بين الأول والثاني عشر من شهر أكتوبر الماضي، كان محبّو المسرح في دولة الإمارات على موعد مع مهرجان دبي لمسرح الشباب في دورته الخامسة، المهرجان جاء تحت رعاية سمو الشيخ ماجد بن محمد بن راشد آل مكتوم، رئيس هيئة دبي للثقافة والفنون، وذلك في ندوة الثقافة والعلوم في دبي، بعرض أحد عشر عرضاً مسرحياً..
فاصل ونواصل
ففي اليوم الأول، قدم (مسرح بني ياس) عرضه الذي حمل اسم "فاصل ونواصل"، من تأليف وإخراج حميد المهيري..
هو عرض يناقش قضايا الميديا والفضائيات التي يغيب عنها الهدف، كونها تخلط بين البرامج الجادة والترفيهية، وذلك عبر فلاشات سريعة ومتقطعة ليس من رابط واضح بينها من خلال فضاء مكاني مفتوح على مداه دون قطع ديكورية تعيق حركة الممثلين على الخشبة، كل هذه الفوضى الإعلامية وثقافة الاستهلاك تُنتج في إطار عمل جماعي، رغم أن الممثلين يرتدون ثياباً سوداء بأكملهم ويتحركون ضمن إضاءة خافتة ومبهمة وغير مبررة، لتضيع بذلك الفرجة المسرحية، لكنه في النهاية عرض يناقش إشكالية مهمة، ببصمات إخراجية واعدة.
محو وديمة
أما (جمعية شمل للفنون والتراث الشعبي والمسرح) فقدمت في ثاني أيام المهرجان مسرحيتها "محو وديمة" التي ألّفها علي جمال، وأخرجها محمد السعدي..
عرض يرجع بالذاكرة إلى التراث الخليجي، من خلال مصير أب وأم وابن يعيشون في إحدى القرى، وتبدو المشكلات واضحة في علاقتهما، هو عرض يعرّي الواقع ومشكلات الأشخاص بداخلها، فلكل طرف عوامل تنفّر الطرف الآخر منه، فضلاً عن أنه هجوم على الخرافات الشعبية والطب الشعبي والشعوذة المزعومة عن عودة العلاقات الحميمية بين الأزواج باستخدام علاجات وخلطات وما إلى ذلك، بالإضافة إلى كشف أسرار نفور الأزواج عن بعضيهما بعضاً، كالزوجة غير المهتمة بزوجها والزوج اللامبالي بمنظره ونظافته، حيث جاء العرض ضمن بيئة مكانية في قرية قديمة وفي أجواء ريفية بالغة في التعبير.
في المسدس رصاصة
أما في اليوم الثالث، فكان الجمهور على موعد مع عرض "في المسدس رصاصة" قدمه (مسرح الشارقة الوطني)، تأليف سالم الخرازي، وإخراج حمد عبد الرزاق..
ثلاث شخصيات محبطة تلجأ إلى الانتحار كوسيلة للهروب، فالأول أسبابه زوجية، والثاني لأسباب دراسية ووظيفية، أما الثالث فتدفعه أسباب إفلاسه، لكن ليس في المسدس سوى رصاصة واحدة، هو ذلك الثالوث الذي جمع الغني والفقير والمتعلم، إذ يجمعهم المصير والألم المشترك، ورغم ذلك أخذت كل شخصية دورها المنوط بها، وتحركت في الفضاء بشكل متوازن، ليقودنا العرض إلى حقيقة أن العلم متوحش، فليس من أحد نائل حقه.
الغرفة
مسرحية "الغرفة" التي كتبها طلال محمود وأخرجها عمر طاهر قدمها (مسرح الشباب للفنون) في اليوم الرابع من المهرجان..
