في عالم يتشابك فيه الفن والتكنولوجيا، تبرز الفنانة والباحثة هدير عمر كأحد الأسماء الرائدة في مجال الوسائط الجديدة، تجمع هدير بين التقنيات الحديثة والسرد الشخصي، مستكشفةً قضايا الهوية الثقافية والذاكرة. من خلال أعمالها المتنوعة بين الوسائط الغامرة (XR)، الفيديو، والتصوير، تسعى إلى إعادة تعريف العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا.
كعضو في هيئة التدريس في جامعة فرجينيا كومنولث كلية فنون التصميم في قطر، تُلهم هدير الجيل القادم من المصممين لاستكشاف الوسائط الجديدة مع الحفاظ على هويتهم الثقافية. في هذا الحوار، نتعرف على رحلتها المهنية، التحديات التي واجهتها، ومشاركتها في مشاريع بارزة مثل فيديوهات كأس العالم FIFA. كما تقدم رؤيتها لمستقبل الفن ونصائحها للشباب الطموحين لدخول هذا المجال.

العنود الشرهان: يمزج عملك بشكل رائع بين التكنولوجيا والفن والسرد الشخصي، وغالباً ما يستكشف مواضيع الهوية الثقافية والذاكرة. هل يمكنك أن تخبرينا عن رحلتك في مجال الوسائط الجديدة وما الذي أشعل شغفك بهذا المجال؟
هدير عمر: منذ الصغر كنت دائما احب الاستماع للقصص اكثر من ان اسمع نهايتها، كان عندي شغف للقصة لأنني ترعرعت في بيت يحب القصص وروايتها لكي يقنعوننا بأشياء نعملها، وقد كان لدي الكثير من الفضول. وعندما قررت أن ابدأ رحلتي بعالم الفنون كان حب القصة موجود ودخل معه الفضول لمعرفة العالم الجديد الذي يوجد به الكثير من التقنيات.
بدأت رحلتي مع التكنولوجيا أيضا منذ الصغر. أحب التكنولوجيا، وأحب كل ما هو جديد ومتطور. كنت دائما أتطلع للعمل بها وأن أروي قصصي بها. ليست قصص من وحي الخيال – أحب أن أروي ما أراه بحياتي اليومية، ما يحصل معي او حتى ما أسمعه من أناس لا أعرفهم وأنا خارج المنزل.
العنود الشرهان: ذكرت أن أبحاثك تشمل الوسائط بتقنيات XR هل يمكنك وصف مشروع محدد شعرت فيها أنك دفعت حدود هذه التكنولوجيا وكيف ارتبط ذلك برؤيتك الفنية؟
هدير عمر: هناك الكثير من الأعمال التي شعرت بأنني دفعت الحدود بها، ولكن في سنة 2017 بدأت اعمل بمجال الأفلام القصيرة وكنت اريد ان اروي قصة رحلتي مع الصحة النفسية وكيف اظهر للعالم حياتي كامرأة عربية في افريقيا وبعد سنة اخبرني احد الأصدقاء انه يوجد ورشة عمل في جنوب افريقيا عن تقنيات ال XR وأنها ستكون فرصة لكي اعرض الفيلم وكنت أقول انني لا اعرف شيء عن هذه التكنولوجيا! وقال لي انها ستكون فرصة مميزة لكي اتعلم هذه التقنية، وتم اختياري مع فنانين اخرين وكنا جميعا من تخصصات مختلفة، ولكن جمعنا حبنا للذكاء الاصطناعي.
وخلال الورشة كنت اخذ اراء الفنانين الآخرين وقررت أن أروي قصص نساء أخريات والتقيت بـمصممة مجوهرات وممثلة اسمها جيهان الشماشرجي. كانت طريقتها بالكلام وشجاعتها بالطرح رائعة فقررت أن يكون الفيلم عنها وتم التصوير في قطر ومصر. انتهينا من التصوير، ونستعد الآن لعرضه في العديد من المهرجانات الدولية.
كان هذا الفيلم جزءاً كبيراً جدا من حياتي، وتعلمت منه الكثير على الصعيد الشخصي والتقني.
