كلمات: ملاك السويحل
الترجمة العربية: دلال نصر الله
الصور: سلام زيد
كوليت دلال شنشو خليط من أسماء انصهرت ببعضها عبر ثقافات متعدّدة، وتواريخ مختلفة وإرث يكوّنها. تشغل كوليت تخصصًا مُشرّفًا – موقعٌ بَيْني بيْن هُويّتيْها الكويتيّة والكاميرونيّة الرّاسخة – حيث وجدت فن الأداء وسيلة للتّعبير. كوليت (ممثّلة ومخرجة مسرحيّة وظيفيًا، وراوية للحكايات شغفًا) هي عاشقة جادّة للفن وداعمة شديدة لحيوات العرب السّود وحقوق النّساء بما يتجاوز قشرة ثقافة الوسوم.
ولِدَت وترعرت في الكويت، ثمّ تخرّجت في معهد لڤرپول للأداء المسرحي (LIPA)، مثّلت بعدها في مسلسل "ذا ويتشر" (The Witcher ، ٢٠١٩)على نيتفلكس و "دومينا"(Domina ، ٢٠٢١) على قناة سكاي اتلانتك و "دوكترز" (Doctors ، ٢٠١٨) على قناة BBC ، إلى جانب أعمال مسرحيّة، منها: مسرحيّة الليلة الثّانية عشرة لشكسبير، وقد دعاها مسرح شكسبير العالمي في مسرح غلوب لترجمة وأداء سونيتات شكسبير إلى اللهجة الكويتيّة.
تشغل المسافة البينيّة العتبة الفاصلة بيْن الحلم واليقظة. مدركة شعوريًّا ولا شعوريًّا لكينونتها متعددة الطّبقات، كوليت تستعد لإطلاق عرض فرديّ يوثّق سيرتها وذاتها بعنوان: حالم. تطلعنا كوليت في حالم على واقع وتجارب المرأة السّوداء في المجتمع العربي، "تصوّر نشأتي في الكويت. إنّه عالمي، وأتمنى أنْ ينشر [العمل] القصّة الفارقة لكويتيّة سوداء".
معلومة أساسيّة: "ماذا في الاسم؟"
ملاك السويحل (م.س.): "ماذا في الاسم؟" يا كوليت دلال شنشو؟ التّعبير مستمد من مناجاة شكسبيريّة وممثلة LIBA هي مؤهلة أكثر لتفكيكها، أكثر من فهمنا السطحي لها، إنّها استفهام يستعلم عن طبيعة الاسم باعتباره لصيقة تعسفيّة. لكنّ الأمر لا ينطبق على حالتك إذ اتضح أنّ له طبقات معان وإشارات مرجعيّة متعدّدة. هلا حدثتنا عن الموضوع؟
كوليت دلال شنشو (ك.د.ش): أجل، شنشو اسم عائلتي – عائلة والدي – في غرب الكاميرون. أي أنّ عائلة والدي تقيم في ريف [بلدة] بانغانتيه. سافر حين كان في السّادسة عشر من عمري إلى لبنان، ثمّ إلى الكويت. لقد فارق الحياة (يرحمه الله تعالى)، لكنّه أقام في الكويت أكثر من أي مكان آخر. رغم أنّه من الكاميرون – وذائع الصّيت لعمله وصلته بالمجتمع الإفريقي في الكويت – كان مرتبطًا بالمجتمع العربي أكبر أيضًا. حافظ على لهجته اللبنانيّة التي أمتعتني أنا وأسرتي.
