تتنفس فناً، تشكيلياً كان أو شعرياً أو مسرحياً، تشعر أن الحياة مجموعة فنون وألوان من حولنا، مرسومة بأنامل جميلة، لا نملك إلا أن نستلهم منها صوراً لا تنتهي، لتمتزج لحظة الإبداع بداخلنا مع لوحة الطبيعة الأم، فتسطع صور جديدة تعبر عن ذواتنا وعن رغباتنا ومشاعرنا الإنسانية التي تتجدد كل يوم. إن الفن ملاذها الدائم لمواجهة أشباح الحياة التي تحاصرها، إنه سلاحها الناعم في التعبير عن النفوس المتألمة من حولها. تحاول في فنها أن تقدم رسالة تكون ضمير المهمشين، وخاصة المرأة، حيث هي الجناح المكسور، وتسعى حثيثة إلى أن تخلق لوحاتها وأشعارها ردود فعل عند المتفرج، تسعى إلى فهم ذاتها كامرأة حقيقية لها دورها الفاعل في عالم اليوم.
الفن حياة متجددة
تعددت الألوان والأشكال والوجوه، تغير المكان، وبقي الفن بداخلها يتنامى ويكتمل كزهرة بيلسان، تأثرت بمحيطها الاجتماعي فارتقى فنها ليكون صورة منعكسة لآلام مكابرة، أرادت أن تكشف عن مشاعر بقيت رهينة الصمت الطويل، فكان الشعر صوت الجرح الغائر، وكان المسرح نبض الواقع، ثم الفن التشكيلي مرآة المجتمع، والذي حلق بها إلى فضاءات من الشغف والألم والرغبة إلى ما لانهاية، تجد نفسها ولدت من جديد مع كل قصيدة ولوحة، لتعود وتبدأ بعنفوان مدهش بلوحات وقصائد أخرى لاتنتهي، فتكون حياتها متجددة وخارجة من رحم الفن والقصيدة دائماً.
توضحت معالم الفن لدى لمى بعد انتقال عائلتها من سوريا إلى دولة الإمارات قبل سنوات طويلة، ومهّد لها ذلك الطريق لترسم ذكريات الشام ممتزجة بالحداثة العمرانية في دولة الإمارات العربية المتحدة، خاصة أن الدولة تهتم بكل المبدعين على أرضها، تتبناهم، وكأنهم أولاد يتامى يحتاجون إلى رعاية، خاصة القادمون من الدول الشقيقة. في لوحاتها، تظهر أطياف النساء بلون مختلف وصبغة مختلفة وروح واحدة، وفي أغلبها تكون المرأة مغلقة العينين، أو ممسوحة الوجه، لا ملامح لها، ولكأنها تعكس نظرة المجتمع الذكوري لها، وتشعر أن بعضهن يستعدن ذكريات جميلة، أو يحلمن بأيام لم يعشنها وبحار لم يشاهدنها على حد تعبير الشاعر التركي ناظم حكمت.
سيرة على دروب التأمل
الفنانة لمى عبدالله اللحام، مقيمة في دولة الإمارات العربية المتحدة منذ طفولتها، درست بكلية الاتصال في جامعة الشارقة، تخصص إذاعة وتلفزيون. عضو في رابطة أديبات الإمارات وفي النادي الثقافي العربي وجمعية حماية اللغة العربية وجمعية الإمارات للفنون التشكيلية وجمعية المسرحيين.
كانت لمى اللحام منذ طفولتها تمضي الكثير من الوقت في تأمل الطبيعة والإنسان على بحيرات الشارقة ودبي، لترسم لوحات شعرية في خيالها، إلى أن شجعها بعض رواد الفن، ممن اكتشف الحس المرهف واللمسة الفنية الجميلة لديها، وحثوها على تجسيد تلك الصور في اللوحة البيضاء، فأقامت أول معرض لها في النادي الثقافي العربي في 2008، وتبعه في العام نفسه ورشة تلوين فوانيس رمضان. ثم أقامت المعرض الثاني لها بتجربة التلوين على أفلام الطباعة بالألوان الزجاجية في النادي الثقافي العربي بالشارقة في 2010، مع الاستمرار في المشاركة بمعارض فنية جماعية، تنتقل بلوحاتها التشكيلية إلى اللوحات الشعرية، فقد أحيت أمسيات متعددة مع شعراء من مختلف الدول العربية، كان أولها في مؤسسة العويس الثقافية مع كوكبة من الأدباء والشعراء العرب، وشاركت في مهرجان دبي الدولي للشعر 2009، كما تنشر في العديد من المجلات الورقية والمواقع الإلكترونية أشعارها ولوحاتها وقصصها القصيرة وخواطرها، التي تعبر عن حالات حياتية عابرة تشكلت من التنوع السكاني حولها، الذي على حد قولها أضفى ألقاً على حياتها، ذلك أنها تجد أن التنوع الثقافي قوة تخدم المجتمع الإنساني، مستذكرة المثل الإنجليزي القائل: "التنوع بهار الحياة".
