أظهرت دراسة مشتركة حول المراهقين بقيادة بيلكنت في تركيا نتيجة مخيفة ومحبطة. بدلًا من الانشغال بألم المراهقة المتزايد وحول ما يجب ارتدائه إلى رقصة المدرسة التالية أو كيفية قضاء فترة ما بعد الظهر، يكون المراهق العادي عاجزا بسبب الخوف من الفشل. هذا الخوف المنتشر بين المراهقين يساهم في خلق القلق والاكتئاب. على الرغم من مدى حزن هذه الفكرة الا أنها من المسببات. تتراكم هذه المخاوف عبر مختلف الفئات العمرية و التسلسلات الهرمية الاجتماعية. هذا الخوف من الفشل لا يعيق قدرة الفرد على العمل فحسب، بل إنه جزء أساسي من سلب قدرة الفرد على تحقيق الذات والارتقاء بها، لكن أهم شيء هو التحلي بميزة الصبر. وهي ميزة كانت لصالح الفنانة السعودية زهرة الغامدي.

"أنا أستاذة في قسم الفنون الإسلامية بجامعة الملك عبد العزيز. عندما يتواصل معي طلابي والفنانين ويظهرون لي أعمالهم، أقول لهم: عمري الآن ٤٢ عامًا، وقد تركت أثر في عالم الفن قبل ست سنوات فقط". تشرح زهرة الغامدي: "هذا الأمر لا يزعجني أو يجعلني أشعر باليأس  حيث ساهمت كل تلك السنوات السابقة في ممارستي لمهنتي".

الغامدي (مواليد ١٩٧٧ ، الباحة ، المملكة العربية السعودية) هي قوة من قوى الطبيعة. إنها تسبح ضد موجة الممارسات الفنية التقليدية وتتحالف مع الصبر والمرونة، والأهم من ذلك حرصها على وهب كل عمل فني من أعمالها بعنصر من روحها. وتابعت قائلة "سيستغرق الأمر بعض الوقت للشخص ليثبت نفسه. بعض الناس يعتقدون أنك بحاجة إلى أن تكون فنانًا ويجب أن تنجح من البداية ولكن لا، عليك أن تتعلم من خلال مسامحة نفسك."

تصف الغامدي عملها باسم "فنون الأرض" ، والتي يشار إليها أحيانًا باسم فن الأرض / البيئة، وهي حركة فنية ظهرت في الستينيات والسبعينيات. فن الأرض يعد شكلاً معينًا من أشكال اللغة الفنية التي تستخدم المواد الخام مثل التربة والغطاء النباتي والصخور لصياغة المنتج النهائي.

خلال نشأتها في المنطقة الجنوبية من المملكة العربية السعودية، بدأ افتتان الغامدي ببيئتها الطبيعية. إن جاذبيتها لكونها فنانة أرض يعود بشكل كبير الى طفولتها التي تعج بالوديان والمزارع والمراعي التي تحيط بها. تجاربها منعكسة بدقة في أعمالها، ومثل الذكريات تتلاشى بعيدا مع الوقت. في الواقع ما يجعل فن الأرض مميزًا للغاية هو أن معظم الأعمال الفنية للأراضي سريعة الزوال. إنها مصنوعة من العناصر الطبيعية التي من المتوقع أن تزول أو تختفي بمرور الوقت. نظرًا لعمرها القصير نادرًا ما يتم عرضها في المتاحف أو يتم الحصول عليها من قِبل جامع. على الرغم من ذلك، بقيت الغامدي وفية لنفسها ورؤيتها.

 توضح الغامدي: "لقد وجدت نفسي أتجه بإتجاه فنانين مثل روبرت سميثسون، وفنانون أخرون انجذبت إلى أعمالهم بعمق، وخاصة الذين يستخدمون المواد الطبيعية" ، وبعد ذلك وجدت نفسي في الاستوديو أتوجه نحو الرمال وغيرها من المواد الخام […] خلال إقامتي في سويسرا لمدة ثلاثة أشهر، غادرت منطقة الراحة الخاصة بي وركزت على إنشاء فن الأرض.  

هذا الخيار لم يأتِ بدون جدل. بغض النظر عن عملها المذهل فلقد كانت المعارض في البداية متعارضة حول عرض أعمالها الفنية الخاصة بفن الأرض. أعمالها التي تسلط الضوء على بيئتها الطبيعية قد شكلت مشكلة لأصحاب المعارض نظرا لعدم بقاء هذه الأعمال لمدة طويلة. وعدم امكانية إخراجها من المعرض بمجرد انتهاء المعرض ، مما يجعل قطعها غير قابلة للبيع. 