م.س.: دون تسطيح أو إضفاء صبغة رومانسية على تجربتك، كيف تُعرّفين نفسك؟ يبدو أنّك تصارعين الحدود الفاصلة، تلك المساحة البيْنيّة التي أنتِ فيها تعني "أنّك على الحدود" دائمًا. لأنّ اللغة مستودعٌ ثقافي، أيمكن أنْ تحدثينا عن أهميّة اكتساب والحفاظ على اللغة الأصليّة أو "اللغة الأم" أو "اللغات المستعارة" للتعبير بالنّسبة لإنسانة مثلك "على الحدود"؟
ك.د.ش.: اللغة مراوغة. إنّها تُعرّفنا على الثّقافة، وحين يكون المرء خارج ثقافته الأم لسنوات طويلة، كما هو الحال مع كثير من المقيمين الذين ينحدرون من خلفيات مختلفة في الكويت، ينتهي بهم المطاف باكتساب ثقافة ثالثة تُصبح ملاذًا لهم. ملاذٌ يتوسّط مكان إقامتهم ومسقط رؤوسهم والثّقافة النّاشئة في ذلك المكان. مكاني بين والديّ – نشأ والدي وهو يتكلّم الباميليكيّة، لكنّ أسفاره الكثيرة جعلته يتحدّث الفرنسيّة معظم الوقت. ومن ناحية أخرى، تتكلّم والدتي بلهجة كويتيّة عربيّة. أرضي المشتركة وككثير من الكويتيين هي الإنجليزيّة. قرّر والداي أن أدرس أنا وأشقائي في مدرسة إنجليزيّة؛ مدرسة الكويت الإنجليزيّة (BSK). أسباب أمي كثيرة، لكن أهمها هو أنّها أرادت أنْ نتعلّم لغة تقربنا من بقيّة العالم.
بحديثنا عن "اللغة الأم" نفترض غالبًا أنّنا نعيش في لغة واحدة، لكن الواقع مختلف في الكويت، لأنّي اكتشفت من تجربتي أنّ الكثيرين يعيشون في هذا الحيّز البَيْني بين العربيّة والإنجليزيّة بل وحتّى الفرنسيّة! حتّى مع الأطفال "الكويتيين كليًّا"، فبسبب تعليمهم العالمي و/أو بسبب تعاملهم مع الوافدين والعمالة المنزليّة… إلخ، فإنّهم يستخدمون الإنجليزيّة تلقائيًّا. جزء من حديثنا ينطبق على الأطفال الذين يتكلّمون بالفارسيّة أو التّاغلوغ أو اللغات الهنديّة التي تُتجاهل عادةً [أقلّ شأنًا]، ممّا يبعدهم عن الواقع الكويتي أو المجتمعات غير العربيّة المتنوّعة أو التي تتكلّم بالإنجليزيّة فيها.
التّعليم المدرسي: تنقية للمفاهيم الخاطئة والتّجربة المتعصّبة
م.س.: لا أقصد التّطفّل على هذا الموضوع الشّائك، لكنّي أومن أنّه يستحق التّوقّف عنه لمنفعته المُحتملة، وحتمًا سيثقّف الكثيرين. أريد أنْ أسألك عن عسر القراءة (دسلكسيا) التي تعانين منها، كيف أثّرت على تعليمك، وكيف ساعدتك على اللجوء لبدائل، وكيف مهّدت تلك البدائل مسيرتك المهنيّة في صناعة إبداعيّة؟
ك.د.ش.: واو! يسرني طرحك لهذا السّؤال، لأنّها في الكويت ومنطقة الخليج لم نعتد على الحديث عن الدّسلسكيا. بالنّسبة لجيلي والأجيال التي تسبقه، هناك فزعٌ مُشترك من أنّ الأنظمة التّعليميّة هنا قد جعلتهم متخلفين عن الرَّكْب. بالنّسبة لمن المحظوظون والذين تمتلك عائلاتهم تجارة يستندون إليها، فإنّهم سيحظون بوظيفة أو يمكن لمنصب أنْ يدعمهم. لكن هناك فئة – أنا وآخرون لم ننحدر من عائلات بارزة أو لديها تجارة عائلية – ستواجه صعوبات شتّى. يوجد ضغط جسيم إضافة لضغط الخيارات الوظيفيّة المحدودة المقبولة اجتماعيا في الكويت للكويتيين: طبيب، وصيدلي، ومهندس، ومعماري، إلخ. كم طبيبًا ومهندسًا لدينا؟
المحظوظون والذين تمتلك عائلاتهم تجارة يستندون إليها، فإنّهم سيحظون بوظيفة أو يمكن لمنصب أنْ يدعمهم. لكن هناك فئة – أنا وآخرون لم ننحدر من عائلات بارزة أو لديها تجارة عائلية – ستواجه صعوبات شتّى. يوجد ضغط جسيم إضافة لضغط الخيارات الوظيفيّة المحدودة المقبولة اجتماعيا في الكويت للكويتيين: طبيب، وصيدلي، ومهندس، ومعماري، إلخ. كم طبيبًا ومهندسًا لدينا؟
لطالما تساءلت: ماذا عنّا نحن المبدعين؟ كانت مسألة شديدة الصّعوبة. في المدرسة، كنت في مدرسة BSK متفوّقة في الألعاب الرياضية والفن. بدا أنّي قد اكتسبت مكانة استثنائيّة. بمجرد أن بدأنا القراءة وتدريبات الاستيعاب، لاحظت المعلمون معاناتي. أتذكر فقط استكشاف القراءة بطريقة إبداعيّة، فسألت نفسي عن سبب عدم تطابق الصّوت مع كتابته. استلزم الأمر معلمًا ملمًا بطريقتي في التّعلم. إلّا أنّ مدرستي اعتبرت المسألة عنادًا فتأثّرت علاماتي كثيرًا، وخاصّة في اختبارات الإملاء. شعرت بالخزي والإحراج علنًا بسبب عسر القراءة. شعرت بالهزيمة. لم يشجعني المجال على الاستكشاف.
