بجمعها ما بين مبادئ الفن المعماري وتصميم المفروشات والمنتجات، تنصب الفكرة العامة لأعمال الفنانة متعددة التخصصات مجدولين نصرالله على معالجة مفاهيم الفراغ المادي المرتبطة بالتجربة الإنسانية، وتحدي البنى السياسية والاجتماعية السائدة. حصلت مجدولين على شهادة الماجستير في الفنون الجميلة بمجال التصميم، وشهادة البكالوريوس في الفنون الجميلة بمجال التصميم الداخلي، وذلك من جامعة فرجينيا كومنولث كلية فنون من كلية فنون التصميم في قطر، وعرضت أعمالها الفنية في صالات العروض من قطر حتى كندا.

وباعتبارها إحدى خريجات برنامج الإقامة الفنية والتي شاركت بأعمالها الفنية في المعرض الجماعي مجاز في M7، يُصور عملها الذي يحمل عنوان "1948" موضوعاً عزيزاً على قلبها، "النكبة"، بجملة مآسيه التي تضمنت تشريد ونفي الشعب الفلسطيني من وطنه.

تبادلنا أطراف الحديث مع مجدولين حول مسيرتها المهنية وممارساتها الفنية المتطورة، التي تبرز من خلالها موهبتها في رواية سردية المرونة والهوية عبر مجموعة من القصص.

سايرا مالك: ما هي نقطة انطلاق مسيرة عملك كمصممة متعددة التخصصات؟ وكيف انعكس إرثك الثقافي على إبداعك في سرديتك الخاصة للقصص؟

مجدولين نصرالله: بسبب خبرتي في مجال التصميم الداخلي، تنامى اهتمامي بطبيعة العلاقة ما بين البيئة المبنية والتجربة الإنسانية، وبشكل خاص الوسيلة التي بالإمكان تصميم الفراغ فيها لينعكس تأثيره على السلوك البشري. وخلال العامين اللذين قضيتهما بدراسة الماجستير في مجال الفنون الجميلة، أتيحت لي الفرصة لاستكشاف وتنمية هذا الاهتمام بواسطة طرق أكثر إبداعاً، وأقل تقنيةً. حيث بدأت في التحقق من فكرة "المقاومة" من خلال سردية القصص، وعبر قالب الأشياء والتجارب المصممة. وبقراءتي المعمقة حول النظرية الفراغية، نسجت اهتمامي الخاص بالسياسات الفراغية، وخاصة فيما يتعلق بتسليح التخطيط الفراغي والبنية التحتية في فلسطين المحتلة. لذا، تطرقت أطروحتي لنيل شهادة الماجستير إلى النظريات الفراغية التي يستعين بها الجيش الإسرائيلي، لكن عوضاً عن تسليط الضوء على مدى ديمومة تكتيكاتهم، طرحت التصميم كقوة للانتقام والنهوض.

سايرا مالك: أطلعينا على القصة التي تقف وراء أحدث أعمالك، "1948"؟ وكيف انضممت  للمعرض الجماعي مجاز في M7؟

مجدولين نصرالله: تمت دعوتي للمشاركة في المعرض الجماعي مجاز، الذي يضم أعمال وإبداعات 35 فناناً شاركوا ضمن برنامج الإقامة الفنية في مطافئ مقر الفنانين  خلال الأعوام ما بين 2015 و 2021. وكل عمل منها يعتبر بمثابة مجاز لمسيرة الفنان، ولمراحل تطور ممارساته الفنية، يلتقط بواسطته اللحظة أو الفكرة التي تجسد تجربته على طول هذه السنين.

وعليه، فإن مشروع "1948" هو المجاز الخاص بي لحق العودة الفلسطيني. فعندما تم نفي وتشريد الفلسطينيين خلال أحداث نكبة العام 1948، احتفظ جميعهم بمفاتيح منازلهم، على أمل العودة في غضون أيام أو أسابيع قليلة. ورغم مرور 75 عاماً من التهجير القسري المستمر، ما زالت رائحة الأرض تجول في الذاكرة والوعي المشترك للفلسطينيين.

