احتفالاً بإصدار ذكرى السنوية العاشرة، سافرنا إلى أبو ظبي للقاء الخبيرة و المحفزة، معالي نورة الكعبي ، وزيرة الثقافة وتنمية المعرفة في الإمارات العربية المتحدة. جلسنا مع معالي الوزيرة نورة لنعرف المزيد عن مشاريعها الشخصية ومسار حياتها ورؤيتها للصناعات الثقافية والإبداعية في أبوظبي.

اهتمامات الطفولة

ملاك السويحل: أدرك أنّك وصفتي تنشأتك مرارا بأنها ليست على نمط "الفتاة المثالية"، فمن أين جاء حبك لألعاب الفيديو؟ وما كان رد المحيطين بك؟ وكيف كوّن منصبك كامرأة عربية شابة من مستوى اجتماعي معين؟

نورة الكعبي: ولدت وترعرتُ في أبوظبي. كانت طفولتي طفولة مرحة. لدي والدين محبين واللذين دعماني، وأنا ما أنا عليه بفضل حبهما. في أبوظبي، أتذكر طفولتي كطالبة في مدرسة خاصة. بقيت في تلك المدرسة الخاصة لثلاثة أعوام مميزة. وخلال ذاك الوقت، قررت أمي، والتي كانت مديرة في مدرسة أخرى حكومية، فجأة وبلا مقدمات، نقلي للمدرسة التي تعمل فيها. افترضت أنها تريدني في مدرستها. لكني تفاجأت حين سألتها عن السبب، وأجابتني قائلة: "لأني في كل مرة أطلب فيها منك كتابة اسمك باللغة العربية، تكتبينه من اليسار إلى اليمين، بدلا من اليمين إلى اليسار". أحب المزاح حيال ذلك الموقف بقول أنها لم تلتفت للجزء الفطن فيني، لكنها كانت أكثر اهتماما بتأمين اكتسابي اللغة.

شخصيا، أنا ممتنة لهذه الخطوة التي قامت بها أمي، فقد ساعدتني على تقوية لغتي العربي، وجعلتها بحق لغتي الأم. ارتدت المدارس الحكومية منذ ذلك الوقت، حتى بعد الانتقال للولايات المتحدة الأمريكية. هناك، ارتدت ثانوية أمريكية عامة في بلدة صغيرة في بنسلفانيا حيث انخرط والدي في برنامج عسكري. لقد شكل ذلك العام تحديدا طريقة تعاملي وتجربتي مع مختلف الثقافات.

ومع نشأتي، استمتعت بألعاب الفيديو. كانت قاعدة أساسية بالنسبة لي وتقبلتها أسرتي. سافرنا في الصيف في ص أيضا، إلى لندن وأماكن قضاء الإجازات المعتادة في فرنسا.

ومع ذلك، بالقدر الذي تبدو فيه تنشأتي لا نموذجية، إلا أنيّي تمتعت بقدر من الحرية التي لربما لم تتوفر للآخرين. فإذا لم أرغب باللعب بالدمى، لعبت بالسيجا.  استمتعت بألعاب الفيديو، كما لعبت في الهواء الطلق مع أبناء الحي.  في ذلك الوقت، في ذلك الوقت،  لم يكن من المعتاد للفتيات فعل ذلك. لكن لم أشعر أنه خطأ. ولم يقل أحد لي أنه خطأ، أو بالأحرى، لم يقل لي أحد أن الأمر غير طبيعي. 

ما هو العمل

م.س.: حدثينا عن الإنتقال من حياتك كطالبة إلى بدايات تخصصك المهني. كذلك، نحن ندرك أنك عملتي قبل ٢٠٠٧ في منصب إداري في دولفين للطاقة Dolphin Energy  قبل أن تصبحي الرئيسة التنفيذية لتوفور٥٤. كيف كان الإنتقال من قطاع الطاقة إلى صناعة الإبداع؟

ن.ك.: حرص والدي على عملي قدر الإمكان لأنه أدرك أني بحاجة إلى البدء ببناء هُويتي الوظيفية بسرعة قدر الإمكان، وأن أكون مسؤولة ومستقلة. ولذلك عملت لثلاثة أعوام في قسم تكنولوجيا المعلومات بمشفى عسكري. وبعد ثلاثة أعوام، أجريت حوارا عميقا مع والدي. قال لي: "أنت لستِ موظفة عسكرية، بل مدنية، ولذلك فإن ترقيتكِ وتطوركِ ضمن البنية العسكرية لن تكون سهلة". حينها أخبرني لأول مرة عن شركة طاقة تدعى دولفين للطاقة. فكتبت سيرتي الوظيفية، وأرسلتها وأجريت مقابلها. وحصلت على الوظيفة. السنوات الثلاث التي أمضيتها في المستشفى العسكري ساهمت في تكوين شخصيتي وسمحت لي بالانتقال إلى وظيفة أخرى.

