مؤخراً، خطت الدراما الخليجية خطوات ملحوظة شهدت بتطورها في كافة الأنواع الدرامية، واستطاعت بذلك تجاوز أعوام كثيرة من التقدم نحو الهدف المنشود
هذا التقدم لحظته من خلال مسلسلات طرحت مواضيع اجتماعية جريئة عبر نظريات إخراجية غير مسبوقة تساندها نخبة من القامات التمثيلية المعروفة برفقة ممثلين شباب واجهوا الكاميرات لأول مرة
إن المشاهد العربي غير الخليجي قد يلاحظ تشابه الدرامات الخليجية إن جاز القول، وقد لا يستطيع التمييز بينها، وربما يعود الأمر بصيغة أو بأخرى إلى موضوع اللهجة المطروحة، فالقليل منهم مَن يميز اللهجات الخليجية بعضها بعضاً، الأمر الذي يستدعي إطلاقه – المشاهد – على كل اسم يتحدث اللهجة الخليجية وليس بالمسلسل الكويتي أو القطري أو الإماراتي على سبيل المثال، لكن رغم ذلك ظهرت نسبة كبيرة من المشاهدين القادرة على تمييزها، ولعلّ الكثير يميز الدراما الكويتية بممثليها المعروفين عربياً عن الدراما السعودية مثلاً، وهذه ليست مشكلة بقدر ما هي فرصة للتميز بين هذه الأنواع من الدراما التي انطلقت من سيناريوهات حملت على عاتقها الهم الاجتماعي؛ هذا الهم الذي يختلف بطبيعة الحال عن مثيله في الدول العربية الأخرى، فثمة الكثير من الفروقات في المستويات الاقتصادية بين الطبقات، مما يخلق بدوره تبايناً في المشكلات الاجتماعية وشدتها، وهذا الأمر ينسحب على كل ما معه وله علاقة بموضوعات الأسرة والشباب وصراع الأجيال وقضايا الفساد وبعض الانحراف الأخلاقي تحت مظلة طبيعة الحياة الاجتماعية نفسها
لكن يرى آخرون أن هناك تركيزاً واضحاً على المكان الخليجي أو قطع الديكور التي تأخذ في الكثير من الأحيان دور البطولة على حساب الشخصيات، لتصبح هذه الشخصيات شخوصاً يدورون في فلك المكان الفخم والقطع الفاخرة التي تهمش العنصر الإنساني أو هذا المورد البشري، ولأن طبيعة الحياة في دول الخليج تتطلب عموماً نسبة كبيرة من الأماكن المغلقة، ولا سيما في فصل الصيف الطويل، فمن الطبيعي أن ينعكس ذلك على نوعية المشكلات المرتبطة بها
فالكثير من المسلسلات تتخذ من البيئة الداخلية مكاناً رئيساً لها، ويتم تصويرها في استوديوهات داخلية، أي تُحل كافة المشكلات داخل هذه الأماكن المغلقة، وهذه الأماكن تحتوي الشخصيات بكل ما فيها من صالونات وغرف نوم وغرف مطبخ وبعض القليل من الأماكن المفتوحة، هذا إذا استثنينا الحياة داخل السيارات نفسها التي تأخذ ساعات معقولة من التصوير الدرامي.
فعند الحديث عن الدراما الخليجية تتبادر إلى الذهن مسائل عدة تتعلق بنوعية القضايا المطروحة في المسلسلات المدعومة جيداً بديكورات باهرة تكاد تأخذ دور البطولة المطلقة على حساب الفكرة. ومن هنا يتساءل العديد من المهتمين بالدراما عن العلاقة التي تربط بين البطولتين المذكورتين، أو يدخلون في نفق مزدحم بالأسئلة من قبيل: هل استطاعت الدراما الخليجية منافسة الدراما العربية والسورية خصوصاً؟
كما قلت سابقاً، هناك طرح مختلف للموضوعات التي تجمع دول الخليج والدول العربية الأخرى سواء على المستوى المعيشي أو المجتمعي التي ستنعكس على هذه الأعمال، فهل بالإمكان المقارنة بين هذه الدرامات انطلاقاً من الفكرة أم من حيث الخصائص الفنية الأخرى؟
وبالمقابل من ذلك، ثمة الكثير من العوامل التي ساعدت هذه الدراما على التطور، منها الإمكانيات المادية الضخمة التي تُرصد لها، والاعتماد على البيئات المكانية الباذخة المذكورة سابقاً، فضلاً عن عملية التسويق بحدّ ذاتها
لكن في الجانب الآخر، هناك العديد من مقومات النجاح التي تسود هذه الدراما، منها ما يتعلق بالممثل وإمكاناته الجسدية التمثيلية التي تطورت مؤخراً، وكذلك السيناريوهات الكتابية التي اعتمدت على حوارات درامية كانت لها العديد من المقومات الأكاديمية، وصولاً إلى عملية الإخراج المتطورة لكثير من هذه الأعمال
إن مقومات النجاح هذه استطاعت منافسة غيرها من الدرامات السورية والمصرية، وفرضت نفسها بقوة واتخذت مكاناً واضحاً لها على الخارطة الدرامية العربية، ولست هنا في وارد ذكر أسماء العديد من المسلسلات الخليجية التي صارت تأخذ وقتها وتتمكن ترسيخ وجودها في ذهنية المشاهد العربي الذي، ربما، ملّ من غيرها من الدرامات التي اعتمدت النمط أسلوباً لها، دون أن تكون هناك خيارات جدية في الطرح، ولا سيما في الأعوام الأخيرة
إذاً، هي الرغبة في طرح الجديد دائماً، وهي الغاية التي أنشئت هذه الدراما من أجلها، دون أن يكون لأي سبب آخر دور المكون الوجودي. لكن رغم ذلك، يجب الاعتراف أو التأكد من أن الدراما الخليجية فرضت خصوصيتها وكينونتها والأهم وجودها
هو الوجود المتعلق بالجرأة في الطرح التي تتميز عاماً بعد آخر، وكذلك بالميزانيات التي تزداد، لكن الإنتاج الكمي لا يزال قليلاً مقارنةً بغيرها من الدرامات، والمهم عملية التسويق العربية وليس المحلية، فمن الواضح أن هذه المسلسلات تنتقل بسهولة من بين الفضائيات الخليجية، دون أن تأخذ الدور نفسه في تنقلها بين الفضائيات العربية مثلاً، وهذه العملية تتطلب فكراً كافياً حتى يتم الإيمان بكون الدراما الخليجية مهمة وتستلزم ذلك الفكر وتلك الجماهيرية التي تزداد يوماً بعد يوم، وتستطيع بالتالي الإيمان بكونها موجودة وبقوة
آلجي حسين –
Alchy-husein@hotmail.com