يقف الممثل وحيداً على خشبة المسرح مواجهاً الجمهور، يعيش صراعيْن داخلي وخارجي، يؤدي حركات عبر إيهامات، متفنناً في إبراز طاقاته الجسدية والنفسية، وبين هذه وتلك يقدم نفسه كبطل أوحد على خشبة تُعتبر الأنبل في تاريخ الفن، على خشبة المسرح "أبو الفنون".
هو فن (المونودراما) وليس المسرح العادي، هو حالة من التقمص، حدثٌ من الماضي على الأغلب، تتسلسل الأحداث عبره في حالة مسرحية سردية، بأداء ممثل ذي إمكانيات فريدة، هو نوع من البوح الذاتي. فالمسرحي السوري فرحان بلبل يعرض عناصر هذا الفن في عدة نقاط، منها: وجود دافع قوي يجبر الشخصية على الكلام، من خلال حكاية استثنائية، وكذلك صراع ضارب، وكذا شخصية واحدة تصعّد الصراع، فضلاً عن لغة حوار شفافة قريبة من قصيدة النثر، بالإضافة إلى جمالية نص قبل تمثيله.
هذه المفاهيم تتجسد في انطلاق فعاليات الدورة الخامسة لمهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما 2012، بعد عشرة أيام متواصلة من العروض والندوات والنقاشات حول فن الممثل الواحد على المستوى العربي والعالمي، وذلك في الفترة الممتدة بين 22 يناير حتى 28 يناير 2012، بمشاركة 250 كاتباً وممثلاً ومخرجاً مسرحياً من دول عربية وأجنبية شهدوا 12 عرضاً مسرحياً، هي:
– اعترافات قناع، تأليف يوكيو ميشيما، إخراج إنّا سوكولوفا غوردون.. ألمانيا.
– قطع وصل، تأليف وتمثيل رفيق علي أحمد، إخراج ناجي صوراتي.. لبنان.
– ديزديمونا، تأليف وليم شكسبير، إعداد يولانتا جوزكيويتش، إخراج أناتولي فروسين ويولانتا جوزكيويتش، تمثيل يولانتا جوزكيويتش.. أستراليا.
– أكلة لحوم البشر، تأليف ممدوح عدوان، إخراج علي الجراح، تمثيل محمد الإبراهيمي.. الأردن.
– الطريقة المضمونة للتخلص من البقع، تأليف رشا عبد المنعم، تمثيل وإخراج ريهام عبد الرازق.. مصر.
– إلى بغداد، تأليف وتمثيل وإخراج أزل يحيى إدريس.. ألمانيا والعراق.
– اصبر على مجنونك، تأليف وإخراج جمال مطر، تمثيل أحمد مال الله.. الإمارات.
– كبير المحققين، رواية "الإخوة كارامازوف" لـدويستوفسكي، إعداد ماري هيلين إيستيان، إخراج بيتر بروك، تمثيل بروس مايرز.. المملكة المتحدة.
– العاشق، رواية للكاتبة مارغريت دوراس، إعداد وتمثيل بيروتي مار، إخراج أندريوس جاكوشيونيس.. ليتوانيا.
– سوناتا الربيع، تأليف جمال آدم، إخراج ماهر صليبي، تمثيل مازن الناطور.. سوريا.
– تلك هي النهاية، تأليف بيتر توريني، إخراج بهرام أوسمانوف، تمثيل غوربان إسماعيلوف.. أذربيجان.
– العازفة، تأليف الدكتورة ملحة عبد الله، تمثيل وإخراج لطيفة أحرار.. المغرب والإمارات.
