تنوع مشاريع التّصميم لعمّار بشير يظهر عشقه للحِرف الفنية الرّفيعة والمفاجآت البصرية. فبإصبع واحد مُغمد في كشتبانه الذهبي، تحدد المفاجآت والمراوغة البصرية الكثير من عمله المسوم بالإبهار في النّطاق والمضمون، مع حفاظه على الجودة الدقيقة النّيقة.
يوضح المصمم البحريني قائلا: "إذا شيَدتَ حلما، فشيّده بإتقان." الإستديو الإبداعي الذي يملكه في المنامة، مسؤول عن تحقيق تصميم الرؤى في أرجاء المعمورة، عبر تمكينه لعمل الصناع الذين ساهموا في مشاريعه الفندقية وقصوره الملكية. قام عمار بالتصميم الداخلي لأكثر من ١٢٠ منزلا خاصا، ومساحات البيع بالتجزئة، والمطاعم، إضافة إلى صنع تكوينات فنية عامة حول العالم. هذا إلى جانب سيرته الذاتية الحافلة بالتصميمات الداخلية للأسر الحاكمة في المنطقة.
ورغم إصراره على الجودة، كثير من التكوينات الفنية التي صممها عمّار ذات حجم ضخم، وعمر قصير. غايتها أن تُعرض بتأثير صاعق وبلا أثر تخلفه. يعلل عمّار ذلك، بقوله: "صنعت جميع الأشياء لتبقى وتؤثر في كل حواسك، لكنّي أستمتع بالمشاريع التي لها زخم قصير المدى. أنا أحب صنع بيئة جميلة، لكنّي أندفع لتدميرها. يبدو أنّ للخيالات القصيرة تأثير أكبر من مثيلاتها ذوات المدى الطويل- إما أن تكون هناك أو أن لا تكون".
من ضمن مشاريع عمّار الأخيرة: قرية اليونسكو، وهي قاعة مؤتمر منبثقة شُيّدت لاستضافة تجمع الموروث العالمي التّابع لليونسكو – ١٢.٠٠٠م٢ تكوين مُفصّل أقيم بأكمله في غضون ٤٥ يوما فقط. وكذلك، قيامه بالتصميمات الداخلية لأون موتكومب – محل أزياء في لندن – حيث صممه على طراز الباروك مستخدما ألواح مكسوّة بالإسفنج لإضفاء شعور بالحميمية داخل المحل. ولحفل زفاف جورج وأمل كلوني في لندن، صنع خيمة بيضاء تدعمها خراطيم رفيعة ترتفع لغيوم من السّتائر المرصعة بالمجوهرات، أشبه بشيء قد خرج من حلم. ولمطعم بلمز في المنامة، كسى الجدران بالإسفنج امتصاصا للضوضاء، مانحا الزائر جوا باعثا على سكينة الذهن. ولمتحف البريد في المنامة، أعدّ تكوينا غريبا بخشب مَحني من بقايا دبوس بريدي، ظرف مفتوح. ومن تصميم حفلات الزّفاف إنطلق إلى تصميم محلات فندقة عصريّة، إنّه مصمم يتمتع بتنوع فني- أسلوب مؤثر يطلق عليه "الرونق المنتقى".
ملاك السّويحل: عمار، لنبدأ بدراستك—لماذا التصميم؟
عمّار بشير: لم يكن التصميم اختياري الأول كمهنة وكان في الواقع تسوية بيني وبين أسرتي. لطالما أردت دراسة التصميم وكنت محظوظا كفاية للقاء السّيد لوسيانو بنيتون، الذي حثني على متابعة العمل في تصميم الأزياء. رغم أنّ الآباء لم يفضلوا إرسال أبنائهم لدراسة التصميم في التسعينيات، وكان والداي مهتمين بما إذا كنت سأتمكن من كسب العيش من تصميم الأزياء. بعد الإستماع لمخاوفهما، إنتقلنا للخيار الثاني الأنسب، تصميم المساحات، عارفا في قرارة نفسي أنّ حبي للتصميم سيشرق دوما من خلال مشاريعي.
