من النّادر أن تحظى أرض لها مساحة مملكة البحرين بكل ما تتمتع به من آثار تاريخية تؤكد جذورها الإنسانية والحضارية العميقة منذ أقدم العصور، وعلى مر العصور. ولعل البيوت القديمة والقلاع العريقة من أبرز معالم تاريخها المعماري الذي يجمع بين الأصالة وعُمق الجمال، كما أن لتلك القلاع حضور راسخ في ذاكرة الفئة الشابة التي وُلدت قبل تفشي لاقطات القنوات الفضائية بأعوام قليلة، لا سيّما أولئك المقيمين في البحرين أو المنطقة الشرقية من المملكة العربية السعودية حيث كان باستطاعة تلك اللاقطات القديمة الشبيهة بهياكل الأسماك العظميّة استقبال ترددات القناة البحرينية ومُشاهدتها دون عوائق كبيرة، إذ تم تصوير مشاهد تمثيلية ساحرة بداخل بعض تلك القلاع لصالح مُسلسلات وبرامج الأطفال التي من أشهرها وأكثرها وميضا على صفحات تاريخ الإبداع الدرامي البحريني مُسلسلي المسابقات الرمضانية "صانعو التاريخ" و "بحر الحكايات". ومن بين تلك القلاع التي لا تنسى "قلعة الرّفاع".
تُشرف هذه القلعة بإطلالتها الشامخة المبنية من الحجر الرملي على "وادي الحنينية" في منطقة الرفاع الشرقي البحرينية، وقد تم تشييدها على جُرُفٍ مُنخفض في القرن الثامن عشر الميلادي (عام 1807م) لتكون موقعا دفاعيًا حصينا ومسكنا مُلائما لوزير بحريني يسمى "الشيخ فرير بن رحال" في ذلك الحين، مُصطفيا منطقة الرفاع لتكون ملاذ سكناه لأن أرضها المُرتفعة توفر حماية استراتيجية من أي عدوان خارجي قد يُخطط لاستهداف أمن سكّانها.
مع مرور الزمن، وأحداث التاريخ المُتواترة على البحرين تداعت جُدران القلعة، إلى أن انتقل الشيخ "سلمان بن أحمد" المُلقّب بـ "الفاتح" الذي سعى لترميمها ثم الإقامة فيها. لكن صروف الزمان توالت مُجددا على القلعة فأغلقت زمنًا آخر قبل أن تُرمم مُجددًا عام 1989م؛ ويُعاد افتتاحها كمعلمٍ أثري يُرحب باستقبال السيّاح والزوّار عام 1993م.
داخل القلعة
ليس من الغريب أن يتم تصميم قلعة بُنيت في الأساس لإقامة أحد رجال الدولة البارزين بأسلوبٍ هندسي فريد ومثير للتأمّل، وهذا ما يوحي به تصميم قلعة الرّفاع الداخلي؛ إذ تتألف من ثلاثة أفنية داخليّة واسعة يستقل كل واحدٍ منها عن شقيقه بوظيفة خاصة؛ إذ يحتضن الفناء الأوّل سلمًا طينيًا "درج" يؤدي إلى الطابق العلوي، بينما يؤدي الفناء الثاني إلى خارج القلعة مُباشرة، وتتفرّع منه غرفتان مُستطيلتان يفصل بينهما حمّام صغير، وتؤدّي إحداهما إلى حصن القلعة المُستدير، وفي واجهته الغربيّة مطبخٌ ومخزن. أمّا الفناء الثالث فهو أصغر من الفناءين الآخرين، ويؤدّي إلى غُرف صغيرة أخرى. وتجدر الإشارة إلى أن ثمّة إحساسٌ فريد من نوعه ينتاب الداخل إلى هذه القلعة؛ إذ يعود التاريخ بأحاسيسه وكيانه المعنوي إلى تلك الحقبة الزمنية بكل ما تحتشد به من أخلاق، وحروب، وأصالة، وذكاء استراتيجي، وذكاء في إدارة الأمور، ومقدرة على حُسن التفكير والتدبير دون أن يشعُر، ولا يُغادرها إلا وقد أضفت على روحه لمسة من العُمق.
تستقبل هذه القلعة الرّاغبين في زيارتها من الأحد إلى الأربعاء بين الثامنة صباحا والثانية ظهرا، وفي الأربعاء من التاسعة صباحا حتى السادسة مساء، ويومي الخميس والسبت من الثامنة صباحا حتى السادسة مساءًا، أمّا في يوم الجمعة فمن الثالثة عصرا حتى السادسة مساءًا.
زينب البحراني –