لا تعتمد هذه المسرحية الأسلوب الكلاسيكي في العرض، بل تنحو صوب سيكولوجية الإنسان غير المتسقة أساساً؛ شاب يعيش في غرفته، لاشيء معه سوى أوهامه وأحلامه وآلامه، يتوق إلى الخروج والبحث عن مفتاح الحرية والتحرر عبر مونولوجات ومونودرامات قصيرة نسبياً وأحياناً طويلة حسب المدة، أي باستخدام حوارات داخلية وإبراز مشكلته مع والده الذي يكبت حريته، ثم تأتي المفارقة الدرامية في نهاية العرض عبر هطول وابل من المفاتيح من السماء، أي تمطر سماء الخشبة مفاتيح، لتتحقق مقولة الشاعر الإسباني الكبير "لوركا" في فتح النوافذ والستائر والأبواب، لكن ربما كان ما هو مبطن في العرض ألا وهو التحرك صوب إشكالية التحرش الجنسي للذكور وطرق باب القضية بشكل خجول للغاية.
رسم حديث
ثم عُرضت مسرحية "رسم حديث" في خامس أيامه، من تأليف محسن النصار وإعداد الفنان عمر غباش وإخراج مرتضى جمعة..
مسرحية تنطلق من حوارات فلسفية متعمقة بين مبدعيْن في زمن الحداثة، ثمة مدرستان فكريتان تشكيليتان تتصارعان، ثمة حداثوية وواقعية وتكعيبية وسوريالية، صراع الأفكار بين التنظير والممارسة، هما أقرب إلى محبوسيْن في غرفة مشتركة، يحتل كل منهما ركناً، لكن كانت المهارات التمثيلية واضحة، وبتطور الأحداث نكتشف أن أحدهما مفكر أو فيلسوف والآخر فنان تشكيلي، لذا فالعرض في النهاية ينتمي إلى مسرح الفكر الذي تغلب فيه طبيعة الحوارات الفكرية على الأداء نفسه.
ليلة حساب
أما مسرحية "ليلة حساب" فقد عرضت في اليوم السادس من المهرجان، وكتب نصها محمود القطان وأخرجها غانم ناصر، إنتاج (مسرح دبي الشعبي)..
صراع زوج مع زوجته الثانية، صراع زوجة أب، صراع "جنية" تدخل حياتهما، وهي تقدم كافة ذرائعها بحجة أنها ابنة زوجه التي قتلتها هي نفسها "زوجة الأب"، ويتسرب الشك إلى نفس الزوج ورويداً رويداً حتى يقتل زوجته، ثم تتكشف الأحداث أن ما حدث كان مجرد مؤامرة وشيطنة ووسواس للنفس، فالحدث لم يكن معقولاً، بل كانت الأسطورة هي البطل الأوحد، والتي جعلت العرض قريباً من مسرح الطفل، وخاصة مقدمة المسرحية الغنائية التي جاءت طويلة نوعاً ما ومملة، فهو مسرح الأرواح الشريرة والموت والفانتازيا والأسطورة والخيال.
يا ورد
وفي اليوم السابع، عُرضت مسرحية "يا ورد"، قدمها (مسرح رأس الخيمة)، تأليف عبد الله إسماعيل وإخراج مبارك خميس..
تتخذ المسرحية من مسألة استخدام جهاز "بلاك بيري" موضوعاً لها من خلال أحد الأشخاص، وهو يتعرّف أثناء علاجه في المشفى على فتاة عن طريق الهاتف، وبعد لقائهما يحدث النفور من جانب الفتاة التي لم تعجب بصورته، وفي هذا العرض بدا الارتياح واضحاً على الجمهور، كون هذا العرض اقترب نوعاً ما من التطرق لوسائل الاتصال الاجتماعي كالفيسبوك والتويتر وأجهزة الهاتف التي تكشف غير ما تضمر وخاصة بالنسبة لفئة الشباب، لكن رغم ذلك لم يغص النص في سلبيات استخدام التكنولوجيا بين الشباب، فضلاً عن أن العناصر السينوغرافية الأخرى لم تساعد المخرج في طرح رؤيته بشكل أكثر عمقاً.
الضباب
جاءت مسرحية "الضباب" من تأليف حميد فارس وإخراج عبد الله الرشدي، في اليوم الثامن، حيث قدمها (مسرح الفجيرة الوطني)..