على الرغم من أن هذه الأعمال تعتبر أداة للتعبير عن الخبرات الشخصية للفنانة، إلا أنه لا يوجد حافز مشجع لأصحاب المعارض للمخاطرة  في عرض هذه الأعمال. لكن هذا لم يوقف الغامدي، بل جعلها تندفع بأفكارها إلى مدى أبعد من ذلك. "لقد طلبت منهم أن يعطوا أعمالي الفنية فرصة وأن يركزوا على الانطباع الذي تخلفه هذه الأعمال والنتيجة النهائية لها. وفي بداياتي خلال عام ٢٠١٤ ، امتدح جمهور المعرض أعمالي و غيروا رأي المسؤولين عن المعرض. "لم تتوقف الاستجابة الإيجابية لعمل الغامدي هناك، حيث حضر الزوار الأجانب المعارض التي عُرضت أعمالها بها، وبالتالي فتح أمامها العديد من الفرص.

انها تفتخر بأن كل معرض شاركت فيه، إلى جانب مثابرتها ضد النقد السلبي ، سمح لمهنتها بالانطلاق الى أفاق بعيدة. موقفها من "النجاح" هو نقيض هوس ثقافة وسائل التواصل الاجتماعي بالحصول على الإعجاب والسطحية. كانت فكرة الغامدي للنجاح هي الإيمان بجمهورها والاعتراف بكونها وفية لفنها.

حظيت مشاركاتها بالإعجاب بالنظر إلى فترة السنوات الست القصيرة التي نشطت فيها بشكل احترافي في المجال الفني في المملكة العربية السعودية. عُرض معرضها الفردي الأحدث An Inanimate Village  (قرية غير حية) ، في معرض (أثر) Athr Art Gallery ، جدة (٢٠١٥). تشمل أحدث معارضها الجماعية: سفر ، 21،39 جدة للفنون ، جدة (٢٠١٧) ، رسائل ، معرض آثر للفنون ، جدة (٢٠١٧)، (الأرض وما بعدها)  Earth and Ever After، 21،39 (21،39)،  (فنون جدة) Jeddah Arts، Jeddah (٢٠١٦) (جدة ٢٠١٦). تم إضافة  أعمال الغامدي المهمة الخاصة بالموقع في المتحف البريطاني، وكانت جزءًا من مهرجان الشوبك للثقافة العربية في تلك السنة ، لندن المملكة المتحدة (٢٠١٧) وشارع السركال في دبي، الإمارات العربية المتحدة (٢٠١٦). ومع ذلك، كان أكبر إنجاز لها هو دعوتها للمشاركة في بينالي البندقية (٢٠١٩).

كما تصرح الغامدي "هناك بعض الأعمال التي كان لها تأثير أقوى عليّ" ، "على وجه الخصوص العمل الذي أحدث نقلة نوعية في أفكاري، وهو"Mycelium Running" (الأفطورة الجارية) ٢٠١٩، وهو تركيب عملت عليه لبينالي البندقية." تصف غامدي هذا العمل بالذات بأنه عمل أثّر عليها ، وليس العكس. استغرقت القطع التي صنعتها لهذا التثبيت أكثر من ثمانية أشهر.

تتكون Mycelium Running (الأفطورة الجارية) من جلد محروق مقولب يدوياً ومحشوًا بعد ذلك بصوف القطن، الذي يتم تجفيفه وتصليبه لاحقًا. يتكون العمل الفني من مجموعة من الأشكال الدائرية ، تشبه سكن خلية لنوع غير معروف من المخلوقات. كل واحدة من ٥٢٠٠٠ جسيمات مجردة متمايزة ومعقدة. إنها إشارة إلى قريتها الباحة ، المكان الذي وقعت فيه في حب الطبيعة لأول مرة.

عندما قارب العمل على الانتهاء، كانت النتيجة النهائية مفاجأة كاملة للغامدي. لم يكن بإمكانها أن تتخيل النتيجة النهائية عندما بدأت العمل، وكان المشروع يتحدث إليها ويشكلها بدلاً من ذلك. "كل عمل قمت بإنشائه له شعور خاص به أو يتعلق بموقف معين واجهته. إنها تخلق نقلة نوعية بداخلي ، وتحولني من مستوى إلى آخر. "

تعيش الغامدي على خطى بعض أعمدة الفن مما ساهم بلا شك في نجاحها. وتقول الغامدي أنه يجب على المرء أن يسعى إلى التغذية البصرية والجمالية. لتنويع اللوحة البصرية، يجب على المرء أن يبحث باستمرار وأن يكون فضولي ، وأن يقضي بعض الوقت في العزلة ، وتخصيص هذا الوقت في الاستوديو الخاص بهم. ومرة أخرى ، يجب على المرء أن يتحلى بالصبر.

