في تقاطع التصميم والهوية الوطنية، يبرز محمد شرف كأحد أبرز المصممين الذين ساهموا في إعادة تصور شعار دولة الكويت. ما بدأ كمشروع طلابي طموح تطور ليصبح مبادرة رسمية معتمدة من قبل الدولة. من مستفيدًا من دراسته في مجالي البكالوريوس والماجستير في التصميم الجرافيكي وتجربته المهنية الواسعة، وتجربته في المجال المهني، استطاع محمد تحقيق توازن دقيق بين الحفاظ على التراث وتحديث الهوية البصرية لتناسب العصر الرقمي.

في هذا الحوار، يشاركنا محمد رحلته مع المشروع، التحديات التي واجهها، ودوره في توجيه المصممين الشباب نحو فهم أعمق لتأثير التصميم على الهوية الوطنية.

لقد أخذت رمزاً وطنياً محبوباً ومنحته نظرة جديدة، وبنفس الوقت محافظاً على إرثه. ما هو أول شيء لاحظته في التصميم الأصلي وأدركت أنه بحاجة إلى تغيير أو تطوير؟

في عام 2004، أثناء زيارتي الأولى للدوحة لحضور مؤتمر تصميم في جامعة فرجينيا كومنولث كلية فنون التصميم في قطر تأثرت بمحاضرة قدمها المصمم الدنماركي بو لينمان، الذي قام بتطوير هوية بصرية متكاملة للوزارات الحكومية في بلاده. هذه التجربة ألهمتني لاحقًا للعمل على هوية الكويت.

خلال دراستي لدرجة البكالوريوس الثانية في التصميم الجرافيكي في الجامعة الأمريكية في الكويت بين عامي 2009 و2011، قررت أن أركز على مشروع يعالج الهوية البصرية للقطاع العام، وهو مجال لم يكن يحظى باهتمام كافٍ في ذلك الوقت. خلال بحثي، لاحظت غياب شعار موحد للدولة، حيث كانت معظم الجهات تستخدم نسخًا مختلفة من الشعار الرسمي.

تحول المشروع إلى مشروع تخرجي، حيث بدأت بإجراء مقابلات وبحوث مكثفة، وتوصلت إلى أن الشعار يحتاج إلى تطوير وتوحيد بدلاً من إعادة تصميمه بالكامل. كان هدفي هو جعله أكثر ملاءمة للاستخدام الحديث، مع الحفاظ على جوهره الأصلي الذي تم تصميمه في الستينيات.

على مدار السنوات، واصلت العمل على المشروع بشكل شخصي، حتى قدمت نتائجه في محاضرة بدار الآثار الإسلامية في الكويت عام 2022. بعدها، بدأت العمل رسميًا على المشروع مع وزارة الإعلام، مما أعطاني الفرصة للاستفادة من الموارد الرسمية وتحقيق رؤية متكاملة للشعار تتناسب مع متطلبات العصر الرقمي، دون المساس بهويته الأصلية.

تصميم هوية وطنية مسؤولية كبيرة جدا! ما الذي وجه نهجك في تحسين الشعار الحالي بدلاً من إعادة تصميمه بالكامل؟ ولماذا كان من المهم ابقائه على شكله الأصلي؟

الشعار الأصلي كان شاملاً ومتوازنًا بصريًا، ومع مرور السنوات أصبح من الضروري تحسينه ليتناسب مع الاستخدامات الحديثة. تم رسمه ونشره في أوائل الستينيات، ولكن بسبب تكرار النسخ اليدوية فقد بعض التفاصيل. اليوم، ومع التقدم الرقمي، كان لابد من توحيد ألوانه وتفاصيله لتتماشى مع المعايير الحديثة. خلال عملية التحديث، تم استشارة خبراء في التراث الكويتي لضمان دقة التفاصيل، خاصة في تصميم البوم والصقر، بحيث يعكس الهوية الكويتية بأدق تفاصيلها. أُنشئ دليل استخدام رسمي يحدد كيفية التعامل مع الشعار عبر الوسائل الرقمية والمطبوعة، لضمان اتساقه وتمثيله الرسمي بشكل صحيح في مختلف المنصات.

لم تكن الفكرة تغيير الشعار، بل كانت تهدف إلى ترسيخه وتطويره ليصبح أكثر ملاءمة للاستخدام في العصر الحديث، مع مراعاة المتطلبات الرقمية المختلفة، والأحجام المتنوعة، والطباعة الرقمية، وغيرها من التطبيقات الحديثة.

