في مثل هذا الوقت من كل عام تتلوى معداتنا من ألم الجوع، وتشبه الشفاه القطن بياضا، وتكون الأمزجة متقلبة وخارجة عن السيطرة، وذلك حينما يشهد المسلمون في جميع أنحاء العالم شهر رمضان الروحاني من جديد، ومن مطلع الشمس إلى مغيبها يمتنع المسلمون عن الأكل والشرب والتدخين، وفي الأيام الأخيرة التي تسبق رمضان نتناول ما يسمى بالجريش وهو مرادف لكلمة عشاء يتكون من أنواع من الأطعمة والتي تعامل بصورة أكبر أو أقل على أنها المئونة الأخيرة قبل بداية شهر رمضان.
ومن أجل الحفاظ على روحانية هذا الشهر الفضيل فإن استخدام العطور القوية والماكياج والحلف هي أمور يتم الامتناع عنها تماما وذلك حتى يتسنى للمسلمين تحقيق الاستفادة القصوى من هذا الشهر المقصود منه جعل المؤمنين متواضعين وتذكيرهم بكل شيء يجب أن يكونوا ممتنين تجاهه، وكذلك هو شهر النظام وإظهار الإخلاص في العمل تجاه الله.
خلال هذا الشهر الكريم، يؤدي المسلمون صلاة قيام الليل إضافة إلى الخمس صلوات اليومية المعتادة، وخلال هذه الصلوات الخاصة التي تؤدى مباشرة بعد الصلوات الخمس المفروضة وتسمى صلاة التراويح يتلون وردا متساويا من القرآن الكريم في كل ليلة، وبالتالي ومع نهاية الشهر الكريم يتم ختم القرآن كاملا، وخلال العشر الأواخر من رمضان والتي تعد الأكثر قيمة فيما يتعلق بالروحانية وخلالها تؤدى صلوات إضافية تسمى القيام، وتتطلب هذه الصلاة حوالي ساعة وتقام في المسجد حيث يجتمع المصلون للتعبير عن إخلاصهم لدينهم.
خلال هذا الشهر كذلك هناك حث على الكرم والأفعال الطيبة بصورة خاصة حيث يجرب الصائم قدرا قليلا (وهو المقصود) من الصراع الذي يعاني منه الأقل حظا على أساس يومي، والزكاة تعد أحد الأركان الخمسة للإسلام (إضافة إلى شهادة أن لا إله إلا الله وإقامة الصلاة وصيام رمضان وحج البيت) وهي الإنفاق على الفقراء، وفي الإسلام تعد الزكاة واجبة حيث يدفع 2.5% من مدخرات وعوائد الشخص إلى من هم أقل حظا في الدنيا.
من الناحية السطحية يبدو صيام شهر رمضان كاملا وكأنه أمر يستحيل القيام به ولكنه مبني على عدة أشياء تقدم إلى الصائم ولا تؤخذ منه، حيث يمنح رمضان الصائم هبة العائلة، ونرى في كل يوم اجتماع أفراد الأسرة مع بعضهم من أجل تناول الإفطار وهي الوجبة الأولى التي يتناولها الصائم مع غروب الشمس، ويفطر الصائم على تمر وشربة ماء ومع تجمع أفراد الأسرة على طاولة واحدة يستمتعون بمختلف الأطعمة والنكهات وكذلك عدد كبير من الأطباق المشهية التي يسيل لها اللعاب.
هذا يشبه عيد الشكر كل يوم لمدة شهر كامل، إلا أن الوجبة لا تنتهي على الطاولة، ومع انتقالنا من غرفة الطعام من أجل الاستمتاع بصحبة أشخاص آخرين تتبعنا أطباق الحلويات والمعجنات والشاي والقهوة العربية، ولكن الطريف أن التقلصات الشديدة في المعدة لا تكفي كإشارة لضرورة التوقف عن تناول الأطعمة (توقف عن تناول الوجبات البينية الخفيفة ونتجمع مثل تجمع عيد الشكر وعيد الميلاد من دون وجود غرباء ولا نتوقف عن الأكل حتى بعد الشبع الكامل).
يتجمع الأصدقاء والأحباء للاحتفال خلال وقت متأخر من الليل في تجمع يطلق عليه الغبقة حيث يجتمع الصائمون للسمر ليلا (والأهم من ذلك تناول الأطعمة) وهي فرصة أخرى للاجتماع بمن نحبهم.
وهناك الكثير من المتعة بانتظارنا حيث الهالوين الخليجي والذي يكون في الثالث عشر والرابع عشر والخامس عشر من شهر رمضان، ونرى في هذه المناسبة الأطفال (والأطفال الأكبر سنا كذلك) يتوجهون من باب إلى باب ويرتدون ملابس الاحتفال ويغنون أغاني القرقيعان التقليدية على أمل الحصول على الحلوى والخردة، وتكون الملابس احتفالية الطابع وكذلك الحلوى والتي تكون كثيرة إلى حد لا يمكن تحاشيها (حيث الغيبوبة التي يسببها الإفراط في تناول السكر).
لو كان كل ما نراه في رمضان هو خليط من الناس الجائعين والغاضبين والذين يسهرون ليلهم ويبدون خاملين، فإننا حتما سوف نفقد روح الشهر الكريم، إنه وقت في العام لنكتسب نظرة جديدة ونعطي المزيد ونتعلم كيف هو شعور الحاجة إلى الطعام، إنه وقت التأمل والتسامح والكرم والسخاء، نقول وداعا للإفطار ومرحبا بوجبات آخر الليل الاجتماعية الطابع (والتي يطلق عليها السحور للاستعداد ليوم كامل من الصيام)، حيث يزورنا شهر رمضان ثم يتركنا بعد مرور 30 يوما بعد أن نكتسب المزيد من الوزن، ولكننا نكون أكثر امتنانا لكل ما منحنا إياه والراحة التي نشعر بها ونحزن عند وداعه.
– نوف حسين