رغم أن العرض لم يشر بشكل مباشر إلى القضية الفلسطينية ومعالجتها داخلياً، إلا أنه لم يستطع التخفي خلف صراحتها الواضحة، فهناك انقسام واضح داخل صفوفها، وثمة امرأة ترمز إلى فلسطين يتركها زوجها أي شعبها للمقاومة، وبعد أن تتسرب إليها معلومات عن استشهاده، يتربص آخر بها ويحاول النيل منها أو الزواج بها كما يقول، لكن في كل هذه الفترة يكون زوجها مراقباً لها، ويشاهد بعينيه كل ما تتعرض له زوجته دون أن يفعل شيئاً، دليلاً على اغتصاب فلسطين أمام عينيه ولا يحرك ساكناً.. هي معاناة شعب يعاني من الاحتلال. وما ميز العرض أيضاً دور الطفلة الصغيرة "أشرقت" التي تفردت بتمثيل واضح وقوة حركية وأدائية خاصة، لكن المسرحية رغم ذلك تميزت المسرحية بأمور أخرى، حيث جاء الديكور معبراً للغاية، وامتلأت الخشبة بكل ما هو مفيد في خدمة السينوغرافيا، أي كان العرض تحفةً في ألوانه وجماليته، بالإضافة إلى فكرته ونضوج إخراجه.
البنديرة
عرض "البنديرة"، تأليف وإخراج أحمد مال الله، قدمه (فرقة مسرح دبي الأهلي) في تاسع يوم من المهرجان..
غاص العرض في حياة أحد البحارة الذي يصبح نوخذة السفينة، لكن بعد أن تنجب زوجته مولوداً مشوهاً، وتتالي الأحداث يؤدي إلى تعرض سفينته للقرصنة ووقوعهم تحت الديون، تتغير مجرى حياة العائلة برمتها، وعودة أحمد "المشوه" في نهاية المطاف إلى والدته الوحيدة وتغطيتها بالراية.. والجدير ذكره أن مصطلح "البنديرة" يرمز إلى شراع السفينة التي تسير وتحدد اتجاه الرياح. كما أظهر العرض نظرة الإنسان إلى المشوه خلقياً، دون النظر إلى جماله الداخلي، علماً أن العرض يعود بالزمن إلى ثلاثينيات القرن الماضي، مستخدماً الأهازيج الشعبية عبر طقوس وأجواء بحرية وبيئة سينوغرافية مغايرة لم تُقدم من قبل، هو عرض اختلق خصوصية فريدة من نوعها.
خبصة
أما في اليوم ما قبل الأخير فقدم (المسرح الحديث في الشارقة) مسرحية "خبصة"، من تأليف جاسم الخراز وإخراج نواف المطروشي..
يحكي العرض حكاية تقسيم أرض بين أخوة، والصراع مع أخ تزوج حديثاً، وكيفية الاستيلاء على ما تبقى من أرضه، لتضيق المسافة قليلاً قليلاً حتى يعيش في رقعة أو بقعة صغيرة جداً نتيجة للاحتكار الإنساني وجشعه ولاسيما من إخوته، ثم تتوضع الحدود ومواقف الحجز على ما تبقى من هذه القطعة من الأرض، حيث يكتفي بطفل واحد من زوجته، كون بيته صغير ولا يتسع، وربما أن الحكاية مرمزة بشكل أو بآخر لمسألة الانقسام العربي السياسي للحدود بحد ذاتها.. لكن كانت الأجواء والإضاءة معبرة في هذا العرض واستطاعت الدخول إلى عمق الشخصيات وتلمست سيكولوجياتها.
للأطفال فقط
وختم المهرجان في آخر يوم له بعرض "للأطفال فقط"، من تأليف طلال محمود وإخراج مروان عبد الله صالح، قدمته (جمعية تل للثقافة والفنون والتراث)..
حكاية مدرسة تتعرض للقصف، يبقى فيها طفلان محتجزان مع جندي مضاد، ومن هنا تبدأ الحوارات بين الطفل والطفلة ممن ظهرا وكأنهما أكبر من عمريهما المفترض، فجاءت لغة الشخصيات أكبر من عمرها الزمني، ولم يسيطر الخوف عليهما وهما محتجزان، وفي هذه الأثناء يطلب منهما الجندي المساعدة، لكنهما يخافان من تقديمها. وكنهاية بوليسية شبيهة بالأفلام الأمريكية، تأتي طائرة لإنقاذهما بعد أن يموت الجندي من تأثير صخرة تبقى على جسده دون أن يستطيع إبعادها.. ويبقى العرض مشوباً للكثير من السطحية في النص مع محاولة إخراجية جديرة بالاهتمام.
