بالنظر إلى أرشيف تجارب السينما الخليجية بوجهٍ عام، لا يسعنا إلا احترام كل محاولة جديدة تبذل أقصى ما بوسعها لتقديم إضافة نوعية أو فكرية إلى تاريخ الصناعة السينمائية في المنطقة، وتؤسس لمستقبل سينمائي أكثر تقدماً و نضجاً ومقدرة على البزوغ والإشراق. وفيلم "زائر" الذي أنتجته الشركة البحرينية للإنتاج السينمائي، وأخرجه اسم بحريني متألّق في عالم السينما والتلفزيون البحريني، وهو الفنان "بسّام الذوادي" الذي يُعتبر بصمة سينمائية فريدة من نوعها لاقترابه من فكرة جريئة وجديدة على السينما الخليجية، في مزجٍ بين روح الدراما والرعب الذي قلّما تطرقت إليه السينما العربية عموماً، والخليجية بوجهٍ خاص. فاستطاع بمضمونه هذا أن يحقق شهرة لم تصل إليها تجارب سينمائية بحرينية أخرى، وإن ظلت تلك الشهرة محدودة بسبب ضعف التسويق الإعلامي للفيلم الخليجي غالباً.

خلاصة القصة:

فاطمة سيّدة شابّة وأم لطفلٍ واحدٍ صغير، تقيم هي وطفلها وخادمتها الهنديّة في بيتٍ هادئ بعد انفصالها عن زوجها الذي هو زميلها في العمل في ذات الوقت، إلا أن حياتها الداخلية لا تتمتع بالهدوء جرّاء تنغيص شخصٍ غامض يطاردها ويتراءى لها في كل مكان، خارج بيتها وداخله. يلاحقها صوته أثناء نومها، خلال العمل، وأثناء مشاهدتها التلفاز ليلاً، ويتراءى له طيفه أثناء غسل وجهها في الحمّام، وأثناء خروجها للتسوّق، وخلال قيادتها سيارتها، وحتى حين تطل من نافذة غرفتها على حديقة منزلها، فيدركها الإرهاق النفسي والعصبي، وتتمنى الخلاص من هذا الحصار الخانق. يُحاول زوجها السابق "علي" وزميل عملها في التلفزيون مساعدتها للخروج من هذه الأزمة النفسية التي أضحت تؤثر على مُجريات حياتها كإنسانة وكأم لطفل صغير، فيقترح عليها الذهاب إلى طبيبٍ نفسي، لكنها ترفض طالبة منه مرافقتها للذهاب إلى "مقابر عالي" وهي أكبر مقبرة بحرينية تاريخية عرفتها البشرية في العالم، على اعتبار أنها كانت جنة الخلود لسكّانها في حضارة ديلمون القديمة. يبلغ عمرها ما يُقارب الـ خمسة آلاف عام، وتعتبر من الشواهد التاريخية الهامة. وتعترف لزوجها السابق أن سر اختيارها لهذا المكان هو أنها رأت طيف الشخص الذي يطاردها واقفاً بين تلك المقابر، فيذهبان معاً، ليسمعا فجأة صوت شخصٍ يتألّم، وتتابع الأحداث بمزيدٍ من الرعب، والتشويق، والعواطف المُتضاربة، إلى أن تكتشف "فاطمة" في النهاية هوية تلك الشخصيّة الغامضة التي تتجسّد لها، وعلاقتها بوالدها المتوفّى منذ زمنٍ بعيد.

الفيلم من بطولة: فاطمة عبد الرّحيم، علي الغرير، أحمد مبارك، أمين الصايغ، أحمد عقلان، ياسر قرمزي. بالاشتراك مع الفنان مصطفى رشيد، وضيف الشرف الفنان جمعان الرّويعي. قصّة: بسّام الذوّادي. سيناريو وحوار كلّ من: بسّام الذوّادي و فريد رمضان. مساعد مخرج: خالد جناحي
مونتاج: راشد عبيد، خدع ومؤثرات صورية: خالد جناحي وراشد عبيد، مدير الإنتاج: محمد عبدالخالق، مدير التصوير: أحمد الذوادي، هندسة الأضاءة: عبدالله جميل، هندسة صوت: يونس الكوهجي، الموسيقى التصويريّة: نوّاف كمال. طبع وتحميض: معامل أثينا / اليونان. ومدّته 87 دقيقة فقط.

تجربة فنية فريدة:

حاول الفيلم تقديم تقنيات عالية في مجال الخدع السينمائية عبر استخدام البرامج المخصصة قدر الإمكانيات المُتاحة، كما أنه أول تجربة خليجية تستخدم نظام الصوت "ديجيتل دولبي" المعمول به في السينما العالمية. وقد نال فرصة المشاركة في العديد من المهرجانات العربية والعالمية عن فرعي الإنتاج والإخراج. وعلى الرغم من بعض السلبيات الفنية الطفيفة الناجمة عن الصعوبات التي يواجهها إعداد تلك الأفلام في منطقة الخليج، إلا أنه يظل تجربة فريدة تتمتع بمذاق وطابعٍ خاص يستحق التقدير. خصوصاً وأن قصته حاولت تسليط ومضة ضوء على لمحة من التاريخ البحريني العتيق متمثلاً بمعلم أثري شهير كـ "مقابر عالي" في حركة ذكية تمزج بين صورة الماضي والحاضر، وتقدم صورة راقية متحضرة عن البحرين للعالم الخارجي في هذا العصر، مذكرة إياه بأجمل عهودها في حضاراتٍ مضت واندثرت. كما حاول تقديم رؤية فلسفية من خلال حرض جميع أبطاله على الحياة ومحاولة اكتشاف الحقيقة.

تجدر الإشارة إلى أن المخرج السينمائى البحرينى بسام الذوادي له العديد من الأعمال الفنية التي شاركت في العديد من المهرجانات العربية والعالمية، وكان أول أفلامه السينمائية فيلم "الحاجز" الذي انتجه عام 1990م، ليعتبر أول فيلم روائي بحريني.

– زينب علي البحراني

zainabahrani@gmail.com

0 Shares:
Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

You May Also Like