بقيت في دولفين قرابة ثلاثة أعوام ونصف العام. كان يفترض أن أعمل في إدارة تكنولوجيا المعلومات لكن لم يكن هناك شاغر في قسم التدريب والتطوير. فقال لي رئيس قسم الموارد البشرية: "كما تعلمين يا نورة، هناك شاغر في تلك الإدارة لثلاثة أسابيع، اعملي فيه لفترة معينة حتى يصل المختص". لكن بدلا من العمل فيه لثلاثة أسابيع، طالت المدة إلى ثلاثة أعوام. كانت تجربة تعليمية عظيمة. لكن بعد تلك الأعوام الثلاثة، بدأت أشعر بالروتين من جديد.

ولحسن الحظ، هاتفني معالي خلدون المبارك. وخلال المكالمة، عرض علي عددا من المشروعات التي أراد أن يكلمني عنها حينها بدأنا الحديث عن إمكانية إنشاء مدينة إعلامية، والتي أصبحت لاحقا توفور54. لم تنضج الرؤية في تلك المرحلة، الموظفة رقم ١. كُلّفتُ بالعمل على توفير مكتب يساهم في إنشاء الشركة. كنت أول المنضمين لها، حتى قبل رئيس ضابط العمليات وبقية طاقم العمل. خلال وجودي في توفور54، كانت الإنطلاقة. تعلمتُ وجربتُ كل شيء من الأساس – من الموارد البشرية، إلى التمويل، إلى تعليم التخطيط الاستراتيجي، وكيفية بناء مساحة إبداعية.

تأثير الثقافة الشعبية

م.س.: لقد قرأنا في مقابلات سابقة أن الفيلم الأمريكي ذا غونيز (The Goonies) – وهو قصة كتبها ستيفن سبيلبيرغ- قد أثر كثيرا على سنوات تكوينك. فما الذي جذب انتباهك إلى فيلم عن مغامرات جماعة شباب من أوريغون، في الولايات المتحدة؟

ن.ك.: ما جذبني في الفيلم، أو بالأحرى، الرابط الذي كونته بين حياتي الشخصية وشخصيات الفيلم كان التلاقي بين تنشأتي في مناطق متوسط  المعيشة في الولايات المتحدة، ومع ذلك حصولي على زملاء دراسة وأصدقاء كانوا من ثقافات متعددة ويجتمعون ويعيشون في مجتمع واحد. لم أنشأ فقط مع مواطنين إماراتيين، بل مع أطفال من أنسجة ثقافية وخلفيات مجتمعية مختلفة. لم يعني الأمر من أنت ومن من هم والديكِ، كنا مجرد أطفال قدر لهم أن يكونوا رفاقا. على الرغم من اختلافاتنا كونّا روابط مشتركة.

أما من ناحية تشكيل الفيلم لنظرتي الإبداعية، فأظنه قد شكلني ثقافيا. مهمة إنقاذ وطنهم هدف فيزيائي ملمس – من البيت إلى الخريطة. كان لهؤلاء الأطفال هدف محسوس وقد استخدموا ذكائهم للثبات أمام كل الظروف. ويتوسع الفيلم إلى تناول طرق تفكير الناس وتحليل الأمور وبمقارنته مع منصبي الحالي هنا في وزارة الثقافة وتنمية المعرفة، فهذا ما نفعله تحديدا. نحن نتعامل مع أسئلة مشابهة: كيف لنا أن ننشر الثقافة، وجذب الناس ليهتموا بدافع مشترك، وتعريضهم للاختلاف والتعدد (الثقافي والأفكار عموما).

العمل الإبداعي

م.س.: بشيء من الفضول تجاه هذا العمل الإبداعي والذي ينمو بشكل سريع في أبوظبي، ومنطقة الخليج إجمالا، نجد أن الإبداع هو الكلمة الساخنة في اللحظة الراهنة. بصفتك وزيرة للثقافة وتنمية المعرفة ما الذي نجح حتى الآن، وما هي التحديات التي تواجهينها؟

ن.ك.: ما ينفعنا هو امتلاك خارطة طريق واضحة تساعدنا على تحقيق ما نريده وفق استراتيجيتنا. لقد مضى عام وبضعة أشهر مذ بدأنا العمل في وزارة الثقافة. مع فريق مؤهل من المختصين، صنعنا "خارطة ثقافية" أو مؤشرا لقياس تأثير الثقافة والقطاع الإبداعي. دار حوار كبير بخصوص السياسات والنظم التي تمكن وتدعم القطاعات الإبداعية وتحفّز الطاقات، إضافة إلى التمويل الثقافي الذي أعلن عنه معالي الشيخ محمد بن راشد. كما أعلنا أيضا عن إطلاق أول أوركسترا وطنية، وسيكون لها شخصية وهُوية خاصة بها، وإحساسا بالتاريخ، وهُويّة وطنية.