العنود الشرهان: عملتِ على عدد من المشاريع البارزة، مثل فيديوهات موسيقية لكأس العالم FIFA كامرأة ناجحة في مجال اغلب العاملين به من الرجال، ما التحديات والفرص الفريدة التي واجهتك؟ وما النصيحة التي تقدمينها للشابات الطموحات اللاتي يرغبن في دخول مجال الوسائط الجديدة؟
هدير عمر: بدأت رحلتي في الفن مع تصميم الجرافيك، وهو مجال مختلف تمامًا. أؤمن أن تطوير المهارات والحرف أمر مهم، لكنه ليس كافيًا لتطوير الذات. يعتقد الكثيرون أن الحصول على مؤهل دراسي يكفي، لكنني تعلمت أن العمل على الثقة بالنفس، فهم الحقوق والواجبات، وبناء العلامة الشخصية والعلاقات أمور أساسية.
في البداية، كنت أشعر بضغط لإثبات نفسي، خاصة في بيئة عمل يسيطر عليها الرجال، لكن مع الوقت أدركت أهمية تطوير نفسي بشكل شامل. شاركت في معارض ومشاريع بدون مقابل لدعم الآخرين وبناء نظام دعم إيجابي من حولي.
كنت أشعر دائمًا أنني يجب أن أحصل موافقتهم وملاحظاتهم طوال الوقت، لكنني بعد فترة، شعرت أنه يجب أن أعمل على الكثير من الأشياء، أولها ثقتي بنفسي. يجب أن أعمل على فهم القوانين. ما هي الحقوق والواجبات التي لدي كشخص مبدع؟ ما هي العلامة التجارية الخاصة بي؟ يجب أن أفهم ما يعنيه العمل على اسمي وكيف اسعى وراء حقوقي، وكيفية بناء العلاقات، وكيف يمكننا مد الجسور بين الناس، حتى لو لم نعرف سبب وجودهم في حياتنا إلى الآن.
شاركت بمعارض كثيرة دون أجر وكنت أساعد أصدقائي في مشاريعهم أيضا، وكانوا بالمقابل يأتون لمساعدتي عندما يكون لدي مشروع. الفكرة هي أن يكون لديك نظام دعم ناجح، بمعنى أن تحيط نفسك بأشخاص لديهم جميعًا طاقة إيجابية، ورغبة في أن يكونوا شيئًا، وهذا يشعرك دائمًا بالحماس، ويطورك، ويجعلك ترغب بفعل أشياء جديدة طوال الوقت.
عملي مع الفيفا كان قائمًا على أشخاص يعرفون أعمالي بالفعل ويعرفونني كشخص بشكل أساسي، وليس لأنني قدمت سيرتي الذاتية في مكان ما أو شيء من هذا القبيل. لم أحصل أبدًا على وظيفة لأنني قدمت سيرتي الذاتية في مكان ما، أبدًا. كل عملي عبارة عن توصيات شفهية.
لكن أحد الأشياء التي أشعر أن الناس يعتبرونها أمرًا مسلمًا به ويعتقدون أنها سهلة هي أنني سأتقدم بطلب للحصول على وظيفة، وأحصل على عمل وهذا كل شيء. لذا، فأنا لا أقول إن الأمر أسهل بالنسبة للمرأة أو أصعب بالنسبة للرجل، لأكون صادقة ، فنحن جميعًا نكافح بطرق مختلفة. الرجال أيضًا لديهم مشاكلهم، وأنا أراها وأسمعها طوال الوقت.
العنود الشرهان: كأستاذة في جامعة فرجينيا كومنولث كلية فنون التصميم في قطر، كيف تلهمين الطلاب لاحتضان هويتهم الثقافية أثناء استكشاف إمكانيات الوسائط الجديدة؟
هدير عمر: أجعل فصولي الدراسية بمثابة قائمة أمنيات لكل ما أردت فعله أثناء دراستي الجامعية. كنت دائمًا أتساءل عن صوتي وتأثيري، وشعرت أنني بلا قصة تستحق السرد. لكن مع طلابي، أدركت أن لكل منا قصة وشخصية تستحق الاكتشاف. أسعى لجعلهم يشعرون بالراحة، يتعلمون ليس فقط من أجل الدرجات، بل لاكتشاف أنفسهم، بيئتهم، وعلاقاتهم.
