اليدان هما جزء مهم من مكونات جسم الإنسان، لا نتخيل شكل الإنسان بدونهما، وحتى الملابس تصمم على هذا الأساس، فلا نرى قمصان بلا أكمام ولا حتى دشاديش بلا أكمام، ولكن يحدث وليس بكثير أن ترى إنسان بلا أيــد. أتذكر في طفولتي عندما كنت أرى الأغاني الوطنية التي ظهرت بعد الغزو الغاشم حيث كانت مليئة بصور الأسرى والشهداء، كان من بينهم صورة لأسير عائد إلى الوطن ولكنه عائد بلا أيــد. أذكر صورته بالتفصيل شعره كث وقميصه مقلم بالأسود والأبيض وبنطاله أسود وجسمه نحيف، كانت أكمام القميص فارغة أو ممتلئة ولكنها ممتلئة بالهواء. كانت تلك الصورة من أشد الصور التي انغرست في ذاكرتي إيلاما.
حين أتذكرها الآن، أتصور هذا العالم بلا أيـد، أتصور هذا العالم بنضال ذلك الأسير وشجاعته حين دفع يداه ثمنا لاسترجاع حرية وطنه قبل حريته. كم من يـد هي أولى وأكثر حاجة إلى القطع من يد هذا الأسير المناضل.
كم يحتاج عالمنا إلى قطع الكثير من الأيدي التي تعبث به، تمزقه، تفتت جماله وتحرقه، وكم من يد في مجتمعنا الصغير الدافئ تحتاج إلى استئصال فهي أياد انغمست في الفتنة.
الطائفية كلمة تكتب مئات المرات في الصحف اليومية، الجميع ينتقدها، يتحدث عن أسبابها، ويضرب الأمثلة بنتائجها، مرض تزداد خطورته كل يوم، جميعنا يعرف العلاج ولكن يكابر، يكابر على أهم ما يملك وطنه. للطائفية يدان وقدمان وعقل مدبر خبيث يفتت ويقسم وطننا يوما بعد يوم، بخطوات قليلة وبطيئة ولكنها مدروسة، وقليل مستمر خير من كثير منقطع. تبدأ بأكثر الفئات العمرية تأثرا ( المراهقين) تحشو عقولهم بأوهام وأكاذيب، تقترح عليهم ولا تدفعهم، توهمهم بأنها تسمعهم وتحتويهم ، ولكنها في الحقيقة تعدهم كقنابل موقوتة على المدى البعيد، نعم قنابل لأنها ترتدي عباءة الدين والدين هو رأس الكليات الخمس، فنحن نحتاج إلى قطع يدها، يد الطائفية التي تعبث بنا وبحياتنا وعلاقاتنا.
الإعلام وما أدراك ما الإعلام، الذي يوجهنا يمينا ويسارا، بلا وعي ولا إدراك منا بخطورة هذه الأداة ودورها في إحياء الشعوب وقتلها في آن واحد، فهو سلاح ينافس الدبابات والقنابل في مدى التأثير على الشعوب بل وينتصر عليها، ولنا في ربيعنا العربي خير مثال على دور الإعلام في المشاركة بإسقاط أنظمة أكل عليها الدهر وشرب، ولكن الإعلام ليس ذو دور إيجابي على الدوام فهو كالأسلحة العسكرية نستطيع أن ندافع بها عن وطن ونستطيع في نفس الآن أن نغزو بها وطنا آخر فكل بيت لديه ما يزيد عن ثلاثمائة قناة تلفزيونية، وبالطبع ليست جميع هذه القنوات ذات دور إيجابي في حياة هذا البيت وساكنيه، بل إن بعضها يستطيع أن يهدم هذا البيت نفسيا من خلال ما تبثه من مواد تخالف الدين والعرف وبرامج تؤسس لمجتمع لا أخلاقي ، فتهدم الذات وتعطل العقول.
فهو إعلام فاسد بكل المقاييس يحتاج منا جميعا أن نحاربه ، نقطع يده ووجوده في داخل بيوتنا ، فبئس اليد التي تعبث بالأجيال وتحطم الآمال.
واليد الأخيرة في هذه المقالة ، التي أتمنى وغيري كثير يتمنى قطعها من وطننا الدافئ ، يد ( المناطقية ) التي قسمتنا إلى جميع الجهات الأصلية والفرعية في بلد لا تتجاوز مساحته الـ 18,000 كم مربع ، فهذا من شرق وهذا من الجهراء وهذا من جبلة وهذا من الأحمدي ، ونسينا جميعا بأننا من الكويت ، ونسينا أول ما افتتح به بث الإذاعة الكويتية حين قال المذيع : " هنا الكويت "، رددها عزيزي القارئ بإحساس وسوف تفهم معنى هذه العبارة التي انطلقت من فم المذيع ليعرف عن المكان الذي يتحدث منه ، فقال الكويت وقد قصد جميع مناطقها من الشمال إلى الجنوب ، ومن الشرق إلى الغرب ، من أهل البحر إلى أهل البادية ، من ألم الغوص إلى شتات رعي الأغنام ، من دموع نساء الفرجان إلى قصيد نساء الخيام ، إلى الإنسان، الإنسان الكويتي الذي بنى بيد من الطين بيته وللأسف هو الآن يفتت هذا البيت بيده الأخرى.
– هنادي الشمري