لا يوجد شخص على وجه هذه المعمورة يفهم لغة بكاء الطفل مثل الأم، فهي تعرف دون سواها لماذا يبكي صغيرها حتى و لو كان بعيداً عنها.
ويصل البكاء إلى الأم عبر ثلاث مراحل: مرحلة استقبال البكاء وتحديد مصدره، ومرحلة الترجمة السريعة والفورية للغة البكاء، والمرحلة الأخيرة استجابة الأم لبكاء طفلها. ففي المرحلة الأولى نجد الأم تسمع صوت البكاء وتميز إذا ما كان صادراً من طفلها أو من سواه خصوصاً إذا كان مع مجموعة من الأطفال، ومن ثم تترجم الأم بغريزة الأمومة الفريدة لديها نوع البكاء ما إذا كان بكاء ألم أو خوف أو بكاء استغاثة! وفي المرحلة الأخيرة تُقدِر الأم استجابتها لبكاء طفلها، وللاستجابة بدورها ثلاث أنواع: استجابة بطيئة واستجابة متوسطة واستجابة سريعة وطارئة، فأحياناً تسمع الأم صوت بكاء طفلها ولا تستجيب له بسرعة وقد لا تستجيب له إطلاقاً حتى تنتهي نوبة البكاء دون تدخل، وإذا كانت مشغولة أو تتحدث في الهاتف وتسمع صغيرها يبكي فإنها تنهي مهمتها أولاً ثم تذهب لتعرف سبب بكاء طفلها، أما إذا كانت ترجمتها للبكاء على أنه حدث جلل فإنها تجري كالريح وتترك كل ما بيدها مهما كانت أهميته وتهرع إلى صغيرها وقلبها يكاد ينفطر خوفاً عليه وتضمه إلى صدرها بحنان حتى تهدأ نوبة البكاء لديه.
سبحان الله ما أعظم إحساسك أيتها الأم، وكثيراً ما نجد الأم تشعر بأن صغيرها يبكي حتى ولو لم تسمع صوت البكاء ولكن إحساس الأم يدق أجراسه بداخلها مما يجعلها تبحث عن طفلها كي تطمئن عليه.
وأسباب البكاء تختلف حسب طبيعة المرحلة العمرية التي يمر بها الطفل، فنلاحظ أن الطفل في مرحلة الرضاعة يبكي إما بسبب الجوع أو بسبب الألم ونجد الأم تلبي وبشكل سريع بكاء طفلها، ذلك لأنه لا يملك لغة أخرى غيرها ليعبر عما يشعر به، أما في مرحلة الطفولة المبكرة فيتخذ البكاء شكلاً آخر وتكون حدة الانفعال أقوى لدى الطفل من المرحلة السابقة، فهو يستطيع أن يعبر بلغة الكلام عن سبب بكائه وغالباً ما يكون البكاء في هذه المرحلة بكاء عناد وتمرد ورغبة في التسلط والأنانية وذلك تزامناً مع نمو مفهوم الذات لدى الصغير، وتعتبر مرحلة الطفولة المبكرة من أصعب المراحل وأخطرها على الإطلاق فكان لزاماً على الأهل التعامل مع نوبات الغضب والبكاء بشكل صحيح حتى ينمو الطفل نمواً نفسياً سليماً بعيداً عن الكبت ولوم الذات والشعور بالنقص.
ثم تأتي بعد ذلك مرحلة الطفولة الوسطى والتي تبدأ فيها انفعالات الطفل بالاستقرار، وتبدو نوبات البكاء أقل حدة وتكراراً من المرحلة السابقة حتى تكاد تختفي في مرحلة الطفولة المتأخرة و فيها نجد الطفل نادر البكاء ولا يبكي إلا لسبب قوي أكبر من أن تتحمله نفسه الصغيره.