وصلت لنقطة اكتشفت عندها ذاتي من جديد في القصص – من حصص الأدب الإنجليزي. حيث أضيفت الدراما للمنهاج، شعرت أنّ هناك منجى لي أخيرًا. أعاد الفن تجديد روحي، وهو ما جعل الفن في غاية التّشويق والقرب. كان ملاذي لأنّي وجدت بقيّة النّظام التّعليمي صعبًا، وقد خذلني.
القوّة، والتّحرّك، وملاحقة الأحلام
م.س.: صُمّم المنهاج التّعليمي لمن يمكن تصنيفهم على أنّهم "طبيعيّون"، من العار التّسبب بإحباط المبدعين أمثالك. أعلم أنّ القرار كان صعبًا، لكن لتعقب هدف محدد في الحياة أو الأحلام، خاصّة في الفنون، يجب أنْ ينتقل المرء لمساحة أكثر تسامحًا أو مساحة تكون فيها الفرص أكثر غزارة…
ك.د.ش.: حفّزني هذا الأمر. كان لدي مجموعة من المعلمين ووالديّ اللذيْن آمنا بي كثيرًا لدرجة أنّي حلمتُ بفرص خارج الكويت. شجّعوني علي التّقديم إلى معهد الدراما، وقد تجاوزت التّجربة خيالي. ذهبت إلى المدرسة في لڤرپول [LIPA] التي أسّسها پول مكارتني [عضو فرقة البيتلز]! وقد منحوني منحة غير مشروطة، ولم أصدّقك ذلك.
أتذكّر حواري مع حياة الفهد [ممثلة كويتيّة مشهورة] كانت جارتنا في ذلك الوقت. أردت أنْ أطرح عليها الكثير من الأسئلة، أردت أن أكون في عالمها. لم أكون متآلفة مع المجتمع [الكويتي] مثلها لدرجة خبرتها وتمثيلها في التّلفزيون الكويتي. التّلفاز الكويتي لا يعرض إلّا جانبًا واحدًا من الكويت. القناة الوطنيّة لا تمثّل جميع أطياف المجتمع الكويتي. الكويت نقطة عبور منذ القدم – نعرف هذا من التّاريخ. لكنّي لا أشاهد توحدًا بين الجماعات المهاجرة والمجتمعات الكويتيّة المحليّة. ولسبب ما، هناك حد لمدى وبُعد هذا التّكامل.
في نطاق الإذاعة والتّلفاز والمسرح – لا أرى قصّتي ولا شخصيتي على الشّاشة – كنت وما زلت جريئة ذات ثوت مرتفع – اعتادت أمّي على أنْ تقول لي أنّي أتكلّم اللهجة الكويتيّة كالفتيان. في الواقع، لدي أربعة إخوة وأبناء عمومة ذكور، ولهذا كنت مسترجلة. لدينا هذه الاختلافات بين النّاس، أين هي من الإعلام؟ حياة [الفهد] إنسانة رائعة، لكن خلال محادثتنا، شعرت بشيء من الاختلاف [خلق حاجزًا بيننا]. من منظورها، بإمكاني معرفة أننا مختلفتيْن تمامًا، والفرص التي أملكها تختلف عن الفرص التي تمتلكها. بإمكاني تقبل الكثير من نصائحها، لكن بسبب هذه [الحواجز النّظاميّة الموجودة؛ فإنّ النّظام الاجتماعي المُتسلّط]، لا أعرف كيفيّة دخول صناعة التّرفيه الكويتي وفق شروطي.
