ ‬الرسامة‭ ‬السعودية‭ ‬سارة‭ ‬طيبة‭ ‬تعرض‭ ‬للعالم‭ ‬لمحات‭ ‬من‭ ‬مسارها‭ ‬الوظيفي‭ ‬المستقبلي،‭ ‬حيث‭…
Read More

اينكد

اينكد‭ ‬هو‭ ‬مطعم‭ ‬لا‭ ‬يشابه‭ ‬ما‭ ‬اعتدت‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬مطاعم،‭ ‬إذ‭ ‬يركز‭ ‬عبر‭ ‬أفكاره‭ ‬المتجددة‭ ‬على‭ ‬ابتكار‭ ‬تجارب‭…