أستخدم أدوات جديدة لمساعدتهم في التعبير عن أنفسهم، وأكون قريبة منهم كمرشدة وصديقة. أحب تفاعلهم واقتراحاتهم، خاصة مع تفاوت خلفياتهم الفنية. أحرص على خلق مواقف تجعلهم يكتشفون الفن في حياتهم اليومية، ويفهمون كيف يمكن للفن أن يعبر عن مشاعرهم ويوثق تجاربهم.
لذا، فهي رحلة تطورية، لأنه في كل مرة أعلمهم فيها، أنا أتعلم، وفي كل مرة يفهمون فيها ما أعنيه، إنها عملية ممتعة وتفاعلية، وأنا أحبها لأنها تعلمني حتى في ممارساتي الخاصة. في كل فصل دراسي، أعمل معهم على فكرة ما، وأطبق دراستي أو بحثي الخاص في الفصل، وفي الوقت نفسه، أتعلم منهم، لذلك أجد نفسي أغير الأشياء في بحثي بناءً على ما اختبرناه أو جربناه في الفصل.

العنود الشرهان: ما هي تطلعاتك لمستقبل فن الوسائط الجديدة في المنطقة؟ وكيف ترين أن عملك يساهم في تطوره؟
هدير عمر: أشعر بزيادة الوعي بالإعلام الجديد في المنطقة، مع افتتاح أقسام للإعلام الجديد في المؤسسات والمدارس في مدن مثل القاهرة، دبي، قطر، والسعودية. هذا التطور أتاح للفنانين فرصًا أوسع لعرض تجاربهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وأصبحوا أكثر جرأة في تجربة الأفكار دون انتظار المعارض التقليدية.
الفن الرقمي سهّل عليهم الوصول إلى جمهور أوسع ومشاركة أعمالهم عالميًا عبر منصات مثل إنستغرام وتيك توك. كما أن الإلهام من مهرجانات عالمية شجع على تنفيذ أفكار مشابهة في المنطقة، ما زاد من الانفتاح والدعم المالي في هذا المجال المكلف.
أؤمن بتجربة مجالات متعددة بدلاً من التخصص في شيء واحد. على سبيل المثال، عندما أثرت جائحة كورونا على عملي في الواقع الافتراضي، انتقلت إلى عرض الفيديو ورواية القصص بطرق مبتكرة. بالنسبة لي، التكيف مع التغيرات واستكشاف الاحتمالات هو المفتاح.
وفي هذه الحالة لو كنت عنيدة والسوق مغلق وأقول انه يجب ان استخدم تقنية الواقع الافتراضي سأكون قد قيدت نفسي ففكرة القفز بين الوسائط المتعددة تجعلني مرنه للغاية واستطيع ان اتكيف مع الوضع ويعطيني حافز للاستمرار، على سبيل المثال في غضون 10 سنوات، لو تولى الذكاء الاصطناعي الفن، سأكون أنا بخير، سأجد شيئًا آخر أفعله وسأعمل مع الذكاء الاصطناعي.
وأعتقد أن الجيل الجديد يحتاج إلى أن يكون فضوليًا ويرغب في التعلم وأن لا يستسلموا مبكرا لأن كل شيء يحتاج إلى الكفاح والعمل الجاد. والفن يستغرق الكثير من الوقت، وفي نفس الوقت، لأنني أحب الفن، لا أشعر أنه عبء بالنسبة لي. أشعر أنه جزء من حياتي وأحب الذهاب إلى العمل لأنني أعلم أنني سأتعلم أشياء جديدة واجرب أدوات جديدة أيضا.
واعتقد انه يجب على الكثير من الناس، بالذات الذين في مجال الفن والتكنولوجيا أن يكون لديهم الشغف والفضول.
تعرفوا أكثر على هدير عمر عبر صفحتها في موقع جامعة فرجينيا كومنولث كلية فنون التصميم في قطر