باتت تركيا على رأس أهم الوجهات السياحيّة في الشرق الأوسط خصوصاً والعالم عموماً، وذلك لغناها بالتاريخ والمواقع السياحيّة وطبيعة أجوائها التي تبعث على السكينة والراحة. وفي الواقع، تبذل وزارة السياحة التركيّة الكثير من الجهود في سبيل تطوير المراكز السياحيّة وتقديم أفضل الخدمات لضيوفها، لتكون بذلك سبل الاستجمام متوفرة جدّاً للسيّاح، والتي تترك في أذهانهم انطباعات وذكريات جميلة، تدفع بهم إلى التفكير لزيارتها مرة أخرى، إن لم يكن مرات

بين المدن التركيّة والسائح تحدث علاقة لا يشعر بها إلا من زارها، وكلّ مدينة من مدنها تتميّز بطابع متفرّد عن المدينة الأخرى، ذلك أنّ كلّ مدينة تقدّم شيئاً مختلفاً لعيون السائح وروحه، فضلاً عن معدته، حيث الطعام التركيّ بأنواعه الشرقيّة والغربيّة، والفواكه والخضروات الطازجة الموسميّة، والحلويّات التي تسيل لعاب الناظر إليها.

في كلّ مدينة تزورها تجد أشياء مختلفة وجديدة، تترك انطباعاً جميلاً لديك، أو تترك بعض أطعمتها مذاقاً على لسانك تظلّ تتذكّره، وتخطّط لدعوة أصدقائك وعائلتك لرحلة سياحيّة مثلها وتناول أطعمة تركيّة جديدة أو الجلوس في مقهى تاريخيّ ما، وكان لمجلة "خليجسك" إطلالة على هذه المدن التركيّة، نتطرق إليها باختصار

أسطنبول
في أسطنبول، هذه المدينة العريقة، التي كانت عاصمة العواصم، المدينة التي شهدت نهوض إمبراطوريات وسقوط إمبراطوريات، لايمكن لك أن تنسى فيها ساحة تكسيم التي هي مركز المدينة في القسم الأوربيّ منها، ملتقى الأصدقاء والعشاق والسيّاح، والتي تخرج منها المظاهرات المطالبة بالعدالة، وتعود إليها. تأخذ هذه الساحة بمرتاديها إلى شارع الاستقلال، الذي يضجّ بالزوار، الذي – حسب الإحصاءات – يدخل إليه مايقارب ثلاثة ملايين شخص كلّ يوم، فيكون الشارع الأكثر ازدحاماً بالمشاة في أسطنبول، والذي يأخذك إلى كلّ الاتجاهات، إلى البحر أو المدينة القديمة أو برج غالاتا التاريخي. وفي هذا الشارع السياحيّ، تسمع لغتي البلاد الأصليّتين التركيّة والكرديّة بالدرجة الأولى، ثم العربيّة والإنجليزيّة، ناهيك عن لغات الأرض المختلفة. تشعر في شارع الاستقلال بسعادة تغمر جنباتك من مناظر الفرق الموسيقية المتنقّلة، والعازفين لكلّ الآلات الموسيقيّة، أمّا بعض المارّة من عشاق الرقص، حينما تنتشي أسماعهم بالموسيقى، يبادرون بالمشاركة في وصلة رقص عشوائيّ وسط تصفيق المشاهدين من المارّة، كما تشعر أنّ الفتيات والشبّان يمشون في صالة عرض للأزياء، حيث هذه الأزياء الجميلة والحديثة للفتيات التركيّات والأنيقة للشبان الأتراك، ولربما الشارع نفسه يضفي ألقاً على الوجوه

من هذا الشارع توجّهنا مع أصدقاء أتراك إلى تناول الغداء في مطعم تركيّ شهير في منطقة السلطان أحمد، هذه المنطقة التي يوجد فيها متحف آية صوفيا والجامع الأزرق، ومقبرة السلاطين العثمانيين، ومنها يمكن التوجّه إلى السوق الكبير المغطّى، والكثير من المناطق التاريخيّة المحيطة بها، هذا المطعم اسمه "سلطان أحمد كفتجسي" يعود بتاريخه إلى ما يزيد عن الثمانين عاماً، تعود ملكيّته إلى نفس العائلة من تاريخ إنشائه، وهو ليس كالمطاعم الحديثة، التي تجد في قائمة طعامها عشرات الوجبات، بل قائمته تحتوي على وجبتين، الأولى كفتة والثانية كباب، ويمكن أن تطلب شوربة أو سلطة طازجة أو مشروباً غازيّاً مع الوجبة، ويقدّم بسرعة مذهلة حين طلبه، ورغم عدم غنى قائمته إلا أنّك تجد العائلات التركيّة تتوافد عليه، كما أنّ هناك بعض المشاهير الأتراك ممّن تناولوا الطعام في هذا المطعم، مدحوا مذاقه بكتابات عنه، ولاتزال معلّقة على جدران المطعم

