مركز الشيخ ابراهيم بن محمد ال خليفة

على امتداد حضاراتٍ مُتوالية اجتازت أرض البحرين فن العمارة الهندسيّة، يمس تلك الأرض العريقة ببصماته العميقة، مؤكدًاً ما تستحقة من خصوصيّة وتفرّدٍ وتاريخ يرتبط بالفن والثقافة والذوق الإنساني الرفيع. يقول الفنّان التشكيلي "راشد العريفي" في وصفه للتطوّرات البحرينيّة: " في الماضي لا تخضع العمارة لهندسة أو لتخطيط على خرائط، بل تتبع البساطة والتأثّر بفن العمارة السّالفة المتوارثة، وهي أيضًا متأثرة بالحضارة الآشوريّة في هندسة حواشي المباني، وتحمل طابعًاً إسلاميًاً في الأقواس والمداخل". واحتفاء بهذه الثقافة المعماريّة الأنيقة، دشّنت مملكة البحرين باقة نشِطة من الفعاليات، والمسابقات، والمشاريع الإنشائيّة ومخططات التطوير والترميم العمراني، بدءاً من شهر فبراير الذي أطلق عليه مسمّى "شهر العمارة" على جدول نشاطات المنامة التي تم اختيارها عاصمة للثقافة العربيّة عام 2012م، وحتى نهاية هذا العام. مُبرزة جوانب هذا الفن الخلاب، ومؤكدة على مقولة المعماري المصري حسن فتحي: "المعماري العربي هو الوحيد الذي نجح في اجتذاب السماء للإنسان، وتقريبها إليه. هنا السماء والأرض في عناق مُستمر لا مثيل له إلا في البيت العربي".

ترميم وتطوير

ركزت مشاريع الترميم والتطوير على المباني المعمارية التي تستحضر التراث والتقاليد البحرينية القديمة، أولها بيت المغفور له الشيخ سلمان بن حمد آل خليفة الذي يعتبر من أهم المشاهد التاريخية والبيوت التقليدية القديمة في المحرّق، والذي يعود تاريخ بنائه إلى 1794م، ويضم 27 غرفة وأربع ساحات، وسيتم تخصيص عدد من غرفه لتصميم عروض تحكي تاريخ البيت ومؤسسه. أما المشروع التالي فيتمثل في ترميم "سوق القيصريّة" الشعبي الذي يتداول فيه الناس البضائع التقليدية والحرف اليدوية منذ 200 عام، إلى جانب تصنيفه كمعبر اجتماعي حيوي يمارس فيه الناس تجمعاتهم اليومية ولقاءاتهم قديمًاً، ويعد وجهة سياحية للعديد من زوار البحرين عامة ومدينة المحرق بشكل خاص.

اليابان الموازي: الهندسة المعمارية اليابانية المعاصرة 1966-2006م

فضاءات إبداعية

في محاولة لإطلاق فضاءات إبداعية حُرة، نظم فريق "عاصمة الثقافة" مسابقة لإعادة تصميم بوابة البحرين الممتدة من باب البحرين جنوباً إلى جسر الملك فيصل شمالاً، مع فرصة التصويت الشعبي الذي يمكّن الجمهور من التصويت للعمل الأجمل والأفضل، إضافة إلى أعضاء لجنة التحكيم المؤلّفة من 6 أعضاء مُتخصصين في مجالات الفنون، والتاريخ، والهندسة المعماريّة. كما حرصت لجنة المشروع الثقافي على استضافة أبرز الشخصيات المتألقة في سماوات الفن المعماري، مُقدمة لهم الفرصة لتبادل الخبرة مع باقي روّاد العمارة، وسرد تجاربهم على نطاق محلّي ودولي بتنظيم محاضرات لأهم رموز الهندسة المعمارية المعاصرة في العالم، منهم "رام كولهاس" الحاصل على جائزة "بريتسكر" العالميّة، والذي يُعتبر من القلائل الذين عملوا بشكلٍ مُكثّف في منطقة الخليج العربي. كما تمت استضافة فن العمارة اليابانية في معرض "اليابان الموازي: الهندسة المعمارية اليابانية المعاصرة 1966-2006م" بالتعاون مع وزارة الثقافة البحرينية والسفارة اليابانية بمتحف البحرين الوطني. ركّز المعرض على تأريخ حكايا المكان ودقة التصميم المعماري الياباني، مُشتغلاً في صورة بصرية ومقاربات جمالية دقيقة تبرزها عروض للرسومات الهندسية، الصور، النماذج والأعمال التصميمية ثلاثية الأبعاد، وتسجيلات الفيديو التي تبرز جمال التصميم الياباني الشهير بمزج التقليد بالمواد التجديدية.

ولهندسة الرّوح نصيب

في محاولة لإشباع الروح الإنسانية الهاربة إلى حنان الطبيعة من قيود المادّة، افتتح مشروع "الحديقة العمودية" في المحرّق، لتبدو في صورة عناق جميل بين العُمران والبيئة. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الحديقة التي صممها عالم النباتات الفرنسي الموهوب "باتريك بلان" هي أوّل حديقة عمودية في منطقة الشرق الأوسط. كما تم افتتاح مشروع "بيت النوخذة" الذي يمتد في مدينة المحرّق في مسارات تاريخية وفنية في الوقت ذاته، ويعد من أهم أركان التوثيق المنشود لإعتبار "النوخذة" قائد البحّارة ومالك اللؤلؤ الذي يُسيّر العملية التجاريّة والمهنيّة في المنطقة. وأخيرًاً ليس آخراً تسعى مخططات وزارة الثقافة لإستعادة حيويّة المكتبة الخليفية وتوسيعها عبر إضافة بصمات حديثة تعزز مكانتها كشاهد معماري رئيسي في مدينة المحرّق منذ بنائها في خمسينات القرن الماضي لتكون أوّل مكتبة عامّة في البحرين.

– زينب علي البحراني

صور: www.manamaculture2012.bhwww.shaikhebrahimcenter.org

0 Shares:
Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

You May Also Like