الإبداع حرية، والحرية قرار واختيار وسباحة ضد قسوة التيار، وثورة كبرى على الذات وكل ما يشرنقها من تخلف بعض المكرسات غير الملائمة لواقع عصرنا الحديث. ورغم أن هذا المبدأ هو أول وأهم شروط الانضمام للتيار الإبداعي الحقيقي في العالم كله، مازلنا بعد انصرام العقد الأول من قرننا الواحد والعشرين نرى ونسمع عن مبدعات، أديبات، كاتبات، وشاعرات خليجيات يطلقن أعمالهن الإبداعية سراً بأسماء مستعارة خوفاً مما يظنونه فضيحة تؤدي لإطلاق لسان المجتمع، وبطش يد الأسرة. فتارة نسمع عن شاعرة لم يسمح لها والدها بإطلاق أشعارها إلا بعد أن أقسمت بين يديه أنها لن تعلن عن اسمها الحقيقي مهما كان أو يكون، وتارة نسمع عن شاعرة تقيم أمسيتها الشعرية سراً وهي تخفي وجهها لئلا يكتشف أحد الحاضرين من تكون!
ضرورة التطوير والحوار
عن هذه القضية أفصحت الكاتبة والأكاديمية القطرية نورة الفرج من خلال تجربتها الثقافية والأدبية إلى جانب تجربتها الإنسانية كامرأة وكاتبة عن وجهة نظرها لنا قائلة: "هناك اختلاف حتى داخل دول الخليج نفسها، وداخل بعض النطاقات بين حدود الدولة الواحدة. في قطر مثلا هناك عائلات تسمح بظهور بناتها على مختلف المستويات، وعائلات أخرى لا تسمح، وهناك فتيات يخترن هن الكتابة بأسماء مستعارة، ولكنني عشت أيضا في الأردن، وهناك بعض النطاقات تعتبر اسم الفتاة عيباً لا ينبغي التصريح به أمام الرجال، وهناك بيئات أخرى متدينة لكن حضور الفتاة وعملها وظهور اسمها هو أمر طبيعي جداً، بل إن فكرة حظر اسم الفتاة أو صورتها هي الفكرة التي تدعو إلى الاستغراب بالنسبة لهذه البيئات"
أما عن حل المشكلة من وجهة نظرها فهو ذو شقين: "الأول متعلق بالفتاة نفسها، والآخر متعلق بوعي الدائرة الأضيق المحيطة بها، وهي الأسرة أو العائلة الممتدة، إن كانت الفتاة ترغب فعلاً بالخروج ونشر اسمها فعليها أن تسعى إلى ذلك بالحكمة، لأني لا أظن أن الصدام مع العائلة سيدون ذا جدوى حقيقي، هي ستعلن عن رغبتها داخل العائلة، وستتلقى مستويات الرفض ابتداء من الرفض اللفظي، أو الحجز، أو الضرب حتى في أسوأ الحالات، ولكن ذلك لن يجعلها تخرج من البيت أو تعلن اسمها في الصحف إلى جوار قصة أو مقالة، لذا برأيي أن تعمل على تطوير نفسها، خصوصاً أكاديمياً ومهنياً، مما سيحقق لها استقلالية إلى حد ما، تتمكن بواسطتها من التحاور مع الذكور في العائلة بما يشبه الندية، وان تحاول تغيير إحساسهم بها كأنثى يمكن أن تتعرض إلى الإساءة من قبل الآخرين، او انثى غير واعية، إلى أنثى تشكل مصدر فخر لهم. الشق الآخر مرتبط بوعي الأسرة أو العائلة نفسها، فلا أظن أن بمقدورنا أن نطلب من ذكور أي عائلة إن كانوا محدودي الثقافة والتفكير ان يعاملوا نساءهم من منظور متحرر!"
لابد من تحرير الذات
من وجهة نظري أرى أن جذور الأزمة تبدأ من أعماق أولئك المبدعات أنفسهن، فمن تغريه غواية الإبداع حقاً منذ الصغر لا يمكنه إلا أن يخضع له تماماً، ويقدم له جميع القرابين. دون تحرير الذات من الداخل بنسبة مائة بالمائة يستحيل تحرير النفس من أي نظرة متدنية للقشور، ولا أبالغ إن قلت بأن معظم الشاعرات والساردات في الخليج العربي بأكمله لم يستطعن بلوغ تلك المرحلة من التصالح مع الذات لأسباب كثيرة، أهمها وقوعهن تحت وطأة الاستضعاف الفكري الإجباري من أكثر من جهة على امتداد سنوات طويلة. خوض المجال الإبداعي هو مُغامرةٌ هائلة لا تقبل أعشار أو أرباع أو حتى أنصاف الحلول، ولا يمكن لامرأة تكتب باسم مستعار، وتقيم الأمسيات الشعرية او السردية دون خلسة من وراء أهلها، قارئة نصوصها بوجه مخفى وصوتٍ مرتعش، فارضة عدم وجود وسائل الإعلام كشرطٍ لوجودها، أن تعتبر مجرد عناق أصابعها للقلم حريّة! عالم الحرية الأكبر ينطوي في ذواتكن أيها المبدعات، ابدأن بأنفسكن، تقدمن بثقة في مختلف المجالات، والبقية بعد ذلك تأتي سواء من الأسرة، او المجتمع، أو مؤسسات المجتمع المدني المهتمة بالمرأة، وتذكرن أن التاريخ يلفظ غير الواثقين، ولا يخلد إلا الأسماء الشجاعة.
– زينب علي البحراني