برأيك، كيف تساهم هوية بصرية موحدة في تعزيز إحساس الأمة بذاتها وفي تحسين صورتها على الساحة العالمية؟ وما التأثير الذي تأمل أن يتركه هذا المشروع على الكويت؟

الهوية البصرية للدولة، مثل العلم والشعار، تعكس صورتها وتمثيلها على المستويين المحلي والدولي. عدم وجود هوية موحدة قد يؤدي إلى صورة غير متناسقة، مما يجعل من الضروري توحيد الشعار لضمان انسجام التمثيل الرسمي. كان الهدف هو إنشاء دليل واضح يحدد الاستخدامات الصحيحة للشعار وأهميته الرمزية، مما يسهل التعامل معه ويحميه من التشويه أو الاستخدام غير الملائم.

على المستوى المحلي، هذه الخطوة تعزز الشعور بالوحدة بين المؤسسات الحكومية، مما يعطي انطباعًا بأن جميع الجهات الحكومية تعمل ضمن كيان واحد متكامل. أما على المستوى الدولي، فإن وجود هوية بصرية موحدة وقوية يعكس صورة احترافية متماسكة للدولة.

الحلم المستقبلي هو تأسيس كيان رسمي مسؤول عن إدارة الهوية البصرية للدولة، يضمن استمراريتها وتطورها وفق المعايير الحديثة، مع إمكانية تحديثها تدريجياً وفق الاحتياجات الجديدة.

بدأت هذه المبادرة كمشروع طلابي. كيف ساعدتك خبرتك كمعلم في تحويل المشروع إلى واقع ملموس وتطوير شكله النهائي؟

بصراحة، لدي خبرة محدودة في التدريس، لكنني أمضيت معظم حياتي المهنية في المجال الإبداعي، مما منحني رؤية مختلفة عن التعليم الأكاديمي التقليدي. لطالما كانت لدي رغبة في التدريس، لكن الفرصة لم تتح لي إلا مؤخرًا.

خلال مسيرتي الدراسية، أدركت أن المعلمين الذين يملكون خبرة عملية يقدمون منظورًا فريدًا ورؤية واقعية، فعندما درست في نيويورك، حظيت بفرصة التعلم من أساتذة محترفين في المجال، الأمر الذي جعل التجربة أكثر إلهامًا وتحديًا، وفتح أمامي آفاقًا جديدة لفهم التصميم من منظور عملي وحقيقي.

 رؤيتي كمدرس هي سد الفجوة بين التعليم الأكاديمي والخبرة العملية، وإعداد الطلاب لاكتساب تجربة مهنية حقيقية. أرى أن النظام التعليمي بحاجة إلى تعزيز التكامل بين المعرفة النظرية والتطبيق العملي لضمان تخرج طلاب أكثر جاهزية. في جامعة فرجينيا كومنولث كلية فنون التصميم في قطر، أركز على مشاركة خبرتي في التصميم ثنائي اللغة والطباعة والهوية البصرية لمساعدة الطلاب على اكتساب مهارات تطبيقية ملموسة.

في جامعة فرجينيا كومنولث كلية فنون التصميم في قطر، ترشد الطلاب نحو أعمال تصميم ذات معنى. كيف تشجعهم على التعامل مع المشاريع التي تحمل أهمية اجتماعية وثقافية، مثل هذا المشروع؟

بصراحة، كطالب سابق وكمدرس حالي، أدرك أن المشاريع الوطنية أو المتعلقة بالقطاع العام قد لا تبدو جذابة للطلاب مقارنةً بتصميم العلامات التجارية أو المنتجات أو الحملات الإعلانية.

ليس لدي العديد من الأدوات لجعل هذه المشاريع أكثر جاذبية، ولكن ما أفعله هو تقديم أمثلة عملية توضح قيمتها، وأضع نفسي وآخرين كنماذج يحتذى بها، حيث أعمل في القطاع العام وأتعامل مع تحدياته. أؤمن بأن مواجهة التحديات غير المألوفة هي فرصة للنمو والتعلم، فمن خلال العمل في مجالات غير متوقعة، نكتسب خبرات جديدة ونتعلم طرقًا مختلفة للتعامل مع المشاريع.  

أحاول دائمًا إثراء طلابي عبر مشاركة قصصي الشخصية وتجارب الآخرين الذين خاضوا تجارب مشابهة، وربطهم بأمثلة حقيقية من الخريجين الناجحين. على سبيل المثال، كنت محظوظًا بالتعرف على أفراد من فريق الهوية الرسمية لدولة قطر، ومعظمهم خريجو جامعة فرجينيا كومنولث كلية فنون التصميم في قطر وقد قدموا عملاً مذهلاً على مستوى احترافي عالمي.  

