السكون يعم المكان.. والأمن مستتب في أرجاء المنزل، لا تسمعين إلا صوت التلفاز عالياً يوحي لك بأن صغارك على ما يرام، و فجأة.. تعلو الأصوات بالصراخ، ويبدأ النحيب و البكاء، وكأن معركة قامت في بيتك، فتتركين ما بيدك وتهرعين إلى أرض الواقعة لتعرفي ماذا يحدث، وما هؤلاء إلا الصغار يتشاجرون ويتضاربون فيما بينهم، فهذا يرمي ويكسر الألعاب وهذه تشد شعر أختها وهي تصرخ وتنظر إليك وحال لسانها يقول أنقذيني يا ماما أتوسل إليك!
الكثير من الأمهات تنتابها نوبة من الصراخ، هم يصرخون وهي تصرخ، هم يضربون بعضهم وهي تضربهم وتنتهي المعركة بخسارة الطرفين!
إن ما يحدث بين الصغار أمر طبيعي بل مفيد أيضاً، فالخلافات والشجار بين الأطفال حاجة مهمة من حاجات النمو الاجتماعي للطفل فهي تعمل على تهذيب أخلاقيات الطفل وتعلمه كيف يتصرف ويحل مشاكله البسيطة بعيداً عن أهله، فإذا قام الوالدين باستخدام أسلوب التعنيف وفض الشجار بشكل حازم ومتسلط فإن الموقف حتماً سينتهي ولكنه سرعان ما سيعود مرة أخرى، لأن الموقف انتهى بصرامة وليس بإفهام وإقناع الطفل بخطئه والاعتذار عنه، مما سيولد طاقة مكبوتة في نفسه ومن المتوقع أن ينفس عنها مرة أخرى وبنفس الطريقة.
وإليك بعض الأفكار التي قد تساعدك في إدارة الشجار بين الصغار:
- اقنعي نفسك أن الشجار بين أطفالك ظاهرة صحية لنموهم وليس العكس، فبذلك ستساعدين نفسك على الهدوء والتصرف بإيجابية أكثر.
- لا تتسرعي بالتدخل إلا إذا وجدت أن هناك ضرراً جسدياً قد يلحق بأحد الأخوة، هنا وجب عليك التدخل السريع ومحاولة إنهاء الموقف.
- فكري بلعبة جماعية ثم تحدثي بصوت مرتفع أمام الصغار أنك تودين أن تلعبي ومن يرغم باللعب معك عليه الجلوس فوراً، فغالباً ستجدي الجميع وقد التف حولك سعداء باللعب معك.
- بعد هدوء نوبة الخلاف احكي لأطفالك قصة ولو من نسج خيالك توضحين لهم فيها بعض القيم التي يجب أن يتعلموها كقيمة التسامح والإيثار مثلاً.
- دائماً كرري على مسامع طفلك أنك لست غاضبة منه ولكنك غاضبة من تصرفه، وفي حال قمتي بعقاب طفلك فيجب أن تفهميه أن هذا العقاب موجه للسلوك وليس لشخصه.
- من المهم أن تدرك الأم بفطرتها سبب الشجار، فقد يكون سببه الغيرة ، أو رغبة في لفت الانتباه، أو حاجة غير مشبعة لدى الطفل ويحاول أن يشعبها بطريقته الخاصة، خصوصاً إذا تكرر سلوك الشجار من نفس الطفل تجاه الآخرين فعلى الأم أن تجلس جلسة حنونة مع طفلها وتفهم منه سبب شجاره وخلافه المتكرر مع أخوته حتى تعود الأمور إلى طبيعتها.
- لا تهددي طفلك كلما تشاجر مع غيره بل كوني له القدوة الصالحة التي يقتدي بها وسيطري على غضبك قدر المستطاع فسلوكيات طفلك أياً كانت ما هي إلا انعكاس لسلوكياتك، فطفلك مرآتك التي لا تكذب ولا تتجمل.
- تذكري أن كل واحد من أطفالك سيبكي ويشتكي لك من الآخر، وستقفين وقفة القاضي المحتار الذي لا يعرف من المخطئ، وعليك أن تكوني محايدة وعادلة وتستمعي لجميع الأطراف بحيادية مطلقة ولا تنحازي لصغيرهم أو كبيرهم، وفي حال وصلت حيرتك ذروتها، فاجلسي معهم بحب وحنان وحاولي أن تجدي لكل واحد منهم خطأ تعلقين عليه بطريقة ذكية، حتى تصلي في النهاية أن يعتذر كل واحدٍ منهم للآخر دون ترك أي إحساس بالظلم بداخل أحدهم.
لا تشعري بالإحباط إذا لم تكوني معتادة على فض الشجار بطريقة سلسة وهادئة، فالتربية ما هي إلا مواقف تعلم، تعلمنا الكثير من الأمور وأهمها الصبر الذي به نستطيع تجاوز أي مشكلة تواجهنا مع أطفالنا..
أرحب بتواصلكم
– فرح حسين
باحثة نفسية مهتمة بشؤون المرأة والطفل
sweettooha@hotmail.com