م س: تعقيب: ذكرت من قبل ملاحظة مفادها أنّ: "التصميم في جيناتك". هل لك أن تسهب في هكذا وصف دقيق؟
ع ب: لقد أسرتني مهارات والدتي العظيمة. فخلال سني طفولتي الأولى، أبقت غرفة لعبي ضمن مساحة الأستديو الذي يخصها وكنت أجلس إلى جانبها ملاحظا عالما فنيا رائعا ومُتشرّبا كل طاقتها الإبداعية. وذات يوم، حين كنت في السّادسة من عمري، ذُهلت أمّي ذهولا كبيرا عندما اكتشفت إنهائي للوحة حريرية كانت تعمل عليها، لقد أكملتها بتركيبة ألوان تخصني. وبدلا من توبيخي، أثنَت على العمل الذي أنجزته وشجّعني هذا على مزاولة مواهبي الإبداعية التي امتلكتها هي فطريا.
م س: حدّثنا عن علامتك التجارية. أعرف أنّك ابتعدت عن القالب التقليدي أو أساسيات تأسيس عمل، والذي يتضمن على تأسيس نفسك على المنصات الإلكترونية (موقع رسمي ومنصات التواصل الإجتماعي) لاستهداف أكبر شريحة من المتابعين. فما الذي يعنيه إطلاق عمل مليوني ناجح، عبر الكلمات فقط؟
ع ب: كنت موفقا لتلقي الدعم ولأني أُحطت بعدد كبير من الأفراد الطموحين وذوي الرؤى خلال مسيرتي المهنية. بدءا من تنشئة والدين صالحين لي، وصولا إلى إشراف معالي الشيخة مي الخليفة– وزير الثقافة في البحرين – علي، حفّزوني ، وأرشدوني وألهموني جميعا لأؤمن بالمستحيل، وأحول الأحلام إلى واقع وتصبح روتينا يوميا. تشرفت بلقاء عدد من الأشخاص الرائعين ومن خلال شبكة علاقات ثابتة وأسماء لم أشعر بالحاجة إلى علاقات عامة، أو موقع إلكتروني، أو حتى بطاقة عمل تعريفية. جعلوا عملي يتحدث عن نفسه وقد آتى جهدي أُكله بكثير من المشاريع.
م س: حدثنا عن منهجك.. بدءا ممّا يلهم عملك، إلى رسمك على اللوح، والمواد التي تختار العمل بها، وصولا إلى تصميمك/مشروعك النهائي.
ع ب: عملية تصميمي تحتوي على منهج واحد بسيط؛ حيث أدخل إلى مساحة شاغرة وأتصورها، هذا كل ما في الأمر. إنّه شعور أكثر من كونه رسم تخطيطي مطوّر، وهو يرتبط ارتباطا كبيرا بشخصية العميل. في الماضي، اعتدت على غرس شخصيتي في تصميماتي، لكني الآن أضمن أن يعكس تصميمي شخصية عميلي ولمسة بسيطة من شخصيتي.
م س: هلّا حدثتنا عن تكويناتك وقطعك الفنية؟ كيف تنجز هكذا مشروعات؟
ع ب: أؤمن بتمكين الصناع والحرفيين كثيرا. البراعة الاستثنائية والصناعة يدوية المتقنة ما زلت أقدرهما بشدة، وأحرص على الإشراف على هؤلاء الفنانين – قدر المستطاع – لتنعكس مهاراتهم وإبداعاتهم في عملي، مثال على هذا: تصميمي لتكوين عيد الميلاد لفور سيزنس لندن. أرادوا في الفور سيزنس صرحا فنيا آسرا للألباب، وكبير الحجم فبحثت عن قرية مُصنّعين في الهند، كانوا أساتذة في حياكة الكرستال وإنتاج الخرز الزجاجي لكن صناعته اندثرت للأسف وأصبحت خارج سوق العمل. خلال هذا المشروع، تمكنّا من دعم عملهم عاما كاملا، وابتعنا معدات جديدة لهم، وجلبنا السعادة والفرح لمجتمع كامل مكون من آلاف الأشخاص. صُمّم في البحرين، وأُنتِج في الهند، ونُصِب في لندن، عكس هذا التكوين الفني فعلا مفهوم أنّ للتصميم لغة عالميّة.
