ChildSeries

تُعرف الغيرة بأنها حالة انفعالية لا شعورية يمتزج فيها الإحساس بالخوف مع الإحساس بالغضب، فالطفل عندما يغار من أخيه الصغير مثلاً فإنه يشعر بالخوف على مكانته الاجتماعية التي أعتاد عليها داخل الأسرة و مكانته في قلب والديه، وهو بالتالي يشعر بالغضب عندما يرى اهتمام والديه قد اتجه نحو أخيه الصغير، فيتولد لديه شعور الغيرة التي تظهر جلية من خلال تصرفاته العنيفة تجاه الآخرين و خصوصاً الطرف الذي يغار منه، وأحياناً تأخذ الغيرة شكلاً آخر من خلال كبت الطفل لمشاعره السلبية تلك فتلاحظ الأم أن طفلها أصبح يتبول لا إرادياً أو أنه يتصرف تصرفات أصغر من سنه بكثير و هذا ما يسميه علماء النفس بالنكوص وهي حيلة دفاعية لا شعورية يستخدمها الطفل للتعبير عن أحاسيسه و لفت انتباه والديه له، وأحياناً تتجه الغيرة نحو الأشياء الجامدة كتكسير الطفل لألعابه أو ألعاب أخوته وتكسير أثاث المنزل و الرسم على الجدران وغيرها من التصرفات الدخيلة على طبيعة الطفل وشخصيته.

وتعتبر الغيرة شعوراً ملازماً للحب، فطفلك عندما يغير من أخاه الصغير فما ذلك إلا تعبير عن حبه لك فلا يحب أن تنشغلي عنه حتى و لو من أجل أخاه الصغير، وعلى الأم أن تتفهم ذلك جيداً و أن صغيرها يحب أخاه و لكن ليس أكثر من حبه لها، و كما نقول دائماً فالطفل كائن حساس جداً فإذا شعر بأي سلوك يهدد مكانته فإنه لا شعورياً يقوم بالدفاع عن هذه المكانة بأسلوبه الخاص.

والجدير بالذكر أن الغيرة من السمات المكتسبة لدى الفرد والتي لها مسبباتها النفسية، فالطفل قد يغار بسبب تفضيل الأم لبعض الأخوة كالتمييز بين الولد و البنت، أو المبالغة في تدليل الأخ الصغير وغيرها من الأسباب التي تؤدي لاستثارة مشاعر الغيرة في نفوس الأبناء، لذلك أمر الرسول عليه الصلاة و السلام بالعدل بين الأبناء لتجنب الغيرة السلبية التي تؤثر في نفسيتهم بشكل أو بآخر.

وعلاج الغيرة يكمن في الوقاية منها من خلال ملاحظة سلوكياتنا في التعامل مع الأبناء والحرص على مراعاة مشاعر كل طفل في الأسرة، والبعد عن العنف الجسدي واللفظي نحوهم ، فإذا لاحظت الأم أن طفلها يغار من أخاه المولود مثلاً فعليها احتواء طفلها الكبير وإظهار مشاعر الحب و الحنان له بشكل ملحوظ، حتى تتدارك أي تطورات لهذه الغيرة التي قد تكون سبباً في إيذاء الطفل لنفسه أو لأخيه.

وإليك عزيزتي الأم بعض الأفكار التي قد تساعدك في التخلص من الغيرة السلبية بين أطفالك:

  • تذكري دائماً القاعدة التي تقول: الطفل يبقى طفلاً حتى يبلغ، فعند تعاملك مع طفلك الغيور في مرحلة طفولته المبكرة عليك أن تتعاملي معه كطفل صغير حتى ولو كانت غيرته من أخاه الأصغر فلا يعني أبداً أن نعامل الطفل الأكبر معاملة الكبار بمجرد أنه أصبح لديه أخاً صغيراً.
  • الغيرة شعور لا إرادي و لا يمكن التحكم فيه بسهولة، ولك أن تضعي نفسك مكان طفلك الغيور وتخيلي أن زوجك تزوج عليك بأخرى فماذا ستكون ردة فعلك؟! كذلك طفلك الصغير عندما يلاحظ أن أحد إخوته بدأ يسحب بساط الاهتمام والتدليل من تحته، فستكون الغيرة هي السلاح الوحيد الذي سيدافع به عن مكانته.
  • إذا كانت غيرة طفلك من أخاه الأكبر فحاولي العدل بينهم وركزي على تصرفاتك وكلامك معهم بحيث تقللين من الغيرة في قلب طفلك الغيور دون المساس بمشاعر طفلك الأكبر سناً، أما إذا كان طفلك يغار من أخاه الأصغر كطفل جديد في الأسرة فعليك صب اهتمامك وحبك وحنانك للطفل الأكبر، حتماً ستشعرين بالتعب و الإنهاك فطفلك الصغير يحتاج إليك طوال الوقت وطفلك الأكبر سناً يغير وأنتي بالطبع لا تملكين قلبين وروحين، ولكن الوقاية من الغيرة خيراً من علاجها، فالتركيز على الطفل الأكبر سيساعد في تهدئة شعور الغيرة لديه حتى تتلاشى و يشعر بأن مكانته محفوظة ومقامه لدى والديه لم يتأثر بقدوم أخاه الجديد.
  • عبري بالكلمات لطفلك الغيور عن حبك له ومكانته في قلبك، وإعجابك الشديد بتصرفاته الإيجابية تجاهك وتجاه إخوته حتى تعززي ثقته في نفسه وأنه لازال محبوباً ومحل تقدير من والديه.
  • احذري من توبيخ طفلك الغيور لأي تصرف يبدر منه مهما أزعجك هذا التصرف، فثقي تماماً أن طفلك بتصرفاته لا يريد إيذاء أحد فهو يحبكم ولكن كل ما يريد الوصول إليه هو لفت انتباهك لإشباع حاجة تنقصه، وشعور الغيرة لا يتطور من تلقاء نفسه بدون مسببات كما ذكرنا، فبالتأكيد هناك تقصير من الوالدين نحو الطفل الغيور مما أدى لظهور آليات الدفاع لديه، وأياً كانت هذه الآليات أو التصرفات مزعجة بالنسبة لكم فعليكم لوم أنفسكم لا لوم الطفل، فغالباً ما تكون مواطن التقصير في الكبير و ليس في الطفل الصغير.
  • إذا كانت غيرة طفلك من أخاه الصغير، فدعيه يلعب دور الأخ الأكبر بجدارة وبمطلق الحرية، اطلبي منه أن يساعدك في تغيير ملابس أخيه وإطعامه و رعايته في أوقات انشغالك، لا تشعري طفلك الأكبر بأنك تخافين على أخاه منه وتتلفظين بألفاظ قد تسبب له الغيرة وتضعه بين تساؤلات محيرة ومن أمثلة تلك الألفاظ:
  • أنتبه ستؤذي أخاك
  • أبتعد عن أخاك قليلاً قد تسبب له الأذى
  • لا تحمل أخاك سيقع منك