وعند لمى الفن المسرحي هو حس الحقيقة المتداخل مع الصور الشعرية والفنية المستوحاة من صور الواقع المعاش، فقد شاركت في مسرحيات في عدة مهرجانات مسرحية كان منها مهرجان الطفولة عام 2011، كما شاركت في عدة ورشات مسرحية، متأثرة بالكاتب المسرحي الكبير سعد الله ونوس.
الفن في الإمارات
تسعى الفنانة لمى بكل جهودها إلى النهوض بالحركة الفنية في دولتها الثانية، الإمارات العربية المتحدة، من خلال تعاونها المستمر مع زملائها وزميلاتها المشتغلين في الفن بكل صنوفه، وتشير إلى أسماء بارزة في عالم الفن التشكيلي في دولة الإمارات مثل: د.نجاة مكي، محمد مندي، عبيد سرور، جويرية الخاجة، محمد القصاب، محمد اليوسف، عبد القادر الريس، عبد الرحيم سالم، وابراهيم العوضي، حيث تأثرت بالكثير منهم خلال مسيرتها الفنية، وعن رأيها حول الحركة الفنية في الإمارات تقول: "الحركة الفنية في الإمارات آخذة بالتطور بشكل كبير بفضل الدعم الذي يقدمه سمو الشيخ سلطان بن محمد القاسمي على كافة الأصعدة، سواء عن طريق الورشات التعليمية في مجال الفن التشكيلي، أو تسهيل إقامة المعارض الفنية للمبدعين، وذلك بهدف خلق جسور من التواصل بين الناس والفن، ولتحقيق النهضة الفنية المبتغاة، أما في حقل الشعر، فإنه يلقى دعماً كبيراً هو الآخر، ونشهد صعود شعراء جدد في غاية الإبداع، رغم أن البعض يعلن موت الشعر، ولكني أرى عكس ذلك".
ومن إحدى قصائدها "أيائل دانة" في ديوانها الذي سيصدر قريباً، نقرأ فيها حواراً بينها وبين الطبيعة، ومن حولها أشجار النخيل والصحراء المترامية الأطراف، فيها شعور بالانتماء إلى المكان الذي تعيش فيه، حيث لا يمكن أن تسمية اغتراباً، بل وطناً تعتز به.
أيائلُ دانة
نجلاءٌ
قصيدتُها مرجانية
في فؤادِ صحراء!
أوقدت من عينها سعفاً و جذوراً
تراقصت حول يمّها
أسراب الطيور
ناجت أنظارُها السماء
أجابتها الأرض عماراً ورياضاً
همست حنجرتها: أريدُ فروعاً
أجابها البحرُ
داناتي، بعقدٍ متينٍ مزدانا
بقعتي دانةٌ
تتغنى بعنق الأصالةِ و الإباء
* * *
في غصونِ راحتي
دوحةٌ وارفة
قرأتُ في مجدها..
انسيابُ عمرٍ من أيائل البارحة ..
الإحياء ..
رفةُ عين!
و المستقبلُ نافذةٌ تترنحُ على جنةٍ خيالية ..
بارزت ذراتِ الرمل ..
بوردٍ أبيض!
شَدَت الأعين بالشطآنِ الفيروزية ..
بصنارةٍ ..
تتصيّد ورود غدها..!
نادى منادٍ ..
سمِعتُ همسهُ ..
انتحيتُ
تسأل عنهُ أحداقي ..
هرعتُ على يقظةٍ مني ..
تناهى لي ..
بإملاقِ!
ضاعت نشوتي تسألُ ..
بواكيرَ فجرهِ الماضي!
استرسلَ يُذكرُ بي ..
بحرٌ يجرُّ موجهُ شريط الذكريات..
فذكرتُهُ بجوفِ مُشتاقِ
ما درى ما أمضاهُ بنا
ريقُ الغُربةِ المذيبُ.. أوراقَنا وصورنا ..
بكؤوسِ الترياقِ!
اعذرني..
الغُربةُ وطني
ما حيلةُ كأسِكَ ..
لغيثٍ آتٍ!
– عبدالله ميزر