ألوان، تناسق، انسجام، اندغام، تراصف، حلاوة، ابتسامة، ثقافة، حضارة، مدنية، فلسفة، فتاة، إغراء، قصيدة، رواية، مسرحية، كاميرا، يدان متلاصقتان، قانون، عدالة، حرية، حق، خير، مجتمع، سعادة، نجوم، نظافة، فنون
أحد أضلاع أو زوايا الهرم الإنساني المتمثل في الحق والخير والجمال، أرقى وأنبل المقاييس، طفل يرضع من ثدي أمه ليكون مستعدا لمواجهة الحياة، شاب يجدد هدفه، رجل في قوته ولينه، هرم في ذكرياته، أنثى في جمالها
اختلط علينا الأمر، واختلفت مقاييس الجمال في كل شيء، واتسم العصر باللاحقيقة والوهم، وبات الليل نهاراً، والنهار ليلاً، والدم ماءً، وأزرار لوحة المفاتيح تعابير، والمربعات الافتراضية مساحات وهوامش للتعبير، شاشة الحاسوب تحولت واختزنت ذاكرتنا وأكثر، ذلك المتسول الذي لم ينم سوى عشرين ليلة شبعاً، عصر اتسمت غرائزه بالمادة، عقدت فيها هذه الغريزة عقداً غير محدد المدة، وشكّل عزف رنين النقود أطول مقطوعة موسيقية على خشبة أوبرا الضمير، وليس هذا فحسب، بل تجاوزت أحلام الشباب الحدود المثالية من الشعر إلى صور بيانية بليغة لا يفهمها إلا القلب القبيح
هي معادلة للخروج من المأزق النتن والبركة الزكية بالدم، وكذلك الإحساس الذي يضفي على المرء الكثير من كبرياء العزة لتتحول الأساطير المكتوبة والمنقولة يوماً، من زواريب آثينا وأسبارطا إلى الفرس والروم، من أكاد وبابل وفينيق إلى التتار والمغول والإسلام، وبدءاً من اليهود ثم المسيحيين، هو هذا الخليط الجميل الذي أبدع الخالق جمال فسيفسائه، وعلى الجانب الآخر ثمة مؤرّخ يدوّن الوقائع، لكن حسب ظروفه هو
تغيرت الصور الجمالية إذاً، وأدمن العقل تحليل القبح من زاوية معتمة، وسيطر الظلام على النور، وخلفت كافة الانتصارات الملكية أكواماً من الضحايا، فالحرب اتفاقية يخوضها الكبار ويدفع ثمنها الصغار
إنه الألم المجنون الذي سيطر فيه الجنون على العقل، فالمجنون عاقل والعاقل مجنون، وتمت إبادة مفاهيم الجمال، وقتلت الرصاصة حتى الأطفال، وتقطعت زغاريد النساء وسط إطلاق نار كثيف، وقطف الطاغية أعمار الشباب قبل موسم جنيها
ثمة ما هو مقرف ونتن حلّ محلّ الجمال، حتى الأفكار تسممت، والإيديولوجيات سُجنت، وحبال المشانق عُلقت
هو عصر يتخذ من الرصاصة كلمة والبندقية فكرة والقتل إيديولوجيا، هكذا اتحد تُجار الحروب وصانعو الأسلحة على إراقة الدم، مستهدفين الأطفال، فعليهم يتوقف تحديد المستقبل، لأن طفل اليوم هو رجل الغد، والصفقات المالية التي يديرها هؤلاء لم تشبع جيوبهم من الطمع المزمن والاحتكار وحب التملك
كيف انعدمت مفاهيم الجمال؟
ارتبطت صورة الجثث في الفضائيات بوجبات الطعام الرئيسة، فثمة من ينزف من فمه وآخر يشرب عصيره اليومي كالمعتاد، هي الرغبة في إعادة التوازن إلى الكرة الأرضية، صورة لا تخلو من القبح في كافة وحداتها
تحولت الحروب التي تدور رحاها بين السلطات ومواطنيها إلى مسلسلات مكسيكية ليس فيها إلا أبطال الدم، لتكون النهاية لمصلحتهم
الآن لننتقل إلى المجال الفني، فقد بدت الصور أقبح من القبح بكثير، وتحولت الكلمات التي يصدرها الشباب ممن يسمون أنفسهم شعراء إلى مجرد مفردات، لا تمت إلا للجماد بصلة قوية، هي خالية من الروح كأزرار لوحة المفاتيح نفسها، وهي لازمة له، كون العصر المادي أخذ دور البطولة، لتتحول تلك الكلمات المرصوفة إلى قصائد منشورة على صفحات صحف لن يقرأها أحد، هذه هي الصورة الجمالية إذاً
إنه العالم المجنون الذي اختلط معه مفهوم العبث بالتجريب، والفوضى الخلاقة بالهدامة، يسير فيه مجانين حملوا على عاتقهم إدارتنا الثقافية والفنية، أخذوا زمام قناعاتنا وأحلامنا لاستيراد جمالنا، دافعوا عن موروثات صادرت أحلامنا
جميلٌ هذا الحلم الذي لم يتحقق حتى في النوم، والأجمل تلك الجديلة الصفراء المنسدلة من شعر فتاة قروية لم تعرف في حياتها سوى البراءة، هي صور جمالية لبراءة الجمال وجمال البراءة، صورة ضميرنا المكتنز في الوسط، ضميرنا الجميل، المبدع الواسع، جمال ضميرنا!
هل فكرنا في تزيين منازلنا من الخارج؟
كم فكرنا في اقتناء سيارة أغلى ثمناً من منزلنا؟
لمَ لا ننظف خارجنا قبل داخلنا؟
هي معادلة الشكل والمضمون وأيهما أجمل ولمن تكون الأولوية، هل الشكل أبدى من المضمون؟
ثمة جمالية خاصة يبتدعها المضمون، هو جمال الروح الذي يدعم جماله الخارجي بجمال شكله، ليس لأن الشكل واجهة للمضمون، بل لأنه يعبر عن جمال المضمون الذي لن يظهر إلا به، أو ربما بدونه حسب البعض، وهذه ليست دعوة لإظهار الجمل الخارجي على حساب الداخلي دائماً، وإنما من حق الخارجي أن يظهر حين يكون الداخلي مستباحاً، وليس العكس
طفل في بركة دمائه يستغيث، لوحة تشكيلية ممزقة ومرمية، قلم مكسور، أجساد مسكينة رخيصة تُباع على أرصفة اللذة التجارية، أفكار مقرفة تتسيّد المصير البشري، فقر يتربع على بطن جنوب خط الاستواء وجزء من شماله، شاشات تضخ الكذب على مدار اللحظة، أشجار لا تموت واقفة، جنون عاشقين يقصف به المال
هي صور لوأد الجمال في حياتنا المجنونة
آلجي حسين –
Alchy-husein@hotmail.com