ابتسامة رائعة تستقبلك حين تفتح عينيك في الصباح، ووجه ملائكي يحضر لك الفطور، وقائد يمسك زمام الأمور، وأفراد أصغر منك سنا، ومنهم أكبر يختلفون في أشياء كثيرة، ولكنهم يتفقون على شيء واحد، هو حبك، حبك أنت، فحياتك تدور حول نعمة لا مثيل لها، ولا تشترى بأموال الكون هي الأسرة
الأسرة هي الملاذ الأول والأخير لأشخاص يعيشون بمجتمعات شبيهة بمجتمعاتنا، هي وجودنا وفناءنا، هي الملجأ حين تشتد بنا الخطوب، هي الخيمة التي تضمنا جميعا تحت أعمدتها، هي المدفأة التي لا ينضب زيتها طوال العام، هي الدفء الذي يقينا من برد الأحاسيس المتفشي في جيلنا المعاصر، نعم هي الأسرة التي أصبحت شيئا فشيئا تفقد جمالها وأهميتها في توازننا النفسي والأخلاقي، فالتقدم الذي نعيشه يكاد يسحب من تحت قدميها بساط الألفة العائلية، حتى في تجمعاتنا الأسبوعية تحضر التكنولوجيا وتغيب الأحاديث الحميمة والمرحة، ينفرد كل واحد منهم في زاويته منشغل بالحديث مع أشخاص وهميين، يلجأ إلى الوهم المؤقت، ويترك الواقع الدائم، يشكو ويتألم لأناس لا يعرفهم، ويسلى عن أهل يتألمون أضعاف المرات لألمه، ننهش بجسد الأسرة كل يوم ، فحين نجلس مع والدينا وأجهزتنا بأيدينا، أجسادنا معهم فقط، أما الفكر والفؤاد فمع هذا الجهاز الممرض، نعترف بأهميته ونشوه هذه الأهمية بالمبالغة في استخدامه
الأحاسيس تجمدت بفعل هذه التكنولوجيا التي أسأنا استخدامها ، فاختلط الحابل بالنابل، لا أفراد حقيقيين نعرفهم حق المعرفة من خلال هذا الجهاز، ولا أسرة قوية الجذور تضمك بين جناحيها حين تظمأ إلى دفء العلاقات البشرية، فمن خلال الأسرة وجدت المجتمعات التي ما هي إلا نتاج لتجمع عدة أسر مع بعضها البعض في بقعة جغرافية معينة، تجاورت في المنازل والقلوب، فغدت وطنا نعمل من أجل رفعته ورقيه، وها نحن في هذا الزمن المعاصر نبدأ بتفكيك أول لبنة من لبنات تكوين الوطن، بدأنا بأهمها، بدأنا بالأسرة التي هي جذور للأوطان التي نفرح برؤية أغصانها ونستمتع بثمارها التي لا نشبع منها
من خلالك وحدك تبني وطنك وتحافظ عليه، فحين تتزوج فأنت تبني وطنا، احرص أن تكون جذوره قوية، وحين تهمل رعايتها فأنت تهدم وطنا، فكر بما سيؤول إليه، لا تستصغر دورك في هذا العالم، فعلى قدر محافظتك على أسرتك أنت تحافظ على وطنك، فاحترامنا للوقت الذي نقضيه مع أسرنا هو احترام لذواتنا قبل كل شيء، فهي دعوة إلى جميع أفراد المجتمع إلى التشبث بسفينة الأسرة، وترك أمواج التكنولوجيا تدفعها إلى ساحل الترابط لا إلى قاع البحر بتحطيمها هي ومن عليها، فالأجهزة الحديثة ستدخل بيوتنا شئنا أم أبينا، فلندعها تدخل بشكل أخلاقي أكثر، لكي لا تعبث بنا وبأطفالنا وشبابنا، تعلمها وحسن استخدامها يخلق منا شخصيات أكثر رقيا، وبالتالي ننتج أسر واعية بسلبيات وإيجابيات هذا التقدم الذي يجتاحنا
وجودك في أسرة، ووجود أسرة في حياتك، هو شيء عظيم جدا، فهي الحصن الذي يرعاك نفسيا وجسديا، لا تقلل من أهميتها في حياتك، ولا تتباهى في كثرة المعارف والأصدقاء، فللأسرة وضع آخر، كثيرا ما تتملل من زيادة قلقهم علينا، ولكننا إن افتقدنا هذا القلق ليوم واحد سنحزن، لأنهم يشعروننا بقيمتنا لديهم، وعدم اكتراثهم بنا هو عدم تقدير واهتمام منهم، وكذلك نحن حين نشعر والدينا وإخوتنا بحبنا لهم وكثرة اتصالاتنا للاطمئنان عليهم نمنحهم بذلك أمانا نفسيا لا يباع في الصيدليات ولا يقدر بثمن، هي هكذا الحياة الأسرية لها سحر ورونق خاص، مهما ادعينا ضيقنا منها فنحن نعشقها، فما بالك حين تكون هذه الأسرة ذات نظرة مستقبلية تطمح إلى الرقي بأبنائها من خلال قيم وأخلاق عالية ؟
أسرة ذات قيم وحضارة وأخلاق، هو هدف منشود في كافة المجتمعات، فلنعمل من أجل هذا الهدف بتربية أطفالنا على تقدير دور الأهل والعائلة الكبيرة في حياتنا، فلنعودهم على جمال تلك الأحاديث المتبادلة بين الجد وحفيده، على دفء الخبرة المنقولة من الجدة فالابنة فالحفيدة، على أهمية الجسد الأسري الواحد الذي نحيا به جميعا، على التعاضد بين الأخوة في السراء والضراء، على الأمان النفسي الذي لا يتحقق إلا من خلال الأسرة
هنادي الشمري –