"يجب أن تكون صبورًا أيضًا حول المكان الذي تعرض فيه أعمالك " ، كما تقول "ربما تكون المرة الأولى داخل معرض غير معروف، ومع ذلك عليك أن تبدأ من مكان ما. ولكن لا تيأس ، فهناك كثيرون يأسوا في وقت مبكر جدًا. […] لأن فنهم ليس من أولوياتهم ، لكنه يأتي في المرتبة الثانية بعد الالتزامات الأخرى. ومع ذلك ، عندما يصبح فنك هو الأولوية بالنسبة لك، وحتى لو بدا الأمر وكأنه معركة خاسرة ، فكن صبورًا ".

يجب أن تكون صبورا أيضا. قد يبدو الإيمان بالإبداع أو الرسالة أو العاطفة أمرًا مستحيلًا في عالم مليء بالإلهاءات، أو على نطاق أقل الهاءات مثل وسائل التواصل الاجتماعي التي تبعدنا عن مشاريع أكثر إرضاءً للنفس وتنتقص من تقديرنا لذاتنا. من السهل أن نؤمن بمثل هذه الأكاذيب، على سبيل المثال قولهم أن المرء لم يعد في شبابه، أو أنه ببساطة ليس جيدًا بما فيه الكفاية. "في بعض الأحيان، يمنحك الناس آرائهم وقد تساعدك انتقاداتهم على التحسن ، في حين قد يمنحك الآخرون آراء غبية. "لذلك أذهب إلى المنزل واختار الآراء التي تساعد في دفعي إلى الأمام".

ولكن كما تقول زهرة الغامدي ، فإن الأمر يتطلب بعض الوقت ، تحلى بالإيمان، وقم بتكريس وقتك لمهنتك وتعليمك. ولكن الأهم من ذلك يجب أن تعلم أن عددًا لا يحصى من الجوائز وسيرة ذاتية مثيرة للإعجاب لا تصنع فنانًا. إن ما يصنع الفنان هو إرادة الإبداع إلى ما وراء الذات، للتطور والتقدم في مواجهة الشدائد. الفنان يصنع الأعمال الفنية ليس من أجل المديح بل للتواصل، والأهم من ذلك هو احتضان رحلتهم الفنية بصبر.

ظهرت نسخة من هذه المقالة في منشور خليجسك ، إصدار سبتمبر ٢٠١٩.

كلمات: ت. خليفة
الترجمة العربية: جيهان مريش
الصور: زهـرة الغامدي ، آرت جميل

zahrahalghamdi.com

0 Shares:
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

You May Also Like
Read More

دن‭ ‬غاليري الكويت

يضم‭ ‬معرض‭ ‬دن‭ ‬غاليري،‭ ‬المنشئ‭ ‬في‭ ‬مايو‭ ‬٢٠١٥،‭ ‬بين‭ ‬جدرانه‭ ‬أعمالا‭ ‬لفنانين‭ ‬معاصرين،‭ ‬عارضا‭ ‬أساليب‭ ‬جديدة‭ ‬في‭ ‬مجال‭…
Read More

بون ‬آب

 ‬ يعمل‭ ‬ثلاثي‭ ‬نسائي‭ ‬مكون‭ ‬من‭ ‬ثلاث‭ ‬سيدات‭ ‬اسكندنافيات‭ ‬على‭ ‬حل‭ ‬مشكلة‭ ‬الطعام‭ ‬الفائض‭ ‬في‭ ‬الإمارات‭ ‬وجبة‭ ‬تلو‭…
Read More

سارة طيبة

منذ‭ ‬طفولتها‭ ‬في‭ ‬سن‭ ‬العاشرة،‭ ‬كانت‭ ‬الرسامة‭ ‬السعودية‭ ‬سارة‭ ‬طيبة‭ ‬تعرض‭ ‬للعالم‭ ‬لمحات‭ ‬من‭ ‬مسارها‭ ‬الوظيفي‭ ‬المستقبلي،‭ ‬حيث‭…
Read More

اينكد

اينكد‭ ‬هو‭ ‬مطعم‭ ‬لا‭ ‬يشابه‭ ‬ما‭ ‬اعتدت‭ ‬عليه‭ ‬من‭ ‬مطاعم،‭ ‬إذ‭ ‬يركز‭ ‬عبر‭ ‬أفكاره‭ ‬المتجددة‭ ‬على‭ ‬ابتكار‭ ‬تجارب‭…