طفحَ الكيْل: الوعي الإفريقي العربي ودور "العرب لحيوات السّود"
م.س.: خلال حركتك النّاشطة، من الواضح أنّك لم تهجري أو تفقدي الأمل بمستقبل العرب السّود فبحثتي في المشاهد الاجتماعيّة، والسّياسيّة، والوظيفيّة في أرجاء الوطن العربي. لقد شاهدنا موضوعات الفصل العرقي نقلة زلزاليّة بعد اندلاع حركة حيوات السّود مهمّة في الولايات المتّحدة الأمريكيّة التي نالت تأييدًا جامحًا على الإنترنت، عالميًّا. خلال صيف ٢٠٢٠، بعد التّأثير المدوّي للحركة الذي وصل إلى شواطئنا، فإنّ صوتك كان فاعلًا في إدارة حملة جوهريّة ومكافئة: حيوات العرب السّود. حدثينا عن الموضوع…
ك.د.ش.: سامحيني لو كنت عاطفيّة بعض الشّيء. وهكذا سافرت إلى لندن، وقت نشر مقتل جورج فلويد [على الإنترنت]. شاهدت الإفريقيين-الأمريكيين، والأمريكيين السّود، وأشخاص ملوّنين [POC] في أمريكا، وقوّات متسلحة [ضد الظّلم العنيف الذي ارتكبه ضبّاط الشّرطة فلويد والذي تسبّب بمقتله]. كما شاهدتُ أشخاصًا في المملكة المتحدة يتظاهرون بحرقة. شاهدت أفراد المجتمع متعاضدين ويثقفون أنفسهم، متعاونين، يهتفون جهات التّلفاز الضّخمة، يتحدون المنظمات الضخمة فأذعنت تلك المنظمات وأصغت واستجابت لصوت الشّعب.
ثم فكرت في كل مرة كنت فيها في وضع صعب في الكويت وبالمقرّبين لي ، أولئك الذين درست وتربيت معهم، واختاروا عدم الدفاع عنّي أو مساندتي. تذكرت مواقف كثيرة خجل فيها النّاس من تكوين علاقات معي ، أو خجلهم من رؤيتهم برفقتي. [شهدت مواقف] ألقى فيها النّاس المال في وجهي وطلبوا منّي الرّقص، بطريقة [تحط من شأني] لأنّي فنانة. قابلت أشخاصًا لديهم تحامل سافر ضدي. رأيت هذا السّلوك في علاقاتي، وصداقتي، وحتّى عائلتي. شاهدت الطريقة التي تحدثوا بها وتميزوا ضد بعضهم البعض. من النّاحية الاجتماعيّة، يمكن التّخلص منّا [نحن الإفريقيين -العرب].
أخبروني كثيرًا أن أبتعد، ولم أفهم بتاتًا، لكنّي ربطت المواقف ببعضها. أوه، إذًا فنحن [الإفريقيين-العرب] لا نتمتّع بأي قوّة، ليست لدينا مكانة اقتصادية-اجتماعيّة، ولا فرص وأماكن يحترمنا فيها النّاس، ولا نوضع في مناصب صنع القرار. نحن مستهدفون. ومع ذلك، حين وصل هذا الحوار [المتعلّق بحيوات السّود مهمّة]، قالوا: "إيه هذي أمريكا. ليس لنا علاقة بها. احنا كانا [نحن هنا]، أنتِ كأختي في مجتمعنا. تأكلين معي". أجل، نعم، نأكل على ذات المائدة، لكن ما مدى انسجامنا حين أعجز من الزّواج بابنك، وابنك يخجل من إحضاري لمنزلك، أو زيارة أسرتي لطلب يدي.
وصلنا إلى هذه المرحلة، ما يزالون يطلقون علينا تسمية: "عبيد". حتّى عند المديح يقال: "يا لجمالها!"، فيتساءل الآخر: "منو؟"، ثمّ تجيب: "هالعبدة".
