السينما.. ذاك العالم القادر على جذب كيان المشاهد نحو عالم من البهجة والدهشة والخيال، حيث السحر الأنيق، والإبهار المتقن. صناعة كانت -ومازالت- تركض في سبيل تحديث تقنياتها الفنية والتقنية دون توقف لأجل الوصول إلى غايات شاهقة من شد اهتمام المشاهدين وإغرائهم بالصوت والصورة كي يتشبثوا بمقاعدهم أمام الشاشة السحرية الكبيرة. وعلى رأس تلك الصناعة يقف المخرجون بمواهبهم وخبراتهم لتقديم أقصى ما بوسعهم لصالح إنجاح أفلامهم منذ بداية بزوغ هذا الفن الجميل. ولعل أبرز الأفلام التي حققت نجاحات جماهيرية جعلت منها علامة تستحق فخر مخرجيها هي الأفلام التي نالت حظا موفوراً من الخدع السينمائية التي يعجز المشاهد العادي عن فك شفرتها.. ما أبرز تلك الخدع الأساسية؟ كيف بدأت؟ هنا يكمن السؤال.
الخدعة الأولى
بدأ التسجيل الأول برفقة المؤثرات السينمائية الخاصة في فيلم "إعدام ماري ملكة أسكتلندا" والذي تم إنتاجه في الولايات المتحدة الأمريكية عام 1895م. إذ صوّرت الملكة وهي تضع رأسها تحت مقصلة الجلاد، وفي الواقع فإن من كان يقوم بدور الملكة هو ممثل بديل "دوبلير" ثم أوقفت آلة التصوير واستبدل الممثل بدُمية، وعندما عادت آلة التصوير للعمل، قام الجلاد بقطع رأس الدمية بفأس. لكن المشاهدين رأوا ملكة أسكتلندا "ماري" غير مقطوعة الرأس، تسير بثبات نحو المقصلة وتضع رأسها تحت شفرتها الحادة التي تسقط وتقطع ذاك الرأس، وسط ذهول المشاهدين ودهشتهم!
الإخفاء أو القناع
عام 1896م، وبينما كان المخرج السينمائي الفرنسي "جورج ميلي" يقوم بتصوير فيلم في أحد شوارع باريس تعطلت آلة التصوير للحظات، وعند مشاهدته للفيلم أذهله رؤية اختفاء الناس عند اللحظة التي تعطلت فيها آلة التصوير. وهكذا اهتدى إلى الطريقة التي تمكنه من إخفاء أحد الممثلين أو جعله يتحرك من جانب الصورة إلى جانبها الآخر في اللحظة نفسها. وفي عام 1901م أنتج فيلماً بعنوان "الرجل ذو الرأس المطاطية" وفيه قام بتمثيل دور عالم يضع نسخة من رأسه الحي على منضدة. في البداية صور نفسه كأحد العلماء في معمله، ثم أعاد الفيلم مصوراً رأسه في اللقطة الفيلمية نفسها، لجعلها تبدو وكأنها تنمو وتكبر، وعند عرض الفيلم ظهر كل من "ميلي" العالم، و "ميلي" الرأس المفصول عن الجسم. مازال هذا الأسلوب الذي يسمى "الإخفاء" أو "القناع" مستخدماً حتى اليوم.
الرسوم المتحركة الثابتة
تعتمد هذه التقنية بداية على تحديد مكان وشكل كل منظر حركي مطلوب بعناية، ثم يتم تصوير كل نموذج لسيارة أو طائرة أو سفينة فضاء أو أي عربة متحركة يتطلبها المشهد بآلة تصوير من على منصة متحركة يتحكم فيها الحاسب الآلي، وبعد الانتهاء من تصوير كل نموذج من تلك النماذج على حدة، يتم تجميع الصور المنفصلة في جزء واحد من الفيلم.
الرسوم المتحركة الإلكترونية
عادة ما تصور عرائس الرسوم المتحركة الحديثة أثناء حركتها الفعلية أمام آلة التصوير كالممثلين تماماً، وعادة ما تصنع هذه العرائس من مادة مطاطية تثبّت فوق هيكل معدني، وتوصل الأجزاء المتحركة بأسلاك دقيقة تعمل بواسطة فنيين للتحكم في حركة تلك العرائس. أما النماذج الأكبر فإنها تعمل عن طريق ممثلين حقيقيين يرتدون أزياء تلك النماذج، بينما يكون القناع الذي على وجه الممثل متصلاً بأسلاك التحكم في حركة أهداب العينين والحاجبين وفتح الفم وقفله، ولا ينشغل الممثل بذلك لاحتياجه إلى حريّة يديه أثناء تأدية دوره، بينما يتحكم في تلك الحركات الدقيقة مشغلو العرائس بجهاز تحكم لاسلكي.
النموذج السحري
عادة ما تستخدم النماذج في المشاهد الصعبة أو المكلفة عند تصويرها في الواقع، مع التأكيد على أن الصناعة المتقنة للنموذج والتصوير الاحترافي لزواياه الملائمة هو ما يجعل المشهد يبدو حقيقياً أثناء عرضه، كما يجدر بمنتجي الأفلام توخي الحرص الشديد أثناء استخدام مثل تلك النماذج مع المياه أو النيران، لأن تصويرهما أثناء لقطة تضم نموذجاً صغير الحجم قد تجعل النموذج يبدو مزيفاً. ومن أبرز الأمثلة على استخدام النماذج غير الحقيقية في التصوير السينمائي هي تلك الأفلام التي أنتجت عن الحرب العالمية الثانية خلال أربعينيات وخمسينيات القرن العشرين، والتي كانت تظهر فيها السفن الحربية عائمة لم تكن إلا نماذج عائمة لناقلات المياه. ولجعل اللقطات الخاصة بالسفن تبدو أكثر واقعية، فقد كانت حركة الفيلم في آلة التصوير أسرع من المعتاد، حتى تبدو الموجات الصغيرة على سطح المياه أشبه بالموجات العاتية عند مشاهدة الفيلم. وعلى الرغم من ذلك فإن بعض المشاهد المصورة بنماذج في الأفلام القديمة تبدو غير حقيقية، وذلك بسبب عدم تناسب موجات البحر بالمقارنة مع حجم السفينة. أما في وقتنا الحاضر فإن النماذج المستخدمة في البحر نادراً ما تكون أصغر من ربع حجم الشيء الحقيقي الذي تمثله.
وفي العصر الحاضر
لا شك أن تقنيات الإخراج والتصوير السينمائي قد تطوّرت إلى حد كبير بعد الألفية الثالثة، لاسيما مع توفر فرص المزج الإلكتروني بواسطة برامج الحاسب الآلي الحديثة، عدا عن حذف الصور غير المطلوبة، وتعديلها، والإضافة إليها، وتقديم الخلفيات المتحركة المبتكرة. لكن رغم هذا تبقى الوسائل السابقة من أهم أساسيات حلول الخدع السينمائية التي يضطر إليها حتى أحدث المخرجين السينمائيين في كثير من الأحايين، مثلما يستخدمها عدد كبير من مُخرجي الإعلانات، والمسلسلات، والبرامج التلفزيونية المبنية على الإبهار في وطننا العربي بكثافة حتى اليوم لحل معضلات السيناريوهات المكتوبة.
– زينب علي البحراني
مرجع الحقائق التاريخية:
*إيان جراهام/ السينما والتلفزيون/ منشورات إخوان إيفانز المحدودة.