في نوفمبر 2021، كشفت اليونسكو النقاب عن أطلس العالم للغات بهدف زيادة الوعي بالحاجة إلى الحفاظ على التنوع اللغوي العالمي وتعدد اللغات – وهي خطوة مهمة في العصر الرقمي حيث تشير الأبحاث الناشئة إلى أنه من المحتمل أن لا تكتسب 95٪ من اللغات المستخدمة اليوم وجودا عبر الإنترنت.
أحد أهم العوامل التي تؤثر على تواجد لغة عبر الإنترنت وشعبية هذه اللغة هو تطوير الخطوط المناسبة للغات المحلية أو الإقليمية الغير لاتينية الأصل. فبينما كانت الخطوط اللاتينية، وحتى وقت قريب، تهيمن على مشهد الخطوط الرقمية المخصصة للغات مثل الإنجليزية، فإن تطوير الخطوط غير اللاتينية أدى مؤخرا- و إن كان بشكل محدود – إلى زيادة حضور اللغات غير اللاتينية عبر الإنترنت.
وقد ساهم خبراء التصميم النخطي وتصميم الغرافيك في هذا التحول الإيجابي، مما أثار مناقشات في الفصول الدراسية حول دور المصممين في ضمان استمرارية اللغات، وبالتالي استمرار الهوية الثقافية والتراث عبر الإنترنت. إنه نقاش استوعبته واحتضنته المؤسسات والجامعات – مثل جامعة فرجينيا كومنولث كلية فنون التصميم في قطر.
ونستعرض هنا كل من شيما آنينة دار، خريجة تصميم الغرافيك، ويون وانغ، خريجة تصميم الغرافيك الحاصلة على ماجستير الفنون الجميلة في التصميم من جامعة فرجينيا كومنولث كلية فنون التصميم في قطر، اللتان اشتركتا خلال دراستهما الجامعية في دورات في تصميم الخط والتي كانت تدرسها الأستاذة في تصميم الغرافيك، والباحثة التي عملت على توثيق خطوط الطباعة الموجودة في جميع أنحاء مصر: بسمة حمدي.
قامت بسمه حمدي، وفي تلك الفصول، بتعريفهم على تصميم الخطوط، و أخذتهم عبر تاريخ وتطور الطباعة العربية، حتى الوقت الحاضر.
ناقش المشاركون كيفية تنسيق خطوط الكتابة في العديد من اللغات بما في ذلك اللغة العربية أو استمرار تنسيقها لتلائم المنصات الرقمية التي تم تطويرها باستخدام الخطوط اللاتينية، مع الأخذ في الاعتبار لغات مثل اللغة الإنجليزية. كما تطرقت المناقشات إلى الحاجة إلى سد الفجوة الرقمية بين اللغات، مما أدى إلى جذب انتباه يون وانغ.
كانت إحدى النقاشات التي جذبت انتباه يون وانغ هي تلك التي بحثت في كيفية إنشاء محارف اللغات غير اللاتينية لتعكس اللاتينية، حين كانت تقنية تكييف اللغات غير اللاتينية مع المنصات الرقمية لا زالت في طور التكوين.
وتقول يون وانغ: "تمت كتابة العديد من اللغات غير اللاتينية الأصل باتجاهات متباينة، ولكن تم تكييف معظمها وحصرها نوعًا ما في الاتجاه الأفقي للكتابة اللاتينية، وخاصة في الأسطح الرقمية". "كان تأثير اللغة اللاتينية مثيرًا للفضول وفي نفس الوقت مثيرا للقلق. إضافة إلى ذلك، كان من الصعب تجاهل حقيقة أن معظم الناس تكيفوا مع طريقة الكتابة الرقمية".
" تطورت التكنولوجيا بدرجة كافية مكنتنا من كتابة كل لغة لتعكس خط اليد الأصلي. بصفتي شخصًا يحب اللغات نظرًا للجودة الفريدة التي توفرها كل لغة، آمل حقًا أن يتم تمثيل كل لغة على أكمل وجه. قادتني هذه الاكتشافات إلى أكثر لغة أحبها – الكورية".
"نجد في اللغة الكورية الكثير من التعبيرات. والتي لسوء الحظ، غالبًا ما تضيع في الترجمة. بدلاً من الخوض في القيود، أردت أن أقدم المساعدة، فقمت بابتكار أشكال مختلفة تمثّل اللغة الكورية. شعرت أنه في عالمنا المعولم اليوم، قد يكون من المهم المساعدة في عملية الترجمة والتمثيل بشكل أفضل. قادتني عملية التفكير هذه إلى استكشاف تصميم الخط ثنائي اللغة باللغتين الكورية واللاتينية".
اكتشفت يون وانغ أن ابتكار الخطوط الكورية يمثل تحديًا بسبب بعض قواعد اللغة المشتركة، تماما مثل اللغة العربية.
