كثيرون منا تخلب ألبابهم أجواؤها السّاحرة، وكثيرون ينتظرون إعلان قائمة الأفلام الجديدة في قاعات السينما كل أسبوع، لكن القليل من يعلم كيف ومتى بدأت حكاية العرض السينمائي في الخليج عموما، وفي "البحرين" خصوصًا. ومما لا يعلمونه أن تاريخ الفن والثقافة في المنطقة كان -ومازال- يشهد للبحرين بسوابق فنية وثقافية لا يمكن لضخامتها التواري وراء غياهب النسيان، ومن أهم الميادين التي كان لها السبق فيها احتضان أول سينما في منطقة الخليج العربي، لتكون أرضها أول أرض واجهت دهشة الاحتكاك الأولى مع معطيات الغرب في المجال الفني السينمائي، ونقلتها إلى دول مُجاورة أخرى، مُحققة بذلك سبقاً فريداً في تاريخ الترفيه السينمائي وثقافته، ودعماً لطموحاته المستقبلية الكبرى في هذا المجال
حكاية البداية والدهشة
على الرّغم من أن المجتمع البحريني كان في بدايات القرن العشرين مجتمعاً صغيراً محافظاً، يغلب عليه طابع الغوص والزراعة كحرفتين رئيسيتين، وتغلب البساطة على نمط حياته الاجتماعية، وتتفشى الأمية بين أفراده، إلا أنه استقبل المحاولة الأولى لإدخال السينما في البحرين عام 1922م على يدي أحد هواة الفن، ويدعى "محمود الساعاتي" بحفاوة بالغة وإعجاب متصاعد، إذ تبادر إلى مسامع أهالي مدينة المنامة في ذلك الوقت بوجود آلة عرض سينمائية في كوخ يقع على ساحل البحر، في منطقة تنتشر فيها المقاهي الشعبية المبنية من سعف النخيل، والتي كثيراً ما يتردد عليها سكان المدينة
صفت في الكوخ المذكور ثلاثون كرسياً، ووضعت لوحة خشبية كبيرة لتقوم مقام شاشة العرض، وحدد سعر التذكرة بـ "آنتين" يتم دفعهما مسبقاً قبل الدخول، وتعطى للمشاهد قصاصة ورق صغيرة يحملها المشاهد في يده خلال مشاهدة الفلم للتأكد بأن المبلغ قد دفع، وأمام دهشة الاكتشاف الأولى تزايد الحديث بين الناس عما يشاهدونه من أفلام أثارت إعجابهم واستغرابهم، وبدأ مرتادي هذا الكوخ الصغير يتناقلون أخبار العروض التي يشاهدونها في الشوارع والمقاهي والمنازل، مما زاد من شهرتها وضاعف أعداد مرتاديها والراغبين في مشاهدة عروضها
وإذا كانت تلك التجربة الأولى قد لاقت ما لاقته من نجاح على بساطتها وبدائيتها، فقد كان هذا النجاح اللذيذ دافعاً لتجربة أخرى أكبر وأكثر احترافاً في ثلاثينيات القرن العشرين، وتحديداً عام 1937م حين شهدت البحرين فترة ازدهارها الاقتصادي والتعليمي، إلى جانب دور الأندية الثقافية والمكتبات التجارية والمسرح في توعية المواطنين وإنعاش المناخ الثقافي والرغبة في معرفة كل جديد، ورغم أن مجموعة من كبار السن عارضوا مشروع فتح سينما في البحرين لأكثر من وجهة نظر، إلا أن المشروع حقق النجاح بتعاون مجموعة من الشباب الذين اشتركوا لتأسيس أول دار سينما في البحرين عام 1937م، وأطلق عليها اسم: "مرسح البحرين"
ومع جلب الأفلام العربية من مصر وعرضها للجماهير في هذه السينما زاد الإقبال عليها بشكلٍ كبير، وحظيت باهتمام الأوساط الشعبية لتنجح على الصعيدين الفني والتجاري، وتحقق فوائد مرضية جعلت منها تجربة مثيرة تبشر بمزيد من النجاح.