م س: لديك سيرة حافلة من العمل، والإنجازات، وقاعدة عملاء مهتمين وأشخاص موقّرين ومنظمات. فهل هناك ما يمكنك مشاركته حصرا مع قرّاء خليجسك؟
ع ب: كنت محظوظا بما يكفي لقضاء نهار أندريا بوتشيلّي، وتعلّمت الكثير منه بخصوص التواصل مع داخلي. بعد تجاذب أطراف الحديث معه لساعات، لمسَ وشاحا كنت أرتديه وبدأ بوصف ألوانه (إنه كفيف). ذهلت ذهولا تاما لدقته، وعندما سألته عن كيفية فعله لذلك، أجاب: "أنا لا أنظر إلى القماش، أنا أصغي له". ومنذ ذلك الحين بدأت أنظر لتصميماتي من منظور مختلف. أنا أصغي لها.
م س: تعقيب: ما مكمن الإختلاف تجريبيا بين العمل على المشروعات العامة بالتعاون مع وزارة الثقافة البحرينية، والعمل لصالح عميل خاص؟
ع ب: إنّ العمل على مشروعات عامة والعملاء الشخصيين شديد الإختلاف. عليك أن تتواصل مع العموم بلغة يفهمونها، مراعيا أي حساسيات ثقافية، والمناخ العام للأحداث حول العالم. كلما زادت شريحة العامة، زادت الإنتقادات والأحكام المُصدرة، ورغم ذلك يجب اعتبارها كإنتقادات بنّاءة وفرصة لزيادة الوعي بالرأي العام. أؤمن أنّ التّصميم شديد الخصوصية ، ومن المتوقع ألا يُعجب البعض بعملي، وبغض النظر عن ذلك، طالما أنه يستدر العواطف، فهذا يعني أنه ناجح.
م س: هلّا أسهبت في رأيك الأخير: "التصميم الداخلي مرتبط بالسلوك الإجتماعي". كيف ذلك، ولماذا؟
ع ب: التصميم الداخلي يرتبط حقيقة بالسلوك الإجتماعي، إنه مواز لمشاعرنا داخل مساحة ويكون نوعا الإنضباط في تصرفنا وردود أفعالنا. نحن نتصرف بعواطفنا تجاه أي مساحة، سواء أكانت حجرة لعب ملونة أو مسجد فخم، أو حتى فصلا دراسيا، إنها تملي علينا سلوكياتنا تلقائيا. الفارق الوحيد اليوم هو أنّ لسلوكياتنا الإجتماعية تأثير أكبر على الدّواخل لا العكس. لقد شهدنا لفترة من الزمن تحاملا كثيرا على الدواخل الصناعية، أي الجدران الخرسانية والمواد المعاد تصنيعها. هكذا دواخل قد صُنعت بناء على الحاجة لمساحات تبعث أكثر على الإسترخاء وتسهل علينا التماهي معها، بدلا من الخوف منها.
م س: أطلعنا أكثر على نمو المشاهد الفنية البحرينية، ومثيلاتها في دول الخليج العربي، وتلك التي في السوق العالمي؟
ع ب: التصميم البحريني والمشهد الفني قد نما بتزايد كبير خلال العقدين الأخيرين، وقد جذب أسماء لامعة في عالم التصميم والعمارة. إنّ المشروعات الثقافية الحالية في البحرين من تفضيل تادو أندو وفاليريو أولغياتي اللذين وضعا هذه الجزيرة في المركز وحاولا توكيد أهمية التصميم في نطاق بيئتنا. الجيل الأصغر في البحرين الخليج العربي قد اختار التصميم في مساره التعليمي، مما يبرهن على تغير مهول في تقدير هذه الصناعة. أما المعارض الفنية المقامة في: أبوظبي، ودبي، وجدّة، فقد أظهرت حتما مدى تطورنا كإقليم فنّي.
م س: املأ الفراغ: أودُّ العمل مستقبلا مع ______________.
ع ب: المصممين والمعماريين الكويتيين.
ظهرت نسخة من هذه المقالة في منشور خليجسك ، إصدار مارس ٢٠١٩.
كلمات: ملاك السويحل
الترجمة العربية: دلال نصر الله
الصور: جيوفاني سـكواتريي ، ستوديو VYU ، لوريدانـا مانتيلو ، احمـد الغسرة