المدينة الوردية، هكذا يطلق عليها في غلب الأوساط العربية كون حجارتها تميل للون الوردي، ويطلق علي مدينة البتراء العديد من الأسماء غير المدينة الوردية نسبة للون الصخور، المدينة الصخرية وفقاً لتصميم المدينة الذي يعتمد بشكل رئيسي علي الصخور، وبشكل عام سميت المدينة بالبتراء حيث إن كلمة بترا تعني باللغة اليونانية الصخر، فهي محفورة في الصخر ومختبئة خلف حاجز منيع من الجبال المتراصة التي بالكاد يسهل اختراقها تحظى بسحر غامض. إذ أن المرور بالسيق، وهو ممر طريق ضيق ذو جوانب شاهقة العلو التي بالكاد تسمح بمرور أشعة الشمس مما يضفي تباين دراماتيكي مع السحر القادم، وفجأة يفتح الشق على ميدان طبيعي يضم الخزنة الشهيرة للبتراء المنحوتة في الصخر والتي تتوهج تحت أشعة الشمس الذهبية.
يرجع تاريخ هذه المدينة الأعجوبة إلى عام 1400 قبل الميلاد، إذ انه اقام فيها شعب يسمى الأنباط وهو من بناها بهذا الشكل وجعلها عاصمة لدولتهم التي امتدت الى اجزاء من بلاد الشام وجزء من سيناء وكذلك الشمال الغربي من الجزيرة العربية.
يعتقد بأن اصل الانباط من العراق وبالتحديد من جنوب العراق جاءوا مع جيش نبو خذ نصر الكلداني واحلوا محل الادومين في المنطقة وكانت لغتهم الارامية وبقوا مستقلين عن العرب ولكن في سنة 169 قبل الميلاد استطاع العرب ان يخضعوهم الى سلطتهم واصبحت تلك المدينة خليط من الانباط الاراميين والعرب ومع مرور الوقت تأثرت اللغة الارامية النبطية بالعربية وكذلك بالديانة الوثنية العربية.
وتقع البتراء على بعد 262 كيلومتراً إلى الجنوب من عمان، وهي واحدة من أهم مواقع الجذب السياحي في الأردن، حيث تؤمها أفواج السياح من كل بقاع الأرض، ويأتيها الباحثون عن تجليات التاريخ الإنساني، والراغبون باستحضار العصور الغابرة، في رحلة تختلط فيها المتعة بالمعرفة، وما تزال البتراء حتى يومنا هذا تحمل طابع البداوة، يمتطي زائروها ظهور الخيول والجمال، ليدخلوا المدينة في رحلة ترسخ في الذاكرة طوال العمر.
يصل الزائر إلى قلب البتراء سيراً على الأقدام، أو ممتطياً صهوة جواد، أو راكباً في عربة تجرها الخيول، ويمر عبر (السيق)، ذلك الشق الصخري الرهيب الذي يبلغ طوله أكثر من 1200 متر، وترفع حوافه الصخرية إلى 80 متراً، وعندما يصل السيق إلى نهايته، فإنه يحني في استدارة جانبية، ثم تتبدد الظلال لتظهر أعظم الآثار روعة.. الخزنة، إحدى عجائب الكون الفريدة، وهي المحفورة في الصخر الأصم على واجهة الجبل، ويلمع خصرها الوريد تحت ضوء الشمس.
وقد تطورت البتراء وتوسع العمران الفني فيها وازدهرت الثقافة بين احضانها فكانت محط اعجاب للشعوب الاخرى وللعلم بأن حضارتها تاثرت بكثير من الحضارات الاخرى وهذا ما يلمسه اي زائر لتلك المنحوتات فتجد الحضارة الفرعونية والرومانية والعربية قد القت بصماتها هناك.
ولايفوتني ان اذكر بأن النظام الاروائي في البتراء كان متطوراً بشكل هندسي رائع وبديع بدأ من شبكات السدود وحتى قنواتاتها المائية، وهنالك العديد من الواجهات التي تغري الزائر طيلة مسيره في المدينة الأثرية، وكل معلم من المعالم يقود إلى معلم آخر بانطواء المسافات.
إن الحجم الكلي للمدينة علاوة على تساوي الواجهات الجميلة المنحوتة يجعل الزائر مذهولاً ويعطيه فكرة عن مستوى الإبداع والصناعة عند الأنباط الذين جعلوا من البتراء عاصمة لهم منذ أكثر من 2000 عام خلت. ومن عاصمتهم تلك استطاع الأنباط تأسيس شبكة محكمة من طرق القوافل التي كانت تحضر إليهم التوابل والبخور والتمر والذهب والفضة والأحجار الثمينة من الهند والجزيرة العربية للإتجار بها غرباً، كما أنه عند زيارتك لمدينة البتراء ستكتشف أنها ليست فقط جبالا منقوشة، بل إنها مدينة متكاملة تحتوي علي دور للعبادة وقاعات للاحتفالات والاجتماعات، وهي أشبه بالقلعة التي حفرت من جبال صلدة شاهقة الارتفاع لحماية سكانها من أية اعتداءات خارجية.
حتى يومنا هذا مازالت المدينة محتفظة بنسبة كبيرة من معالمها الأساسية التي امتازت بها خاصة نظامها المائي الفريد والمبني بشكل هندسي تخطيطي ليسمح بانسياب الماء بواسطة الجاذبية من منابعه وعيونه إلى كافة المناطق الحيوية في المدينة، وقد حضيت هذه المدينة بشرف أن تكون احدى عجائب الدنيا السبع بفضل التصويت من العالم العربي والدعم من الحكومة الأردنية وقبل كل ذلك المنحه الإلاهيه التي حباها الله بها من جمال وحبكة في التصميم وصمود في وجه تعرية الزمن منذ حقب غابره حتى يومنا الحاضر.
– احلام معوضه القحطاني