يولد الطفل صفحة ناصعة البياض، يحمل بداخله قاموساً حياتياً فارغاً لا يحتوي على أي مفردات أو مصطلحات، ومع تدرجه في صعود سلم النمو يبدأ هذا الصغير بالتعلم من البيئة المحيطة به، ويلتقط الكلمات التي يسمعها من الآخرين وخصوصاً المقربين منه كالوالدين والأخوة، ويبدأ بتخزين تلك الكلمات في قاموسه الصغير، ثم يتعلم كيف يستخدم هذه الكلمات والمصطلحات في المواقف بشكل جيد، وغالباً لا يفهم الطفل معنى الكلمات التي يسمعها من الآخرين وإنما يرددها من باب محاكاة الآخرين وتقليدهم، وشيئاً فشيئاً يبدأ بفهمها من خلال تعزيز المحيطين به لهذه الكلمات الجديدة
ومنذ بداية تعلمه الكلام يردد الطفل كل ما يسمعه سواء كان حسناً أو سيئاً، وفي كثير من الأحيان لا ينتبه الأهل لأسلوب تحدثهم مع الطفل والكلمات التي تقال له خصوصاً أثناء الانفعال وقد يتفوهون بألفاظ غير مقبولة أخلاقياً واجتماعياً ونجد أن الطفل يتلقى تلك الكلمات ويخزنها في ذاكرته ثم يعود لاستخدام تلك الكلمات في نفس الموقف الانفعالي الذي تعلمها منه، مما يشكل للوالدين صدمة في تلفظ طفلهم بتلك الكلمات وينهرونه عليها وقد نسوا أنهم هم من بدأ بتعليم الطفل هذه الكلمات
فالطفل لا يتعلم مثل هذه الكلمات البذيئة أو السيئة إلا من واقع محيطه سواء أكان من داخل المنزل أو خارجه كأن يسمع ابن الجيران يتلفظ بمثل هذه الكلمات، فيخزنها في ذاكرته وهو لا يعرف معناها ولكنها بالنسبة له كلمة جديدة، وفي الواقع فإن حياة الطفل تمر بسلسلة من التعلم والاستكشاف والتي تعتبر من أهم خطوات النمو العقلي والاجتماعي واللغوي بالنسبة له، فهو يكتسب خبراته عن طريق ملاحظة ومحاكاة تصرفات الكبار
فعندما يخطئ الطفل يجب أن ننظر لأنفسنا قبل أن نوجه أصبع الاتهام له فهو لا يعي ما يقول ولا يحاسب على تصرفاته فما يقوم به ما هو إلا نوع من التقليد، فيجب علينا أن نسأل أنفسنا إذا سمعنا الطفل يتلفظ بلفظ سيء من أين سمع هذه الكلمة؟ و نسأل الطفل نفسه من أين سمع هذه الكلمة؟ ثم نبدأ بتعليم الطفل البدائل الأخلاقية التي يجب أن يتشربها من والديه منذ صغره.
ولا شك أن التلفظ بالألفاظ السيئة من أكثر السلوكيات التي تضايق الوالدين وتسبب لهم الحرج الكبير، خصوصاً إذا كانوا ملتزمين أخلاقياً ولا يتلفظون بهذه الألفاظ فيأتي صغيرهم ويتعلمها من أماكن أخرى سواء من التلفاز أو من البيئة الخارجية كبيئة المدرسة أو الأصدقاء والجيران، مما يجعل الوالدين يفكرون في كيفية تعديل هذا السلوك حتى لا يصبح عادة يعتاد عليها لسان صغيرهم
:ولكي نعلم أطفالنا الكلام الحسن علينا أن نراعي عدة أمور
أن نمثل القدوة الصالحة لأطفالنا في جميع المواقف وخصوصاً مواقف الانفعال
البعد عن تعنيف الطفل عند تلفظه بالكلمات البذيئة وسؤاله من أين سمع هذه الكلمات و من ثم إفهامه بهدوء أننا لا نحب مثل هذه الكلمات لأنها سيئة ويجب أن لا نتلفظ بها
تعليم الطفل البدائل لمثل هذه الألفاظ سواء أكانت ألفاظ سب وشتم أو لعن، فمثلاً إذا سمعنا الصغير يقول: (الله يأخذك)، بمنتهى الهدوء نقول له هذه دعوة غير جيدة الأفضل أن تقول:( الله يهديك) أو ( الله يصلحك)، فيعتاد الطفل على الكلام الطيب.
مراقبة ما يشاهده الطفل في التلفاز فمعظم الكلمات يتعلمها من المسلسلات والرسوم المتحركة، فمعرفة مصدر الكلمات السيئة هي أولى خطوات الحل
مدح الطفل كلما تحدث مع الآخرين بكلمات طيبة، فمثل هذا التعزيز سيعوِّد الطفل على التحدث دائماً بنفس الأسلوب، فالطفل يحب أن يشعر بمحبة الآخرين وتقبلهم له وخصوصاً والديه
من المهم أن لا يضحك الأهل على الطفل عندما يتلفظ بكلمة غير مقبولة من باب التسلية والمرح، فالطفل لا يفهم المقبول من غير المقبول سوى عن طريق ردة فعل المحيطين به
لا تعاتبي طفلك أو تلوميه إذا تلفظ بكلام سيء وهو غاضب، فهذا نوع من أنواع التنفيس الانفعالي بالنسبة له وتذكري أننا نحن الكبار أيضاً قد تزل لساننا بكلمات أثناء الغضب نندم عليها بعد ذلك، فالطفل يتحكم بمشاعره على قدر عمره الصغير، و لكن عندما تنتهي نوبة غضبه اجلسي معه و علميه كيف ينفس عن غضبه دون التلفظ بألفاظ سيئة
احكي لصغيرك الحكايات والقصص التي تنمي لغته وتعلمه الكلمات الحسنة حتى يعتاد عليها في حديثه مع الآخرين
إذا كان طفلك في بداية الطفولة المبكرة وبدأ بلفظ كلمة سيئة فالأفضل تجاهله وعدم التعليق ذلك لأن الطفل سريع النسيان وتعليقك قد يجعله يركز أكثر في سبب منعك مما سيجعله يكرر نفس الكلمة لك أو لأي شخص آخر
أطفالنا يراقبون تصرفاتنا فيتعلمون منها، ويسمعون كلماتنا فيكررونها، وعملية التربية تحتاج لكثير من التركيز في التعامل مع الطفل، فالطفل كالمغناطيس يجذب كل سلوكياتنا إليه، فعلينا أن ننتبه بأي لغة نخاطب الطفل و بأي أسلوب نوجهه و من واجبنا أن نشعر صغارنا بالقبول والتقبل لذاتهم، ونحترم شخصياتهم، فإن أخطأ الطفل فلنعلمه بهدوء دون ضرب أو صراخ حتى لا ينشأ انفعاليا ذو شخصية عصبية وصعبة المراس، وفي النهاية لا نلومه وإنما نلوم أنفسنا التي علمته ذلك
أرحب بتواصلكم
فرح حسين –
باحثة نفسية
مهتمة بشؤون المرأة و الطفل