لقد كانت الزخرفة الإسلامية خير معبر عن تلك الفنون التي امتاز بها المسلمون منذ القدم، وقد كانت العنوان الأول والبوابة الواسعة للفن المعماري الإسلامي والحضارة الإسلامية الممتدة منذ تلك الحقب حتى وقتنا الراهن، الزخرفة الإسلامية عرفت في العصر الأموي، ولكنها لم تزدهر إلا في العصر العباسي، ولعل تزيين أبنية سامراء من أهم الشواهد الفنية حيث ظهرت ثلاث مجاميع يتضح فيها التطور التدريجي على أساليب الزخرفة الريازية، وهذه المجاميع هي مايصطلح عليه بطرز سامراء الأول والثاني والثالث، وفي تاريخ الفن تعد هذه الطرز من أهم مرتكزات الفن الإسلامي.

وقد مرت عناصر الزخرفة الإسلامية بأربع مراحل يمكن إيجازها بالتواريخ الميلادية على النحو التالي:

الأولى: من القرن السابع حتى التاسع، حيث التأثر بالفنون المحلية.

الثانية: من القرن التاسع حتى القرن الثالث عشر، حيث تكونت الشخصية المتميزة.

الثالثة: من القرن الثالث عشر حتى القرن السادس عشر، وهنا كانت عملية تبادل العناصر والأساليب بسبب الغزو وتوالي الهجرات بين البلاد الإسلامية.

الرابعة: من القرن السادس عشر حتى القرن التاسع عشر، حيث قمة الازدهار وبداية التدهور السياسي نتيجة ظهور النفوذ الأوروبي.

وقد اتخذت الزخرفة الإسلامية عدة خصائص ارتكزت عليها كان لها عظيم الأثر في إظهار معالمها من أبنية ومساجد بالشكل الذي ابهر الجميع من خلال دقة التصميم وروعة البناء، فقد استخدم التقنيون المسلمون خطوطاً زخرفية رائعة المظهر والتكوين، من خلال التشابك والمضلعات النجمية واشكال التوريق والتوشح العربي الذي اطلق عليه الأوروبيون "الارابيسك".

وقد أتقن أهل تقنية الزخارف المعمارية الإسلامية صنعة النحت المسطح والغائر سواء كان ذلك على الخشب او الرخام او الحجر وكانت مهارتهم عالية في استخدام المواد الملونة ودقة النقوش، كما تعد العناصر النباتية وكذلك الهندسية من أساسيات بناء هذا الفن فتارة تتعاون مع بعضها وأخرى يكون كل عنصر منفصل عن الأخر، ولو عرفنا العناصر النباتية لوجدناها تسمى أيضا فن التوريق وهي زخارف بأشكال أوراق النبات والزهور، أما العناصر الهندسية فهي تتضح من خلال استعمال الخطوط الهندسية وصياغتها في أشكال هندسية رائعة.

ومن ابرز العمليات الفنية في الزخرفة الإسلامية الترصيع والتوشيع والتجصيص والتعشيق والتطعيم والتلبيس والتكفيت، ومن أهم المواد المستخدمة فيها الرخام والفسيفساء والجص والمعادن والخشب والقاشي والخزف. كما أن التصميم في الفن المعماري كان موجود ضمن مساحات معتمده في تقسيمها على أشكال هندسية رياضية أي أن البناء الهندسي كان أساس أي عمل من أعمال الفن الإسلامي، أي أن الخطوط اللينة تتم بناءً على منطق رياضي هندسي سليم، فيستنبط الفنان المسلم من تأمله للطبيعة القوانين التي ترجمها واستفاد منها ومن وجودها في عمل تصميمات محكومة بقوانين هندسية تحكم شكلها واستمرارها وتفرعها حتى تجددها او تغييرها، وكان شغل الفنان الشاغل أن يبحث عن تكوين جديد ومبتكر يتولد من اشتباكات قواطع الزوايا او مزاوجة الأشكال الهندسية وذلك لتحقيق مزيد من الجمال الرصين ومن أمثلة الأشكال الهندسية التي استعملها:

– الدوائر المتماسة والمتجاورة.

– الجدائل والخطوط المنكسرة والمتشابكة.

وقد كان أول من فكر بالزخرفة على دور العبادة هو عبد الملك بن مروان عندما اعتنى بقبة الصخرة في القدس وأعطاها جل إهتمامه لتكون رمز معماري يحتوي على أرقى الزخارف الإسلامية، ومن أمثلة المباني التي ظهرت فيها الزخارف الإسلامية بشكل جلي: المسجد الحرام بمكة المكرمة والمسجد النبوي بالمدينة المنورة والجامع الأموي بسوريا

لقيت الفنون الإسلامية إعجابا شديداً وقبولاً من الغرب والأسباب أن الفن الإسلامي لم يستخدم رموز دينية يمكن أن تجرح إحساس العقلية المسيحية، فالأشكال كانت مقبولة لدي الغرب حتى انهم استخدموها في تدثير بقايا القديس وهذا ما يؤكد تأثر الغرب بالحضارة الإسلامية، وقد ظهر العديد من الفنانين الأوروبيين المتأثرين بالفن الإسلامي أمثال الفنان "ماتيس" الذي استفاد من مفهوم التجريد في الفن الإسلامي الذي يعتمد على تخليص اللون والمساحات والأبعاد، كذلك الفنان "موندريان" الذي اعتمد في لوحة من لوحاته على التخطيط الهندسي ويذكرنا هذا التكوين بمنظر المدينة الإسلامية من حيث تدخلات منازلها وشوارعها.

ولو اتجهنا لأقوالهم عن هذا الفن لشعرنا بعظيم الفخر بهذا الفن الأصيل ومن هذه الأقوال:

ما قاله الناقد الفرنسي "هنري فوسيون":

"ما أخال شيئاً يمكنه أن يجرد الحياة من ثوبها الظاهر، وينقلها إلى مضمونها الدفين مثل التشكيلات الهندسية للزخارف الإسلامية".

أما "روجيه جارودي" فقد قال:

"إن فن الزخرفة العربي يتطلع إلى أن يكون إعراباً نمطياً عن مفهوم زخرفي يجمع بآن واحد بين التجريد والوزن، وإن معنى الموسيقى ومعنى الهندسة العقلي يؤلفان دوماً العناصر المقومه لهذا الفن".

فهي بالفعل العمل الخالص الذي لا يقصد به إلا صنع الجمال وهنا يلتقي شكل العمل الفني بمضمونه ليكونا وحدة متماسكة لصنع الجمال ظاهراً وباطناً، الأمر الذي لا نكاد نجده في أي نوع أخر من الفنون.

– احلام معوضه القحطاني

labanda_-11@hotmail.com

0 Shares:
Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

You May Also Like