سايرا مالك: ما هو موضوع ومضمون مشروع "1948"؟ وما هي الوسيلة التي عملت بواسطتها؟

مجدولين نصرالله: يسرد مشروع "1948" قصة الصمود، الهوية، والارتباط العميق بالأرض. يحتوي على مجموعة من ست شموع تجمع ما بين خطوط الألم والأمل، الشوق والمقاومة. كما أنها تحمل في طياتها روائح وألوان المشهد الفلسطيني والشتات، وتستحضر الذكريات والمشاعر المرتبطة بالوطن. هذه الشموع (المصنوعة بشكل كامل من الشمع) قابلة للاستهلاك وسريعة الزوال، وهي ترمز إلى الأمل المتجدد.

في حين يجسد حامل الشموع مظهر المفتاح الفلسطيني – رمز حق العودة للفلسطينيين – ويستمد إلهامه المادي من قوة القرى والمنازل المدمرة. أما روائح مجموعة "1948" فهي تتراوح ما بين الزيتون، الزعتر، الميرمية، البرتقال، التين، والياسمين.

ويتميز حامل الشموع بطرحه ضمن إصدار محدود، فهو مصنوع من عبوات الغاز المسيل للدموع المعاد تدويرها، والتي تم جمعها من شوارع فلسطين المحتلة، وخاصة من طرقات مخيم عايدة للاجئين في بيت لحم ونابلس، وقالبه المادي يحاكي شكل المفتاح الفلسطيني.

سايرا مالك: كيف تطورت فكرتك الإبداعية؟ وكيف استطاعت فكرتك استحضار المفهوم الذي سعيت لتجسيده؟

مجدولين نصرالله: استطعت تجسيد مشروع "1948" لأول مرة في العام 2017، وذلك خلال سنتي الأولى بدراسة الماجستير بجامعة فرجينيا كومنولث، كلية فنون التصميم في قطر، كجزء من مقرر المواد والأساليب، الذي شجع الطلاب على استكشاف الهدايا التذكارية كوسيلة لتجسيد ثقافتهم عبر الأشياء المصممة، التي تعكس سرديات هادفة، واستكشاف العناصر المادية وتقنيات التصنيع من خلال تعلم تقنيات صنع القوالب والصب. ووقع اختياري على استكشاف المفتاح الفلسطيني نظراً لرمزيته القوية العاكسة للتجارب الفلسطينية الفردية والجماعية.

بعد مرور بضع سنوات، وجهت لي ياسمين سليمان، وهي أستاذة ورئيسة مكتبة المواد في جامعة فرجينيا كومنولث كلية فنون التصميم في  قطر، دعوةً لمواصلة تطوير هذا المشروع عبر الالتحاق ببرنامج مخصص لأبحاث الدراسات العليا ترعاه مكتبة المواد. لذا، وعلى مدار فترة البرنامج التي تجاوزت العامين، عملت على تحسين التصميم، إلى جانب تجربة مواد، أصباغ، عطور، وخيارات تغليف جديدة. واليوم، أصبح إصدار "1948" متاح للبيع ضمن استوديو 7 في منطقة مشيرب، بالدوحة.

سايرا مالك: ما مدى أهمية استخدام المواد الخام في طرح رسالة معبرة عن الهوية؟ وما هي التحديات التي واجهتها بالحصول عليها؟

مجدولين نصرالله: لعب اختيار المواد دوراً رئيسياً في صياغة جوهر مشروع "1948"، سواءً تمّ ذلك من خلال توظيف الرمزية الحاضنة لفكرة استخدام الخرسانة المكسرة، التي تستحضر صور القرى والمنازل المدمرة، أو الشمع الذي يرمز إلى إحياء الأمل، حيث قمت باختيار كل مادة بشكل متعمد. وهنا، أجد تناغماً شعرياً في استخدام الوسائط المتناقضة، فهي تنسجم بأسلوب جميل ومخيف في الوقت ذاته، على غرار تجاور الخرسانة الصلبة الباردة مع الشمع اللين والقابل للطرق.