وتوضح يون وانغ: "كان من الصعب إعادة إنتاج اللغتين العربية والكورية في الخطوط الرقمية، نظرًا لتنوعهما". "تحتوي اللغة الإنجليزية على قدر معتدل أو عدد قليل من الأحرف المركبة، مما يعني أن الترتيب الذي تكتب به الأحرف (الأبجدية) لا يؤثر بشكل عام على التالي أو يغيره. ومع ذلك، في اللغة الكورية – وكما هو الحال غالبًا في اللغة العربية – يتغير كل حرف مكتوب وفقًا للحرف الذي يليه. وهذا يعني أن كل إقتران يوفر إمكانيات مختلفة لا حصر لها، مما يعني المزيد من العمل لمصمم الخط".
خلال السنة الأخيرة من دراستها الجامعية، واصلت يون وانغ تجربة وتطوير تصاميم جديدة للخطوط باللغة الكورية. وعلى الرغم من أنها فخورة بما فعلته وحريصة على مواصلة أبحاثها، إلا أنها تعترف بالتحديات التي واجهتها.
وتشير إلى أنه "ليس من السهل الاستمرار في العمل في الطباعة". "نحتاج وقتا طويلا. في الواقع، لم يتوقع أحد أن أقوم باستكمال تصميم الخطوط، لأنه كان عملاً مملاً. لكنني كنت مغرمًة جدًا بفكرة تطوير خط بلغتي الأم بحيث لم أستطع التوقف حتى نجحت. "
أما شيما آنينة دار، فتقول أن دروس تصميم الخطوط أدت إلى كشف تراثها الخاص، وهي تؤيد وبشده ما قالته أودري أزولاي، المدير العام لليونسكو عام 2018، وبمناسبة اليوم العالمي للغة الأم : "اللغة هي أكثر بكثير من مجرد وسيلة اتصال (…) إن قيمنا ومعتقداتنا وهويتنا متأصلة في لغتنا".
وتقول شيما آنينة دار : "الاستماع إلى مناقشات الأستاذة بسمه حمدي كان بمثابة الكشف عن جذوري. دفعني ذلك للبدء في البحث في لغتي الأم". وتضيف : "وعندما فعلت ذلك، أدركت أن المشهد التصميمي للطباعة الفارسية كان راسخًا تمامًا. صادفت مصممين مشهورين في النوع الفارسي – رضا عابديني، هوما ديلفاري، وستوديو ميلي، وغيرهم. تحققت من تطور النوع الفارسي عبر العديد من المنصات الرقمية وغير الرقمية بما في ذلك الهندسة المعمارية والطباعة واللافتات التجارية ".
بعد أن اكتسب شيما آنينة دار فهمًا للخطوط الوظيفية باللغة الفارسية، استمرت شيما في استخدام "الحروف الإبداعية" كوسيلة للتعبير باستخدام النص الفارسي.
وتوضح شيما ذلك قائلة: "على عكس الخطوط، التي لها غرض عملي، فإن الحروف الإبداعية هي انفعالية وزخرفية أكثر من كونها عملية". "كان أسلوبي الشخصي هو استخدام الألوان والقوام والزوايا والعمق وحتى الأبعاد الثلاثية لابتكار كلمات باللغة الفارسية لم يكن زملائي الناطقون باللغة العربية على علم بها، ولكنهم تمكنوا من فهمها نظرًا للطبيعة التوضيحية لطريقة عرضها".
وتقول شيما آنينة دار وتقول أن أفضل ما خرجت به من المشاركة بمقرر التصميم الخطي مع مع البروفيسورة بسمه حمدي هو إحساس متجدد بالفخر بلغتها وهويتها.
وتتذكر شيما قائلة “كانت طريقة الأستاذة بسمة حمدي مختلفة تمامًا عما كنت أتوقعه"، "كنت أتوقع مناقشات ثابتة وجامدة إلى حد ما، مع عدم وجود أي مجال للإبداع. على العكس من ذلك، عندما أخبرتها أنه على خلفية مناقشاتنا حول الطباعة العربية، أود البحث في الطباعة الفارسية، وبالتالي الكتابة الإبداعية، لم يكن من الممكن أن تكون أكثر دعمًا. كطفل من أطفال الثقافة الثالثة هنا في الدوحة، كان من المذهل أن أتمكن من البحث وابتكار ومشاركة جزء من تراثي مع زملائي ومعلميني".
"جعلني ذلك أدرك مدى أهمية ثقافتي لهويتي. إنه هذا النوع من التدريس ملهم و يعمل على تمكيننا. وهذا هو التعليم الذي نصبو إليه".
كلمات ماري جوزف
هذه السلسلة جزء من شراكة تحريرية بين VCUarts Qatar و خليجسك