.ومن الحب ما قتل!" عبارة يتردد كثيراً ذكرها في نهاية قصص وحكايات نسمعها أو نراها في أفلام نهايتها حزينة أو مأساوية، نردد فيها تلك العبارة الشهيرة لنفسّر فيها عبرة القصة"
هل يقتل الحب فعلاً؟! هل يمكن أن يتحول سحر الحب الجميل إلى قاتل؟ هل يمكن أن تكون له المقدرة على تحويل حياة شخص إلى نهاية؟ فتكون نهاية الحب نهاية كل شيء، نهاية السعاده، نهاية الراحة، نهاية الحياة؟!
في عالم الحب توجد عدة مراحل، فهناك من صنّف الحب بمحبه وعشق وغرام. كثير من المثقفين والأدباء احتاروا في تعريف الحب. فمازالت الدراسات الطبية تقوم بتحليل تصرفات العاشق وتأثير العقل في قرب وبعد وذكرى الحبيب. وأخذت مسألة الحب من الأساطير والمعتقدات الكثير، وقد أبدع الأدباء بنسج روايات الحب ودراما قصصها التي تارة تنتهي بنهايات سعيدة وتارة تنتهي بفراق أو مأساة موت أبطالها لرفضهم واقع الفراق أو العيش من غير المحب
وقد زخر تاريخ الأدب العربي بكثير من قصص الحب العذري التي أشتهر بها شعراء العرب آنذاك، وحولت قصصهم إلى روايات وأفلام ومسرحيات تروي معاناة أشخاصها. فكم من روايات تحكي عن عشق قيس بن الملوح في حب ليلى، الذي بات شهيراً بمجنونها وأغنى في فترة هيامه الشعر العربي. وعن جميل بن معمر العذري الملقب بجميل بثينة، نسبةً إلى أسم محبوبته، و غيرهم الكثير
ومن بين هؤلاء الشعراء لابد لنا أن نذكر سيرة أشهرهم خليجياً، فهو أحد شعراء الحب العذري، قصائدة تتميز بصورها البلاغية الرائعة وصدق الإحساس والحكمة، وتغنت كلمات قصائدة وتفنن فيها. هو الشاعر القطري محمد بن جاسم بن عبدالوهاب الفيحاني رحمه الله
ولد الشاعر محمد الفيحاني في بلده الفويرط على الساحل الشمالي الشرقي في دولة قطر في عام 1907م، وقد سمي على أسم جدة الذي كان من أكبر تجار اللؤلؤ في الخليج ووكيلاً لمؤسس دولة قطر الحديثة الشيخ جاسم بن محمد آل ثاني، وكان والده جاسم الفيحاني تاجر لؤلؤ أيضا
نشأ الشاعر يتيم الأم بعد وفاتها بعام من مولدة، وقد قامت خالتة باحتضانه ورعايته إلى أن أرسله والده إلى إحدى قريباتة بعد وفاة خالته. وتم إرساله لدراسة القراّن والأحاديث الشريفة. ذكر أن الشاعر تلقى تعليمه أيضا في الهند لسفر والده لبيع اللؤلؤ والاتجار به، تلقى هناك مبادئ اللغة الإنجليزية، فكان والده حريصاً على تعليمه وإدخاله أفضل المدارس. وبعد بلوغه سن السابعة أرسله والده إلى الكويت لتلقي العلم، فدخل مدرسه المباركيه حيث تلقى فيها العلوم الدينية والفقه وتفسيره. وأكتشف ميله للشعر والأدب فحفظ الكثير من دواوين شعراء الأدب القدامى. وتلقى تعليمة أيضا في مدرسة الهداية الخليفية في البحرين
تميز محمد الفيحاني بعد بلوغه سن الشباب بأخلاقه وكرمه، وحسن معشره ورجاحه عقله، وشهامته وعزة نفسه. عرف عنه حبه للهدوء والعزله، وكان رحمه الله قوي الشخصيه، وسيماً طويل القامة ومعتدل القوام
عاد الشاعر إلى مسقط رأسه بعد وفاة أبيه وأصبح إماماً في مسجد خواله بطلب منهم، ثم توجه إلى البحر وعمل في مهنه الغوص لاستخراج اللؤلؤ، وأصبح نوخذه على سفينة أستأجرها من أحد النواخذه في البحرين، وأطلق عليها أسم فريجه وبعد فتره قصيرة أستطاع أن يمتلك سفينة صغيره وأصبح النوخذه عليها.
أنتقل الشاعر بعد فتره زمنية الى الغاريه التي تملك فيها بيتاً مهجوراً قام بإصلاحه وترميمه، وأصبح مجلسه مفتوحاً للجميع، يستقبل فيه ضيوفه وأصحابة ويحسن كرمهم. وكان يملك ثروه لا بأس بها ورثها من والده
أحب شاعرنا الفيحاني إحدى فتيات قريته حباً عذرياً عفيفاً صادقاً شريفاً منذ الصغر، ولكن لم يسمح له بالزواج منها لأن تقاليد الأسرة لم تسمح له، وذلك لوجود أبن عم خطبها لنفسه بحسب الأعراف القبلية آنذاك. وعاش الشاعر يحدث قصائده عن معاناته، وكان يطلق عليها أسم مي في أشعاره، وذلك نسبةً لمحبوبته، شاعر أموي هو غيلان بن عقبه العدوى الذي أشتهر بالبكاء على الأطلال. وشبهه شاعرنا نفسه بنفس معاناته فأصبح منكسراً مهزوما، وقرر أن يعيش على ذكرى مي
فشلت جميع محاولات الشاعر بعدما حاول إرسال قصائد إلى بعض أصدقائه من الشخصيات المرموقة، راجياً مساعدتهم للتوسط لمبتغاه، حتى أرهقه الحب وأصيب بأمراض مستعصية العلاج. وظل يشرح معاناته في أشعاره، شحب لونه كثيراً وغامت عيناه وأصبح من يراه ينكره ولا يعرفه
عندما أشتد المرض عليه ذهب للعلاج في المستشفى الأمريكي في البحرين إلا أنه لم يعد للعلاج من وسيله، وأتضح أنه يشكو من مرض عضال في جسمه. وفي تلك الأثناء كانت مي قد توفيت، فأحس الفيحاني بالمكروه الذي أصابها وسأل صاحبه الذي أنكر له الخبر خوفاً عليه. كان أخوان الشاعر محاطين بسريره في آخر ساعات عمره وهو بالغيبوبة. فارق الشاعر الحياة يوم الجمعه من سنة 1939م و هو في عمر ال33، ودفن في مقبرة المنامة في البحرين ليسدل الستار على أجمل قصة حب في الخليج
:جزء من أشهر قصائد الشاعر الفيحاني
شربنا من عناهم وارتوينا = وعند رسوم منزلهم بكينا
وعـقب فـراقهـم شنا وحنا = وحنيــــــنا ومن ثم إنعوينا
وسايمنا وسـاقـمنا وحـنت = لنا حتى المـــنازل والعنينا
ونــاديـنا وقـلـنا خـبروهـم = تـرانا مــن محبــتهم نعينا
وترانا من مفارقهم نحلنا = وكــان فراقــهم طــاول فنينا
إلى جيتوا منازلهم فقولوا = لــهم بأقــوالـنا يــا راحـلـيـنا
ولا تنسون ما قاله محمد = أمــانــتكـم لــهـا يــا حاملينا
ريم المسلم –