في نهاية المهرجان، كان لا بد من حفل الاختتام، حيث توزيع الجوائز على العروض الفائزة، إذ كرّم سمو الشيخ منصور بن محمد بن راشد آل مكتوم، مساء الأربعاء 12 أكتوبر، الفنان العربي السوداني يحيى الحاج، الفائز بجائزة شخصية العام في الدورة الخامسة لمهرجان دبي لمسرح الشباب، تقديراً لجهود الحاج وإسهاماته في الحركة المسرحية في دولة الإمارات والعالم العربي، وكذلك الفائزين بجوائز المسابقة الرسمية للمهرجان، والفرق المسرحية المشاركة، وأعضاء لجنة التحكيم؛ حيث تكونت اللجنة من الكاتب جمال سالم رئيساً، وعضوية كل من حافظ أمان، ونجلاء الشحي، وعبد الله صالح، والدكتور هيثم الخواجة ، وجاءت نتائجها كما يلي:
– أفضل عرض مسرحي متكامل لـ (فرقة مسرح الفجيرة) عن عرضها "الضباب".
– أفضل نص مسرحي لحميد فارس عن نصه "الضباب".
– أفضل إخراج لحميد المهري عن مسرحية "فاصل ونواصل".
– أفضل تمثيل دور أول لجاسم الخراز عن دوره في مسرحية "في المسدس رصاصة".
– أفضل تمثيل دور ثانٍ لسلطان بن دافون عن دوره في مسرحية "خبصة".
– أفضل تمثيل نسائي دور أول لبدور محمد عن دورها في مسرحية "الضباب".
– أفضل تمثيل نسائي دور ثانٍ لإلهام المازم عن دورها في مسرحية "ليلة حساب".
– أفضل ديكورات مسرحية، مناصفة، بين ماجد إبراهيم عن تصميمه لديكور مسرحية "في المسدس رصاصة"، ومروان عبد الله عن تصميمه لديكور مسرحية "للأطفال فقط".
– أفضل إضاءة لغانم ناصر عن تصميمه إضاءة مسرحية "ليلة حساب".
– أفضل مؤثرات موسيقية لجاسم محمد السلطي عن مسرحية "الغرفة".
– أفضل أزياء مسرحية لخالد علي المسماري عن مسرحية "الضباب".
– جائزتان تقديريتان تحت عنوان (جائزة لجنة التحكيم الخاصة)، لعبد الله الحريبي عن دوره في مسرحية "الغرفة"، وحميد المنصوري عن دوره في مسرحية "يا ورد".
ثم قرأ الكاتب جمال سالم رئيس لجنة التحكيم، قرارات وتوصيات اللجنة، ومنها: إيجاد تفسير علمي ودقيق لمهمة الإشراف على العمل المسرحي، والاهتمام باللغة العربية الفصحى، وضرورة إقامة ورشة متخصصة مصاحبة للمهرجان تُوجه لشباب الفرق المسرحية من ضيوف المهرجان، وأن تكون العروض ورشة مفتوحة للنقاش وللدراسة العملية، وكذلك تشكيل لجنة لتقويم النصوص المشاركة، وزيادة الاهتمام بدورات السينوغرافيا، فضلاً عن إقامة دورات ترسخ مفهوم التجريب المسرحي تأليفاً وإخراجاً، وبالتالي الحرص على أن يتمتع مخرج العرض بخبرة مسرحية لا تقل عن ثلاثة أعمال في أحد المجالات الفنية للمسرح.
بقي أن أقول: المهرجان كان ينبغي أن يكون شبابياً بامتياز، كونه خاص بالشباب، فأغلبية الندوات التطبيقية التي أعقبت العروض ركزت على مسائل مهمة منها عدم الإيمان بأهمية الإضاءة كعنصر سينوغرافي مهم وضرورة تدريس هذا الفن أكاديمياً، وكذلك التركيز بشكل جدي على قضايا الشباب دون الانجرار خلف السوداوية في الطرح، والأهم معرفة ما نريد.
آلجي حسين –
Alchy1984@hotmail.com