توجد عدد من المخططات لمشروعاتنا ، محليا. أما من ناحية الامتداد للدول المجاورة، فهناك إعادة بناء مسجد النوري في الموصل، بتكلفة ٥٠ مليون دولار والذي عملنا عليه بالتعاون مع اليونسكو. العنصر الأساسي في هكذا مشروع هو خلق وظائف للشباب. في مدينة كانت منارة للمثقفين وكان من أكثر الجامعات رُقيّا – أساس التقدم هناك. ما يحتاجه الناس هناك حقيقة هو مد يد العون والمساعدة العمرانية والنقدية لإعادة الإعمار بهدف تحسين معايير المعيشة للأجيال القادمة.

رؤية ٢٠٣٠

م.س.: حدثينا أكثر عن خطة تنويع الإقتصاد، المتوافقة مع رؤية أبوظبي لعام أبوظبي ٢٠٣٠. كيف سارت عملية التخطيط، ومن انضم إليها، وما هو رأيك في التجربة، باعتبارها ميدانا جديدا؟

ن.ك.: لقد تغيرت أبوظبي ٢٠٣٠ الآن من ناحية محددة، بطريقة ارتباطها بالقطاع الإعلامي. ورغم ذلك، فبإمكاني أن أحدثك عن مشروع توفور ٥٤ أو بالأحرى، شركة. سبب إنشائها هو أن فيها تنويعا لاقتصاد أبوظبي. كان هذا هو الهدف. وتمكنا منذ عشرة أعوام من جذب الشركات والمهنيين المستقلين للعمل معنا. لقد برهنا على أن يإمكانك الحصول على وظيفة حكومية نهارية، وتأسيس مكتبك الخاص لتكون موظفا حرا أيضا أو بإمكانك النجاح كموظف حر أو في قطاع الإبداع فقط. نحن نعمل بالقرب من مؤسسي (فرق الإبداع). اسّسنا ما يُعرف بمختبر الإبداع، حيث يتمكن الآباء المترددون من المجيء، فيقدروا نتاج أبنائهم في القطاع الإبداعي (الخاص) وتأثير هذا النوع من العمل. بعد ١٠ أعوام من الآن، سيؤخذ: المحترفون المبدعون – سواء في التصوير الفوتوغرافي – والإخراج السينمائي، والمكياج، وتصميم الأزياء، إلخ، على محمل الجد أكثر. 

مستقبل الإقتصادي الثقافي الإمارات العربية المتحدة

م.س.: عين على المستقبل، مدى أهمية استكشاف الإمارات العربية المتحدة للتطورات الحديثة والاتجاهات مثل الذكاء الإصطناعي، وإنترنت الأشياء، إلخ. فهل هناك أي مبادرات أو خطط بخصوص هذه التكنولوجيا المتقدمة؟

ن.ك.: أقمنا سابقا مسابقة خلال القمة العالمية للحكومات حيث استضفنا المختص عن الآداب والثقافة  في جوجل وخبراء آخرين من ميادين مشابهة للحديث عن الذكاء الإصطناعي، وكيف يحلل المعلومة، وكيف سيطور ذلك عملنا بشكل عظيم. في آخر مهرجان البردة حولنا مواضيع الخط الإسلامي، والفنون، والنُّصب التذكارية إلى نقاش عن المنصات العالمية. استخدمنا تكنولوجيا الذكاء الإصطناعي لتمكين النقاشات العميقة والحوارات. وبحق، كل الكيانات في كل عمل يمكن تصوره يجب أن يتفكّر في تبنيه للذكاء الإصطناعي. بالنسبة لنا، سيساعدنا من ناحية جعل النتائج أكثر كفاءة وذات تأثير.

زمن المستقبل

م.س.: ما الذي تتطلعين إليه على المدى الطويل والقصير؟ نعرف أنه سؤال صعب، لكن يجب طرحه.

ن.ك.: في الواقع، أشعر أننا نملك خارطة طريق واضحة على المدى القصير. أما "الخارطة الثقافية"، أو "المؤشر الإبداعي والثقافي" فهما أولويتان. وفور بلوغهما، سننقل القطاع إلى مؤشر المرحلة التالية. مستقبليا، نريد للإمارات العربية المتحدة أن تكون مركزا للمواهب والفنانين الذين يطمحون للإقامة في الدولة.، ونريد أن تكون الدولة جسرا وبوابة للإبداع المتميز. وهكذا وعلى المدى البعيد، أتمنى أن أشهد ازدهار المزيد من العروض الموسيقية، والعروض المسرحية، والإبداعات الفنية الأخرى.