المرئيّة: منظور الإفريقيين-العرب، النّساء الكويتيات السّوداوات
م.س.: ما هي رأيك في هذه الحملة التي طال انتظارها ضد التحرش في المرأة في الكويت، سواء فيما يتعلق بالوعي أو إصلاح القانون ؟
ك.د.ش.: صراحة، أنا قلقة. قلقة لأنّي لا أثق بنظام العدالة في الكويت. وأنا أقول هذا لأنني لا أرى أنّ من في مناصب السلطة يعكسون صوت الشعب. وما دام لدينا ذلك [الانقسام و] الافتقار إلى التفاهم، ونحن غير قادرين على الاستماع والتثقيف أو أن نكون منفتحين للرأي الآخر من المجتمعات المحلية الأخرى داخل المنطقة، فلا أرى كيف يمكننا اتّخاذ قرارات لا تقوم على حماية أولئك الذين هم بالفعل في موقع متميز – تغطية سمعة الشخص والحفاظ عليها، عمل لا يتفق مع العدالة.
هناك التّطمير؛ ما زالت [الكويت] مجتمعًا يسمح للرّجال بالتّصرف بحريّة، ويُتوقّع من المرأة العودة للمنزل قبل العاشرة ليلًا. ما الذي يفعله الشّباب في تجوالهم في الشّوارع ليلًا؟ هنالك الكثير من الذّكورة السّامّة والكثير من المتحرشين الجنسيين الذين يتجولون بحريّة في الكويت الذين عارضت أو تنحدر من عائلات مرموقة ولا يمكن مقاضاتها قانونيًّا وقد استهدفوا شخصًا لا حول له ولا قوّة. نحن على استعداد لوضع النّساء على خط النّار لحماية الرّجال.
لماذا لا نصدق هؤلاء النساء؟ كم امرأة يجب أن تعاني وتتعامل مع الصّدمة في صمت؟ نحن لا نملك الموارد للتعامل مع هذا الفزع! ولا يزال العلاج غير متاح للجميع في الكويت أو المنطقة. نحن بحاجة إلى نوارد تعيننا على الاهتمام بصحة النّاس العقلية. من المفترض أن نكون شعبًا مسلمًا الأغلبية، [لكن] هنالك قضايا أخلاقية كثيرة ندعي مؤازرتها قولًا بلا فعل.
صناعة إبداعيّة
م.س.: تصفين نفسك على أنّك ممثلة ومخرجة مسرحيّة. هلّا أخبرتنا المزيد عن ذلك، أعمالك في الماضي وأعمالك الحاليّة – الليلة الثّانية عشر (مسرحيّة) ، Doctors (مسلسل من إنتاج BBC)، The Witcher (مسلسل من إنتاج نتفليكس)…؟ كيف بدأت في هذا المجال، كيف بدأت التّمثيل واقتناص الأدوار – هل شعرت قط بأنّهم حصروك في أدوارٍ محدّدة؟
ك.د.ش.: أسئلتك رائعة! بدأت التّمثيل في المدرسة، مع إدخال برنامج الدراما في المنهاج. ولأنّي درست في المدرسة الإنجليزية في الكويت، كان في المنهاج شيد من التأثير الغربي. نفعني وشجعني على التّمثيل والكتابة أيضًا، فقامت فقر المادة بسبب رقابة الحكومة [الكويتيّة] على عدد من الموضوعات الدراميّة الإبداعيّة التي لم يسمح بها في الكويت. من ناحية أخرى، عملنا على الكثير من نصوص شكسبير ونصوصًا أخرى متصاعدة.، أو جربنا حكايات من حياتي، مما شاهدته في التّلفاز.
أردت الحديث عمّا حدث في الفضاء الخاص، ولهذا بدأت في كتابة العروض التي عكست حياتي ومن حولي – دعاباتنا، حبنا، المسائل التي واجهناها. بدأ هذا بالنسبة لي في وقت مبكر مثل اللعب مع دمى باربي مع أبناء العم وإعادة تمثيل القصص بعد ذلك. خلال فصول الدراما، أدركتُ بأنّني قادرة على خلق القصص من الصفر – مِنْ تخطيطِ موقعِ محدّد خارج قاعدة الدّراسة إلى أزياء الخياطةِ.
انضممت بعدها إلى فرقة مسرح الهواة ومثّلنا في مخيم الدوحة، عريفجان، وأماكن أخرى في الكويت؛ جولة مصغرة. أفضل حدث كان مقابلة سليمان البسام [كاتب ومخرج مسرحي كويتي] الذي يعتبر عمله قوة دافعة كبيرة بالنسبة لي. أول مرة رأيت فيها النساء على المسرح كشخصيات ثلاثية الأبعاد متكونة بالكامل كانت خلال أحد أعماله المسرحية. أردتُ أَنْ أكُونَ قادر على التحوُّل كثيرا بجعلك تعتقد أنّها شخصيتَي. لهذا تقدمت بطلب إلى ليڤرپول[LIPA] على الرغم من درجاتي المريعة في المدرسة الثّانوية.