سينما الأربيعينيات
بقيت سينما "المرسح البحريني" السينما الوحيدة حتى أوائل الأربعينيات من القرن العشرين، وهي السنوات التي شهدت أحداث الحرب العالمية الثانية، الأمر الذي جعل مكتب الاستعلامات البريطاني في البحرين يجلب سينما متنقلة لعرض أفلام وثائقية عن مجريات الحرب ببعض المدارس والأندية البحرينية تحقيقاً لرغبة بريطانيا في الترويج الإعلامي لانتصارات الحلفاء، وأمام تهافت الأطفال على حضور تلك العروض في مدينة المنامة، قرر مكتب الاستعلامات البريطاني عرض الأفلام الكارتونية أولا ومن ثم عرض أحداث الحرب للكبار.
ثم تم افتتاح سينما "الأهلي" لصاحبها إبراهيم محمد الزياني، وعرفت على ألسن العامة بـ "سينما الزياني". وكانت تهتم بتقديم أفلام التراث العربي، مثل "عنتر وعبلة" و "الفارس الأسود" و "وا إسلاماه
في الخمسينيات والستينيات
ازداد عدد دور السينما التي افتتحت في البحرين، ومن بينها سينما "اللؤلؤ" التي اشتهرت بالأفلام الهندية، وأفلام طرزان ورعاة البقر، وكانت تفتح عصراً في نهاية الأسبوع. وفي عام 1955م افتتحت سينما المحرق التي تميزت بعرض الأفلام العربية، وبصورة خاصة أفلام الفنان فريد الأطرش التي اقترنت بها
في أوائل الستينيات افتتحت سينما "الزبارة" لصاحبها الشيخ علي بن أحمد آل خليفة، ثم انتقلت ملكيتها إلى عبد الرحمن العلوي الذي يعتبر الأب الروحي للسينما في البحرين بسبب الجهود التي بذلها في سبيل نشر دور السينما في البلاد خلال الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، إذ كان يملك إضافة إلى سينما "الزبارة" سينما "النصر" وسينما "البحرين" وسينما "أوال" وسينما الحمراء
سينما بابكو
لا يسع التاريخ إنكار جهود شركة نفط البحرين المحدودة (بابكو) في مجال السينما، إذ عملت على افتتاح سينما "العوالي" في الأربعينيات واقتصرت على الأوروبيين وعوائلهم، وفي أوائل الخمسينيات فتحت السينما أبوابها للجميع نظير شراء تذكرة الدخول، واستمرت في تقديم العروض إلى أن تم غلقها عام 1991م. ومما لا ينسى من أدوار شركة نفط البحرين المحدودة في مجال السينما توفير سينما متنقلة لعرض الأفلام التثقيفية والتربوية في أندية وباحات مدن وقرى البحرين بين الخمسينيات والستينيات، مستخدمين مولداً كهربائياً في المناطق التي لم تصلها الكهرباء بعد
في التسعينات وبداية الألفية الثالثة
شهدت السنوات الأخيرة من القرن العشرين طفرة ملحوظة في افتتاح عدد من دور العرض التي تجمع بين الحداثة والجاذبيّة، ففي عام 1998م تم افتتاح مجموعة سينما "مجمع السيف" وعددها ست صالات، وعام 2000م افتتحت صالتا دار سينما "الجزيرة" في المحرق، كما تم افتتاح سينما "سار" ذات الأربع صالات خلال العام ذاته. وفي 2002م تم فتح 11 صالة عرض حديثة في "مجمع الدانة"التجاري، بينما شهد عام 2009م أحد أهم مشاريع شركة البحرين للسينما، وهو افتتاح مجمع "البحرين سيتي سنتر" السينمائي الذي يضم 20 شاشة عرض بأحدث التقنيات السينمائية. ومازال الاهتمام البحريني بالسينما يخطط لتدشين المزيد من أحلامه على أرض الواقع، ومازلنا ننتظر ما ستتمخض عنه تلك الأحلام الخلاّقة
زينب البحراني –
مراجع الحقائق التاريخيّة: - كتاب/ تاريخ السينما في البحرين- الدكتور/ منصور سرحان: مؤسسة الأيام،2005م