ضوء على مبدعين

م.س.: تهتم مجلة خليجسك بتسليط الضوء على المبدعين المحليين والإقليميين، ومجتمعاتهم المميزة المشابهة، والعقبات التي يواجهونها في ميادين اهتماماتهم كل على حدة. سؤالنا هنا هو: كيف يمكن للمبدعين في دولة الإمارات العربية المتحدة الإنضمام للوزارة، وما هي الفرص المقدمة لهم؟

ن.ك.: هذا جزء مما نفعله أيضا – من ناحية تعزيز أو منح المبدعين منصة. وفي النهاية، نقيس النتائج المعروضة على أساس المبادرة الإبداعية يجب أن تمنح الأولية وما الذي تعنيه لنا لندعمها استراتيجيا. سأعطيك مثالا: لقد دعمنا أول بينالي للتصميم الجرافيكي والذي أقيم في الشارقة، وأطلق عليه وزارة تصميم الجرافيك. نتلقى ردود فعل إيجابية منذ ذلك الحين. لقد سلطنا الضوء أولا على حدث أقيم في الإمارات العربية والمنطقة لأول مرة، وثانيا، أقيم بالمستوى الأنسب لوزارتنا دعما للحدث.

ومن ناحية دعم الفنانين والمبدعين المحليين، هنا سيتم استخدام التمويل الثقافي بالمستقبل – حيث الفن، والموسيقى، والمسرح، إلخ. تساند الوزارة كذلك الطاقات الشابة بمنح دراسية تقدمها الدولة، والتي تشتمل على أفضل 100 جامعة (عالميا) في الفنون والإنسانيات. وكوزارة للثقافة، نريد للطلبة المبدعين أن يدخلوا أفضل المعاهد والمؤسسات، سواء أكانت محلية، أو إقليمية، أو عالمية.

نصيحة

م.س.: فيما يخص رسالة محددة أو نصيحة تقدمينها للمبدعين المحليين، ما الذي تقولينه لشخص قد بدأ للتو؟

ن.ك.: تسخير وتحسين موهبتك لن يتحقق في يوم واحد. على سبيل المثال، الفنان التجريدي الإماراتي: عبد القادر الريس. أقام أول معرض فردي له في باريس، فرنسا، قبل وقت قصير، رغم أنه يرسم منذ السبعينيات. الفن وصناعة الإبداع ليسا عملا سريعا. أما بالنسبة لنا كوطن، فعلى المدى البعيد، سيظهر لدينا فنانون،  ومبدعون آخرون يُعبّرون عن ذواتهم ويَتخطون الحواجز لنشر رسائلهم، مختلفين عن الأساليب المعتادة للتواصل العالمي والتي انتشرت بفضل السياسة أو الإقتصاد.

في الختام

م.س.: السؤال الأخير، هل من – كما ذكرتي –  قصص نجاح أو إنجازات تفخرين فيها؟ 

ن.ك.: كثير من القصص في العام الماضي. أفتخر بجناحنا في فينيسيا، وأعتز بقصص التصميم الإماراتية، التي أخذناها إلى ميلان ثم إلى لندن. وكذلك أفخر بأولئك الفنانين الذين يعرضون أعمالهم محليا وإقليميا، كما أعتز بعبد القادر الريس، وحسن شريف اللذين صدّرنا أعمالهما وعرضنا موهبتيْهما عالميا، فعرض عملك في معرض، هو إنجاز عظيم. 

حتى لقاء آخر

م.س.: هل من رسالة أو ملحوظة أخيرة ترغبين في إسدائها لقرائنا؟ 

ن.ك.: لا تكونوا في غاية الجديّة. استمتعوا بما تفعلونه، أثناء فعلكم إياه!

ظهرت نسخة من هذه المقالة في منشور خليجسك ، إصدار مارس ٢٠١٩.

كلمات: ملاك السويحل
الترجمة العربية: دلال نصر الله
الصور: مهرة المهيري

0 Shares:
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

You May Also Like
Read More

نور مبارك الصباح

ولدت من أم أمريكية واشتهرت على الصعيد العالمي باقتنائها للأعمال الفنية تحت اسم الشيخة بولا الصباح، نور مبارك…
Read More

عهد العمودي

تصوّر‭ ‬رجلا‭ ‬يلبس‭ ‬الثوب‭ ‬و‭ ‬الشماغ‭ ‬مغطى‭ ‬بالرمان‭. ‬الخلفية‭ ‬من‭ ‬وراءه‭ ‬لها‭ ‬أيضا‭ ‬نفس‭ ‬التصميم‭. ‬يتوقف‭ ‬المارة‭ ‬عند‭…