كانت هناك صدمة ثقافيّة كبيرة ولم أتمكن من العودة إلى المنزل لفترة طويلة لأنّ أسرتي لم تستطع تحمل تكاليفي ذهابًا وإيابًا. ليس ذلك فحسب، كان رد فعل أمي الأول هو: "شبيقولون النّاس؟" [ما الذي سيقوله النّاس عن اختياركم المهني غير التقليدي؟]. أتذكر أنّها قالت لي أيضًا: "حتى حياة الفهد لديها وظيفة نهارية!"، لكنّي لم أرد العمل في وظيفة نهارية، أردت متابعة التّمثيل بدوام كامل.
وأخيرًا حصلت على دور في سنة تخرجي [من LIPA] من وكالة تمثيل في لندن. بفضل الله، أنا ممثلة منذ البداية. كانت لدي وظائف أخرى غريبة لتعينني على أعباء الحياة. عملت في البداية كنادلة في شركة تجهيزات غذائيّة، وفي عرض الأزياء فيآن واحد. لدي أخلاقيّات مهنيّة عالية مذ معيشتي في الكويت حقيقةً. ولأنّي من الكويت، لم أعرف كيف أشرح لهم أنّي لا أستطيع العمل في مقهى لأنّ والدتي لا تريد أن يراني أشخاص معيّنون في المقاهي والمطاعم. أخبرتني أنّ هذا يحط من مكانتي الاجتماعيّة. وهكذا اتّسعت أخلاقيّاتي الوظيفيّة لجميع الأنشطة خارج المنج الدّراسي كالرّياضة والتّمثيل الذي شغل جدولي.
بعد عودتي إلى الكويت في ٢٠١٣-٢٠١٤ تقريبًا، أسّست شركة فنية مع صديق لي سهّل المشروعات الإبداعية. على الرغم من بذلنا قصارى جهدنا، أدركنا أننا لا نستطيع أن نبني على بنية تحتية غير موجودة – واجهنا تحديّات في هذه المهمة التي ملأت وقتنا بالعمل الإداري في حين أنّ جل همنا هو و تشكيل فرقة من الممثلين. في أي مسعى إبداعي، تحتاج إلى مساحة لتكون قادرًا على التّخيل. ولكنّي أجلس هنا، رغمًا عنّي، أكتب البريد الإلكتروني بعد البريد الإلكتروني ، عقدًا بعد العقد – كعسر القراءة! تحطم قلبي. وخلال ذلك الوقت (٢٠١٥) ، عدت إلى لندن لحضور ورشة عمل تمثيلية لأنّي أدركت أنّي بحاجة للحفاظ على مهاراتي وتطويرها..
قبل مغادرة الكويت، شخّص والدي بالسرطان الطرفي. كنت أعرف أنّ والدي سيفارق الحياة في أي لحظة من لحظات سفري. ولهذا علي أنْ أكون قوية كالجحيم لأكون بدون عائلة، في مكان جديد أفعل شيًئا فيه تحدٍ، لا لثقافتي فقط، بل ولمعاناتي الماليّة. بعد وفاة والدي، قررت تنفيذ وعدٌ قطعته له، بعدما قال لي: "كوليت ، احلمي. احلمي حلمًا كبيرًا ولا تنظري إلى الوراء ". حذرني كثيرًا من العودة لأجله.
م.س.: ما نوع الأدوار التي حصلتي عليها؟ أتم تنميطك؟
ك.د.ش.: في البداية ، عندما كنت في ٢١ أو ٢٢ من عمري، حصلت على أدوار: عبدة إفريقيّة ، وطالبة للجوء، وأدوار سوداء أخرى، إفريقيّة غربيّة، وما إلى ذلك. في المملكة المتحدة كان الأمر صعبًا حقًا لأنّ العرب من أصل أفريقي ليسوا على الخريطة، ليس لهم وجود. أنت أسود نوعا ما ، لكن الثقافة السوداء التي اعتدنا عليها هي البريطانيّة-السّوداء، الأمريكيّة السّوداء، ربما لاتينية، وهذا هو مداها. لذلك كان ينظر إلي على أنها شيء خارجي أو مختلفة جدا. ولهذا كنت أتعلم كيف أدمج هويتي العربية مع الصّناعة.
