خيارات هائلة، معروضات مغرية، أشكال جذابة، نظافة ملفتة، إضاءة ساحرة، ماركات متنوعة، ألوان نادرة.. وما إلى ذلك من سلع تعرضها الأسواق التجارية الضخمة المعروفة بالمولات
ففي دول ذات مستوى اقتصادي واجتماعي مرتفع كدول الخليج، من الطبيعي أن تسيطر المولات على ثقافة الشراء لدى ساكنيها، ليس لأن طبيعة الطقس وحدها تساعد على تجميع كافة السلع في أماكن محددة بعينها، بل يتعلق الأمر أيضاً بتسهيل عملية التسوق بحد ذاتها، ووضع السلع مجتمعةً داخل إطار مكاني وزماني واحد، وبالتالي يأخذ المستهلك حاجاته كافة دون عناء أو تنقلات، فصحيح أنه يتنقل تحت سقف واحد، لكن ما أدراك ما اتساع هذا السقف
فمن أبسط الحاجات إلى أعقدها، تتوفر المستلزمات المنزلية في هذه المولات، من الخضار إلى الأدوات الكهربائية مروراً بالألبسة، وغيرها الكثير من الحاجات التي لا تخطر على بال من يرتاد المول، لكنه يكتشف بعد دخوله بأنه اشترى ما لم يكن يفكر به، أو ما لم يكن مسجلاً في القائمة التي أعدها مع زوجته في المنزل
هي الحياة التي تستأهل بطبيعة الحال العيش داخل هذه البيئة المكانية لساعات وساعات، وأنت تتجول من مكان إلى مكان، ومن قسم إلى آخر، ومن طابق إلى ثانٍ، هكذا حتى تمتلئ عربتك وأنت تقودها لتصل إلى المحاسب، وهنا ستواجه إشكالية الدور، رغم أن ثمة تنظيم في طريقة المحاسبة تتجلى في تقسيم أقسام المحاسبة إلى قسمين منها ما تتخصص بعشرة قطع فقط، وآخر بأكثر من ذلك، درءاً للازدحام
ثمة الكثير ممن يهوّل من أمر المولات التجارية ولاسيما في دول الخليج، فيرون أنها من مخلّفات العولمة، بالتحديد في طبيعة المأكولات التي تقدمها مطاعمها، وكذلك بسلبياتها على القوة الشرائية، فضلاً عن خلقها فجوة بين المستويات الاقتصادية والاجتماعية المتباينة التي ترتادها. لكن من جهة أخرى، يبقى موضوع القوة الشرائية متعلقاً بالمستهلك فقط، فهو من يقرر الشراء أو لا، ثم أن الأسعار في هذه المولات غير مرتفعة جداً مقارنةً بأماكن أخرى، وهناك توحيد عام للأسعار، بل تكثر العروضات فيها بشكل كبير، فعلى سبيل المثال، منتجات الزيوت والسمون تضم أشكالاً وماركات مختلفة ولكل منها سعرها الخاص، وقس ذلك على البضائع الأخرى، أي أن موضوع غلاء الأسعار متعلق بشكل أو بأخر بغلاء المعيشة في البلد نفسه، فليس من انفصال بين الأسعار ووضع البلد الاقتصادي
لكن من الجانب الآخر، هناك الكثير من الإغراءات التي يقع في شركها المستهلك وهو يتجول في المول، لأن الأمر متعلق بمبدأ اقتصادي يقول: الحاجات الثانوية تتطور لتصبح حاجات رئيسة، فمن المعلوم أن الحاجات الرئيسة لا يمكن الاستغناء عنها، لكن الحاجات الثانوية يبقى موضع الـتأجيل والتريث في شرائها وارداً بشكل معقول، لكن لا تلبث أن تتحول هذه الحاجات أوتوماتيكياً إلى حاجات رئيسة، لن نستطيع بعدها أخذ قرار التأجيل في شرائها، بل الإسراع في اقتنائها
وقد يكون للأمر علاقة بما تقدمه المولات في دبي مثلاً من سلع قد تكون نادرة أو لها وقعها الخاص، مثل بعض الإكسسوارات ومصوغات الزفاف التقليدية، التي يقتنيها العرسان الجدد، فضلاً عن الملبوسات الكلاسيكية كالغترة العربية؛ وهو زيّ الرأس التقليدي، هذا إذا استثنينا المواد الغذائية المتعددة كالتمور بأشكالها المتعددة وبتغليفها الأنيق والشوكولاته والعسل، بالإضافة إلى العطور كالبخور والعود وغيرها.
هذه المولات إذاً تشكل مجتمعات متكاملة، بدءاً من ركن السيارة في الباركينغ الخاص بالمول نفسه، وانتهاء بإيصال عربة التسوق الخاصة بك إلى حيث خلفية السيارة، فكل الخدمات متوفرة بفضل طاقم بشري هائل يعمل فيها مثل خلية نحل وهو بكامل جهوزيته وأناقته ولطافته ونظامه، تحت إشراف إدارات نتلمس بوضوح دأبها في إبقاء المول متوهجاً بالحركة والنظام تناسقاً مع الأمن، ولأنه مجتمع متكامل، فله العديد من الأدوار كإقامة الحفلات خلال مواسم رمضان والأعياد، وإقامة مهرجانات ثقافية فيها من خلال صالات السينما بداخلها، وأيضاً السحوبات على جوائز قيمة كالسيارات، وفيها أماكن للتزلج وألعاب الأطفال ومطاعم نوافير وممرات للمشي ومقاهٍ، كل هذه بتصميمات جذابة للغاية تجعلك تتفرج عليها لساعات دون أن تملّ من منظرها الرهيب والجميل والفائق في الأصالة والحداثة
المول إذاً يضم متاجر ويستقبل آلاف الزائرين يومياً، رغم ذلك تراه في حالة استنفار دائم، فعمال النظافة فيها يعملون على قدم وساق لجعل المول وأرضيته وجدرانه تلمع طوال فترة الـ 24 ساعة، لكن مواعيد فتح محلاتها تبلغ حوالي 12 أو 14 ساعة يومياً فقط
إن ثقافة ارتياد المولات أصبحت طقساً يومياً في دول الخليج، ولعلّ العديد من المولات الفخمة في دبي مثل دبي مول، مارينا مول، ديرة سيتي سنتر، مول الإمارات، وغيرها الكثير تشهد على ذلك، لتتحول ثقافة الشراء لدى المستهلك إلى فلسفة لها أسئلتها وإشكالياتها، ولتصبح هذه الثقافة متوارثة ضمن منظومة مجتمع ينظم حياته وفقاً لها، هي بالتالي مجتمعات متكاملة تحسم أو تفسر تلك العلاقة التي تربط بين الإنسان والسلعة التجارية التي يشتريها، محاولةً بذلك تلبية احتياجات الإنسان الاقتصادية وأيضاً الاجتماعية، كونها مرافق ضخمة تضم الكثير من أماكن الترفيه والمناسبات. لذا، المول ثقافة شرائية لها قوانينها وجماليتها
آلجي حسين –
:الصوره