ومع اثنتي عشرة مسرحية قدمتها خشبة المهرجان، اختلفت المضامين، لكن تبقى العروض المونودرامية مشحونة بالهم الإنساني الذي يستغرق في النوازع الداخلية للشخص، وبالطبع تنوعت المضامين الإخراجية والتركيز على عملية الإضاءة التي كانت تؤدي وظيفتها الدرامية بعناية. كما حفل المهرجان بدوره بالعديد من النشاطات الهامشية مثل إقامة ندوات تطبيقية عقب كل عرض مسرحي، وندوة رئيسة عن فن المونودراما، وكذلك إصدار نشرة دورية لتغطية فعاليات المهرجان، فضلاً عن لقاءات تعزز التواصل والتحاور بين الوفود المشتركة، إضافة إلى القيام بمجموعة رحلات سياحية للوفود المشاركة في خطة للتعريف بإمارة الفجيرة، وغيرها من النشاطات.
في حين أتحف المهرجان ضيوفه في اليوم الأول بعرض حمل اسم "الفجيرة.. العالم يمرّ من هنا"، تأليف وأشعار محمد سعيد الضنحاني، وقراءة أسعد خليفة، وموسيقى وليد الهشيم، وإخراج إياد الخزوز، حيث أدى الاستعراضات فرقة أورنينا، وكانت على شكل عروض فيديو ثلاثية الأبعاد على جدران قلعة الفجيرة.
وكرّمت إدارة المهرجان أعضاء لجنة تحكيم مسابقة نصوص المونودراما الدولية، ممثلةً بهيئة الفجيرة للثقافة والإعلام، وهم: أسعد فضة من سوريا، وعبد العزيز السريع من الكويت، والدكتور عبد الكريم برشيد من المغرب، وعبد الله راشد من الإمارات.
وكذلك شهد المهرجان تكريم الفائزين في مسابقة نصوص المونودراما الدولية، وهم: الفائز الأول الدكتورة ملحة عبد الله من السعودية عن نص "العازفة"، أما الفائز الثاني فهو طه عدنان من تونس عن نص "باباي ميلو"، في حين كان الفائز الثالث هو متولي عمر بو ناصر من فلسطين عن نص "خريف الذكريات"، فضلاً عن تكريم الشخصية المكرمة في دورة هذا المهرجان وهو أستاذ المسرح، "بيتر بروك" من المملكة المتحدة. بالإضافة إلى تسليم المهرجان للدروع وشهادات التقدير للفنانين والإعلاميين وعدد كبير من المشاركين.
يُذكر أنه اختيرت إمارة الفجيرة في دولة الإمارات العربية المتحدة لتكون مقراً ثانياً بعد باريس، للهيئة العالمية للمسرح، كونها تشهد واحداً من أقوى مهرجانات المونودراما في العالم. لذا، يُعد مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما الأشهر عربياً، خاصةً بعد حصوله على التصنيف الدولي من الهيئة العالمية للمسرح وتنصيب مديره محمد سيف الأفخم رئيساً للرابطة الدولية للمونودراما، الذي أعلن عن تبني "هيئة الفجيرة للثقافة والإعلام" و"مهرجان الفجيرة الدولي للمونودراما" لـ "جائزة فاليري كازانوف للمونودراما"، والتي ستمنح لأفضل الأعمال المونودرامية على مستوى العالم، رغم أن المونودراما ظهرت في الخليج بشكل متأخر عن ظهورها العربي، ففي الإمارات، مثلاً، كان أول نص مونودرامي للمسرحي الدكتور "حبيب غلوم" بعنوان "لحظات منسية" عام 1989.
وتجدر الإشارة أيضاً إلى أن الكلمة اليونانية المونودراما "Monodrama" تنقسم إلى "Mono"؛ وحيد، و"Drama"؛ الفعل، أي مسرحية الممثل الواحد، هو فن جوّاني إلى حد كبير، وليس خافياً على أحد اسم أول ممثل بمعناه المطلق في التاريخ القديم وهو ثيسبيس "Thespis"، حين أدخل الحوار إلى المسرح بعد أن كان صامتاً لفترة طويلة، وأخرجه من إطاره الاحتفالي الطقسي إلى سماء أكثر رحابةً وفكراً، وله الفضل في إدخال الفن المونودرامي بشكل عام في المسرح.
– آلجي حسين
صوره: www.alittihad.ae