لكن، شكل الحصول على مادة المعدن المستخدم في عبوات الغاز المسيل للدموع، والتي تم جمعها من فلسطين، تحدياً حقيقياً بالنسبة لي، استطعت التغلب عليه بخوض عملية طويلة ومضنية لجمع وتحويل العبوات على مدى فترة تجاوزت العامين، قمت خلالها بإعادة تشكيل كل عبوة وتنظيفها بعناية لإزالة أي آثار، والتأكد من قدرتها على اجتياز نقاط التفتيش الإسرائيلية عدة مرات، ما أضفى بالنتيجة على سردية حامل الشموع قيمة حقيقية تجسدت من واقع الحياة تحت الاحتلال.

سايرا مالك: أطلعينا على مسارات تعاونك مع الفنانين الفلسطينيين تحت مظلة هذا المعرض؟ وعلى تجربتك الخاصة في العمل معهم؟

مجدولين نصرالله: بدأت مشروعي بالعمل مع فنان وعامل معادن مقيم في نابلس، بفلسطين. وبعد مرور أشهر من المحاولات، استطعت أخيراً شحن وإيصال قالب لقاعدة الشمعة مصمم بتقنية الطباعة ثلاثية الأبعاد كي يستخدمها هذا العامل، الذي بدأ بمحاولة جمع عبوات الغاز المسيل للدموع من شوارع نابلس، وهي مهمة صعبة ومحفوفة بالمخاطر، لم يتمكن حينها من جمع العدد الكافي من العبوات.

لكني كنت محظوظة بالعثور على مصمم عبر الانستغرام وافق بكل لطف على مساعدتي في إنجاح هذا المشروع، حيث بدأ من خلال متجره – الواقع في مخيم عايدة للاجئين في بيت لحم – بإعادة تدوير عبوات الغاز المسيل للدموع، وتحويلها إلى قطع مجوهرات للزينة وديكور منزلي. واستطاع على مر السنين جمع الكثير من العبوات، وأخبرني بأن الشباب والفتيان كانوا يُقدمون له عبوات الغاز المسيل للدموع كهدايا كلما وجدوها في الشوارع. وتمكن المصمم من تحويل شكل العبوات بالكامل كي يستطيع إرسالها إلى عامل المعادن لصبها في القالب بمدينة نابلس. وفي النهاية، عملا معاً لفترة طويلة من أجل إنتاج وإنهاء قواعد الشموع محدودة الإصدار. 

سايرا مالك: كيف بإمكان عملك "1948" المساهمة في إرساء أسس الحوار من أجل السلام والتوعية بالقضية الفلسطينية؟

مجدولين نصرالله: واجهت صعوبة في طرح مشروع "1948" في خضم الإبادة الجماعية المستمرة ضد شعبي، وعليه أرجأت الإطلاق عدة مرات على أمل الوصول إلى "لحظة أكثر سلاماً"، أو عندما تصبح الظروف مواتية و"طبيعية" مرة أخرى، رُغم أنه لا يوجد شيء طبيعي في احتلال غير قانوني، تطهير عرقي، وتشريد استمر لـ 76 عاماً حتى الآن. كما راودتني الشكوك الأخلاقية والقيمية، وتساءلت عن مدى الأهمية التي سيلعبها مشروع "1948" ضمن السياق الحالي للأحداث، التي يعيش خلالها الفلسطينيون نكبة أخرى. لكن الفن، في جوهره، شكل من أشكال المقاومة، هذه العبارة التي يتحتم علي تذكير نفسي بها دائماً.