لذلك عليك عزيزتي الأم أن تعرفي كيف تتعاملي مع نوبة بكاء طفلك خصوصاً في مرحلة الطفولة المبكرة، وإليك بعض الأفكار:
- أثناء نوبة البكاء، حافظي على هدوئك قدر المستطاع وثقي تماماً أن بكاء طفلك لن يستمر لساعات وما هي إلا دقائق وينتهي كل شيء.
- إذا كنتِ مدركة أن سبب البكاء واهياً ولا يستدعي أن تستجيبي له فتجاهلي سلوك البكاء دون أن تتجاهلي شخص الطفل، فقط ضميه إلى صدرك دون أن تتحدثي معه حتى يهدأ تماماً، ولا تحاولي كبت مشاعر صغيرك أو بكائه بأي شكل من الأشكال.
- إذا طلب منك طفلك طلباً وبدأ بالصراخ والبكاء فلا تلبي له طلبه لا أثناء البكاء ولا حتى بعد أن تنتهي نوبة البكاء وعليك أن تفهميه بشكل حازم وهادئ أن البكاء لا يلبي الطلبات ولا يحل المشكلات، فأنتي بذلك تهذبين انفعالات طفلك وتقودينها نحو الاستقرار.
- إذا بدأ طفلك باستيعاب الأمر وبدأت نوبات البكاء لديه تقل، يمكنك أن تعززي ذلك بشراء بعض الحلوى أو أخذه في نزهة قصيرة، فهو بذلك سيدرك أهمية الهدوء وعدم الانفعال.
- أحياناً تأخذ نوبة البكاء شكلاً مؤذياً لطفلك أو لمن حوله فبعض الصغار يضرب برأسه في الأرض أو في الحائط والبعض الآخر يقوم بضرب الأم و هناك من الأطفال من يرمي بأشياء قد تكون خطيرة، هنا لا بد من السيطرة على الطفل دون ضربه أو الصراخ في وجهه فقط قومي بمسكه بحزم حتى لا يؤذي نفسه ومن حوله حتى تهدأ لديه نوبة البكاء ثم تحدثي معه بنبرة هادئة بعيدة عن النقد و التهديد .
- تشعر الأم بالإحراج من نوبات بكاء طفلها خصوصاُ إذا كان لديها ضيوف أو كانت في مكان عام، فكثير من الأمهات تصرخ وقد تضرب صغيرها حتى يكف عن البكاء، ولا تعرف أنها بذلك قد تتسبب بمشكلة نفسية لصغيرها، وهنا نقول للأم تذكري أنك تتعاملين مع طفل وأن من ينظر لبكاء الطفل على أنه عيب أو سوء أدب فقد أخطأ التقدير، وما عليك سوى التفكير في صغيرك فهو الأهم وتجاهلي أي انتقادات تسمعينها من الآخرين.
- احذري من تجاهل بكاء الغيرة وانفعالاتها، فهي حقيقية ونابعة من أعماق طفلك، فتعاملي معها بمنتهى الوعي والحرص على عدم إيذاء مشاعر الطفل، وقد أمرنا رسولنا الكريم عليه الصلاة والسلام بالعدل بين الأبناء لخطورة وأهمية هذا الموضوع، فركزي مع أطفالك في كل حركاتك وتصرفاتك و كلامك معهم خصوصاً إذا كانوا في مراحل عمرية متقاربة.
وتذكري عزيزتي الأم أن البكاء له فوائد لطفلك، فالبكاء يساعد الطفل على التنفيس الانفعالي وعدم كبت مشاعره وهذا بدوره يساعده على النمو النفسي السوي، ولا ينكر أحدٌ منا أننا نحن الكبار أيضاً نحتاج للبكاء في كثير من الأحيان، فهو يساعد على الشعور بالراحة والتخلص من التوتر وضغوطات الحياة.
أرحب بتواصلكم
– فرح حسين
باحثة نفسية مهتمة بشؤون المرأة والطفل
sweettooha@hotmail.com