ثم دعيت [من قبل مسرح شكسبير العالمي ، مسرح الكرة الأرضية] لترجمة خمسة سونيتات لشكسبير إلى اللهجة الكويتية. لم أمتلك مهارة ترجمة النّصوص الإنجليزيّة إلى اللهجة الكويتية. ومع ذلك، في ذلك الوق ، شعرت أن علي قبول كل الفر ، لجأت لأمّي طلبًا للمساعدة. وعدت بأنها ستساعدني في ذلك وسأتعلمها بالطريقة التي أتعلم بها الأغاني.
لعلّه لم يكن مثاليًّا، لكنّي عملت من صميم قلبي، وقد ساعدتني والدتي. شعرت بالكبرياء والعزم. قلت لنفسي ذلك اليوم: "لا يهمني ما يقوله الآخرون. أنا نصف كويتيّة ونصف كاميرونيّة. نشأت على أرض الكويت". كل عمل أنجزه مصدره ذلك البلد، و سأتعامل مع ردود أفعال النّاس.
بدأت مذّاك بصناعة حالم، عرضي الفردي، في عقلي. حالم تدور حول امرأة سوداء في مجتمع عربي. حصلت على تمويله من مجلس الفنون في إنجلترا. بحث وطوّرت الفكرة في صيف ٢٠١٩. هنالك مشاهد تصوّر نشأتي في الكويت – زوارة الجمعة [تجمّع عائلي]، وقت صالون الشّعر، القرقيعان [احتفال في منتصف رمضان]، وسأستخدم صور والدي القديمة على جهاز عرض من الستينيّات. من بين ثيابي الدّراعة [فستان نسائي تقليدي ملوّن، كالقفطان]. كما سأعرض جدي وهو في الفرقة [جماعة موسيقيّة كويتيّة] على التّلفاز. إضافة إلى نساء كويتيّات ينتظرن على الشّاطئ بانتظار عودة الرّجال من رحلة الغوص على اللؤلؤ.
هذا عالمي، وأتمنّى أنّه يشارك – أو بالأحرى – يرتبط بالقصّة الفارقة لكثير من الكويتيات السّود. العاملون في فريق عملي من شرق إفريقيا ويقيمون في المملكة العربيّة السّعوديّة، ولبنانيّون سود، وصديق عراقي، وموسيقي مذهل من غانا. نحاول إعادة التّواصل والعثور على قصص وأغانٍ تبث روح العزيمة في الجمال الأسود، بما في ذلك الحوارات والموضوعات الأساسيّة التي تجب مواجهتها. وضعتُ في هذه المسرحيّة كل آمالي وتجاربي، وكل قلبي كما يفعل الفنّان.
عربيّة-إفريقيّة: شخصيّة الغلاف
ك.د.ش.: أذهلتني مبادرتكِ، وتشجيع خليجسك لإجراء هذه المحادثة الحقيقيّة. أعني، حين كنت في موقع تصوير دومينا [مسلسل تلفزيوني] في إيطاليا، كل من أحاطوا كانوا يتباهون بالتّغطية الإعلاميّة العالميّة التي سأنالها. لكن لا شيء يقارن أو يستبدل مقابلة مطبوعة من موطنك لك. حين يندر وجود أشخاص يشبهونك على أغلفة المنطقة.
م.س.: نحن نعالج مثالبنا بهذا الفعل أيضًا
ك.د.ش.: قبل سنوات عديدة، طرحت مجلة خليجسك سؤالًا: ما الذي تريدونا أنْ نغطيه؟ وأتذكر بأنّي كتبت لا أستطيع أنْ أقول أنّي كويتيّة لئلّا أهين الكويتيين الأصيلين بأنّي أنا أيضًا كويتيّة. لهذا فإنّ وجودي في هذه المقابلة بعد سنوات كثيرة يكاد أن يفقدني صوابي! لقد شُرّفت بكوني جزءًا منها.
م.س.: شرفتنا موافقتك عليه ولفت انتباهنا إلى مناقب عملك المتقنة.
ك.د.ش.: لحظة من فضلك. اعتقدت أنّي سأقرأ شيئًا. هل تسمحين لي بذلك؟
م.س.: افعلي من فضلك!
www.instagram.com/cdtchantcho
www.instagram.com/lensz___/