      أهدف إلى تقديم هذه المشاريع كتحديات تتيح للطلاب فرصة استكشاف إمكانيات جديدة، مع التأكيد على أن العمل في القطاع العام أو الخاص، بالإضافة إلى المشاريع الريادية والمبادرات الذاتية، لا يقل أهمية أو إبداعًا. بل إن كل مجال منها يوفر مكافآت مختلفة وفرصًا للتأثير على نطاق واسع بطرق متعددة ومتنوعة.

بالنظر إلى المستقبل، ما الذي تأمل أن يحمله طلابك معهم من تجربتهم في جامعة فرجينيا كومنولث كلية فنون التصميم في قطر إلى أدوارهم كمصممين، خصوصاً في صياغة روايات الهوية والثقافة؟

عندما نتحدث عن تشكيل سرديات الهوية والثقافة، أرى أن التصميم ليس مجرد وظيفة، بل أسلوب حياة. إنه عملية تفكير مستمرة تؤثر في كل قراراتي اليومية، من عملي المهني إلى أبسط تفاصيل حياتي مثل الملابس والطعام والروتين اليومي. التصميم ليس مجرد مهنة، بل هو ممارسة ممتدة تصبح جزءًا لا يتجزأ من الشخص.

التصميم، في جوهره، يجمع بين المنهجية والإبداع، وبين الجدية واللعب. حتى في أكثر المشاريع تعقيدًا وجدية، أؤمن بضرورة وجود عنصر المرح والإبداع الذي يضيف قيمة للعمل ويجعل التجربة أكثر ثراءً. هذه الفلسفة تنعكس في مسيرتي المهنية، حيث استطعت الجمع بين العمل الجاد والمتعة، مما جعلني أكثر انخراطًا وارتباطًا بتصميم الهويات الرسمية.

أؤمن أن التصميم هو حرفة يتم تعلمها بالممارسة والتجربة المستمرة. يبدأ المصمم بتجارب بسيطة تتطور مع الوقت، ومع التركيز والتخصص المستمر يصبح أكثر نضجًا واحترافية وتخصصًا. التعلم لا يتوقف عند حدود الفصول الدراسية، بل يمتد إلى الخبرات الحياتية والمشاريع التي قد تبدأ كأفكار صغيرة وتتطور لاحقًا إلى إنجازات كبيرة.

اليوم، عندما أنظر إلى رحلتي من زيارتي الأولى لـ جامعة فرجينيا كومنولث كلية فنون التصميم في قطر قبل 20 عامًا إلى أن أصبحت أُدرّس فيها الآن، أدرك كيف أن القرارات والتجارب السابقة شكلت مستقبلي. التصميم ليس مجرد مهنة بالنسبة لي، بل هو جزء من هويتي، وهو ما أنصح به كل من يرغب في الدخول إلى هذا المجال – أن يجعل التصميم جزءًا من حياته، تمامًا كما يفعل الفنانون الذين أحبهم، حيث يصبح فنهم جزءًا من قصتهم وهويتهم.

0 Shares:
You May Also Like
Read More

غزة سِرف كلوب

ضمن جولاته في العالم العربي، ينطلق الفيلم الوثائقي الطويل غزة سِرف كلوب للمخرجين فيليب نات وميكي يمين في…
Read More

دن‭ ‬غاليري الكويت

يضم‭ ‬معرض‭ ‬دن‭ ‬غاليري،‭ ‬المنشئ‭ ‬في‭ ‬مايو‭ ‬٢٠١٥،‭ ‬بين‭ ‬جدرانه‭ ‬أعمالا‭ ‬لفنانين‭ ‬معاصرين،‭ ‬عارضا‭ ‬أساليب‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬مجال‭…
Read More

بون ‬آب

 ‬ يعمل‭ ‬ثلاثي‭ ‬نسائي‭ ‬مكون‭ ‬من‭ ‬ثلاث‭ ‬سيدات‭ ‬اسكندنافيات‭ ‬على‭ ‬حل‭ ‬مشكلة‭ ‬الطعام‭ ‬الفائض‭ ‬في‭ ‬الإمارات‭ ‬وجبة‭ ‬تلو‭…
Read More

سارة طيبة

منذ‭ ‬طفولتها‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬العاشرة،‭ ‬كانت‭ ‬الرسامة‭ ‬السعودية‭ ‬سارة‭ ‬طيبة‭ ‬تعرض‭ ‬للعالم‭ ‬لمحات‭ ‬من‭ ‬مسارها‭ ‬الوظيفي‭ ‬المستقبلي،‭ ‬حيث‭…
Read More

اينكد

اينكد‭ ‬هو‭ ‬مطعم‭ ‬لا‭ ‬يشابه‭ ‬ما‭ ‬اعتدت‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬مطاعم،‭ ‬إذ‭ ‬يركز‭ ‬عبر‭ ‬أفكاره‭ ‬المتجددة‭ ‬على‭ ‬ابتكار‭ ‬تجارب‭…