سايرا مالك: كيف استقبل الجمهور، بتنوعه الثقافي والتاريخي والجغرافي، هذا العمل؟

مجدولين نصرالله: سُررت جداً باهتمام الكثير من الأشخاص، من مختلف الثقافات والخلفيات، بمشروع "1948" والسردية التي يحملها، حيث أراد العديد من المشاركين معرفة المزيد عن كيفية حصولي على قنابل الغاز المسيل للدموع من فلسطين المحتلة. وتطرقنا أيضاً في حديثنا إلى التحديات التي تواجه الشعب الفلسطيني بسبب نقاط التفتيش غير الإنسانية، وجدار الفصل العنصري الذي يخترق قلب الأراضي والقرى الفلسطينية، وحواجز الطرق، وما إلى ذلك. الأمر الذي أدى بالنتيجة إلى محادثات مثيرة حول الدور الذي يلعبه فن العمارة في مسار الحياة اليومية للفلسطينيين في ظل الاحتلال، وكيف يتم توظيفه بشكل يومي كسلاح ضدهم.

سايرا مالك: مع خاتمة لقائنا بك، ما الذي اكتسبته على الصعيد الشخصي من العمل والبحث للمشاركة في هذا المعرض؟ وكيف عزز هذا الأمر من قدراتك الإبداعية؟

مجدولين نصرالله: يحتل مشروع "1948" مكانة خاصة في قلبي، كوني أمضيت ساعات لا حصر لها كي يخرج إلى النور، وقضيت أياماً عديدة في تجربة روائح وألوان فلسطين في غرفة المعيشة بمنزلي. وبمجرد اختياري لتدرجات اللون والروائح، قمت بسكب كل شمعة بدقة وعناية يدوياً. وعلى مدى عدة أشهر، عبق منزلي برائحة الزعتر، ومن ثم رائحة التين الزكية، وهكذا. لقد نمى مشروع "1948" معي على مدار السنوات القليلة الماضية، واحتل مكانةً عزيزةً على قلبي منذ أحداث أكتوبر. بت أشعر بأنني أكثر ارتباطاً بهويتي الإنسانية عندما أقوم بابتكار عمل يتجسد بالنتيجة كشكل من أشكال المقاومة.

بإمكانك شراء نسخة من مشروع "1948" بزيارة الموقع: www.majdulin.com

هذا المشروع مدعوم من قبل مكتبة المواد، برنامج أبحاث الدراسات العليا في جامعة فرجينيا كومنولث كلية فنون التصميم في قطر.

0 Shares:
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

You May Also Like
Read More

دن‭ ‬غاليري الكويت

يضم‭ ‬معرض‭ ‬دن‭ ‬غاليري،‭ ‬المنشئ‭ ‬في‭ ‬مايو‭ ‬٢٠١٥،‭ ‬بين‭ ‬جدرانه‭ ‬أعمالا‭ ‬لفنانين‭ ‬معاصرين،‭ ‬عارضا‭ ‬أساليب‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬مجال‭…
Read More

بون ‬آب

 ‬ يعمل‭ ‬ثلاثي‭ ‬نسائي‭ ‬مكون‭ ‬من‭ ‬ثلاث‭ ‬سيدات‭ ‬اسكندنافيات‭ ‬على‭ ‬حل‭ ‬مشكلة‭ ‬الطعام‭ ‬الفائض‭ ‬في‭ ‬الإمارات‭ ‬وجبة‭ ‬تلو‭…
Read More

سارة طيبة

منذ‭ ‬طفولتها‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬العاشرة،‭ ‬كانت‭ ‬الرسامة‭ ‬السعودية‭ ‬سارة‭ ‬طيبة‭ ‬تعرض‭ ‬للعالم‭ ‬لمحات‭ ‬من‭ ‬مسارها‭ ‬الوظيفي‭ ‬المستقبلي،‭ ‬حيث‭…
Read More

اينكد

اينكد‭ ‬هو‭ ‬مطعم‭ ‬لا‭ ‬يشابه‭ ‬ما‭ ‬اعتدت‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬مطاعم،‭ ‬إذ‭ ‬يركز‭ ‬عبر‭ ‬أفكاره‭ ‬المتجددة‭ ‬على‭ ‬ابتكار‭ ‬تجارب‭…