وكوني حريصة دائماً للإجابة بصدق عن كل تساؤلات طفلك حول أخاه، وأن تقدمي له سبب مقنع لرفض بعض طلباته كحمل الصغير وهدهدته، أو إعطائه بعض الحلوى أو العصير، فأحياناً طفلك الأكبر يكون سنه صغيراً على إدراك بعض الحقائق عن المواليد الجدد وعليك أن تقومي بمهمة المرشد الذي يوضح للطفل ما يمكنه فعله معه أخيه ومتى يمكنه فعل ذلك.

  • في بعض الأحيان تلاحظ الأم أن الأخ الأكبر يغار من أخيه الصغير بسبب بعض المهارات التي يحظى بها الأخ الأصغر كمهارات رياضية أو علمية أو فنية أو غيرها، و هنا على الأم أن تشجع المهارات التي يمتاز بها الأخ الأكبر وتساعده على تنميتها، وأن تفتخر بتلك المهارات أمام الآخرين حتى تعزز ثقة ابنها بنفسه، وأن لا تكثر من مدح مهارات الطفل الأصغر بشكل مبالغ فيه بحيث تثير غيرة أخاه الأكبر، فخير الأمور أوسطها.
  • دائماً أجعلي بينك وبين زوجك أساليب مشتركة للتعامل مع الأبناء حتى لا يحدث تذبذب في سلوكياتكم أمام أبنائكم، فالطفل سينجذب نحو من يشبع بداخله مشاعر النقص التي تعتريه مما يؤثر سلباً على بقية إخوته.
  • احرصي على مناداة كل طفل من أطفالك بأحب الأسماء لديهم، وأن تبتكري ألقاب جميلة لكل واحد منهم حسب شخصيته وما يملكه من إيجابيات تستحق التكريم و التقدير، مثل: الشيخ، الدكتور، المهندس، العبقري،

وقليل من السخاء في الكلمات تعطي الكثير من الإيجابيات.

  • شجعي الغيرة المحمودة بين أطفالك، حتى يفرقوا بين الغيرة السلبية والغيرة الإيجابية، قال تعالى( وفي ذلك فليتنافس المتنافسون)، فالغيرة الإيجابية تساعد الطفل على المضي في تحسين سلوكياته والثقة في قدراته وإمكانياته، ومن أمثلة الغيرة المحمودة:
  • التنافس في حفظ كتاب الله
  • التنافس في الحصول على أعلى الدرجات في المدرسة
  • التنافس في أداء الصلاة في أوقاتها

وغيرها الكثير من الأمور التي بإمكان الأم استغلال الغيرة فيها لتعديل سلوك أطفالها وغرس القيم النبيلة بداخل نفوسهم.

  • علمي أطفالك تبادل الهدايا فيما بينهم في المناسبات الخاصة كالعيد وحفلات النجاح وغيرها، فذلك ينمي مشاعر الإخاء والمحبة في نفوسهم.

وتأكدي عزيزتي الأم أن الغيرة مثلها مثل أي سلوك مكتسب إذا استطعنا أن نتعامل معه بهدوء وبمنتهى العقلانية فسنلاحظ أنه سيختفي تدريجياً دون ترك أي آثار سلبية في نفسية الطفل.

أرحب بتواصلكم

– فرح حسين

باحثة نفسية/مهتمة بشؤون المرأة و الطفل

sweettooha@hotmail.com

 
0 Shares:
Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

You May Also Like