بعد الغداء لابدّ من تناول الشاي، لكنّ الشاي له مذاق مختلف في مقهى مرمرة التاريخي التقليديّ المطلّ على بحر مرمرة وسكّة القطار الحديديّة, وفي الوقت الذي يمرّ فيه قطار بجانبك ومن خلفه البحر والقسم الآسيوي من أسطنبول، تشعر بقشعريرة رهيبة تسري في جسدك لجمال المنظر، وإذا كان التوقيت عند مغيب الشمس، ربما تنهمر دمعة من عينيك، مستذكراً كلّ من فارقته أو تشعر برومانسيّة جميلة, هناك الشاي يقدّم على أصوله، الشاي الذي حِيكت حوله القصص، هو المشروب الحاضر بقوّة في تركيّا، وله جلساته المميّزة وسهراته

أنطاليا
إنها عاصمة السياحة التركيّة، وجهة الأوربيّين، المنتجع الأجمل في الشرق الأوسط، يجتمع فيها التاريخ والحداثة، مدينتها التاريخيّة تطلّ على البحر المتلألئ، وهي بحق تستحق الزيارة لمن يرغب في زيارة تركيا، ولكن لابدّ من عدم نسيان الشلالات رقم "واحد واثنين" في ريف أنطاليا، اللتين تعدّان غابتين مدهشتين، حيث تمرّ المياه العذبة المتدفقة من الشلالات على شكل جدول فيهما، وهناك تتمتّع بمناظر الطيور الملوّنة وأعشاشها وتنقّلات السناجب بين الأشجار، في تلك الشلالات تشعر أنّك في عالم خرافيّ سمعنا عنه، أو شاهدناه على شاشات السينما فقط، وتتمّنى أن تقضي شهوراً فيها، خاصّة إذا كنت قادماً من وسط الصخب، وفيها تجتمع العائلات التركيّة، ويُعرف عنها أنّها خير ملاذ للعشاق بعيداً عن الأنظار

آلانيا
هي مدينة تتبع إداريّاً ولاية أنطاليا، هي الأخرى تشبه أنطاليا في سحرها، ولكن جبالها المحيطة بالمدينة أقرب، خاصّة عندما تصعد إلى القلعة التاريخيّة على الجبل الذي يتوسّط المدينة ويطلّ على البحر، وتشاهد آثار الأقدمين، يأخذك سحر البحر والجبال والمدينة الخضراء إلى مالا نهاية، وهناك تجد مقاهي خاصّة تقدّم الشاي فقط، بالكؤوس المعروفة، الصغيرة والضيقة الخصر، عدا عن المشروبات الموسمية الطازجة، التي تتمتّع بمذاقها

أضنة وميرسين
إذا أردت تذوّق الكباب الحقيقيّ، فعليك الذهاب إلى أضنة، وليس هناك من مطعم أقلّ سويّة عن الآخر من حيث مذاق الكباب، كلّ الأتراك يمدحون بطريقة مطاعم أضنة في إعداد الكباب، وفي الماضي كانت غالبية سكّانها من العرب، وهي تشبه المدن السوريّة في تصميمها ومعمارها، ويكون طعم الكباب أشهى على أنغام آلة الباغلمة أوالطنبورة، التي تعدّ من أكثر الآلات شعبيّة في تركيا، كما العود في العالم العربيّ
وعلى بعد ما يقارب نصف الساعة من مدينة أضنة، تصل إلى ميرسين المطلّة على البحر المتوسّط، حيث أسواقها التي تقدّم كل شيء للسائح العربيّ خاصّة، ويمكن الاستمتاع ببعض الجولات السياحيّة سواء في البرّ أو البحر، والتحدّث بالعربيّة بسهولة

كبادوكيا
هذه المنطقة التاريخيّة في عمق تركيا، التي تقع في ولاية نيفشهر، تشتمل على العديد من المناطق الأثريّة، من وديان وجبال كان يسكنها البشر القدماء. تستغرب كيف كانوا يملكون القوّة والإرادة على تصميم بيوتهم ومعابدهم في تلك الجبال العالية، والاستغراب الأكبر هو في المدن التي حفروها تحت الأرض، والتي تبلغ ما يقارب ثمانية طوابق، ولايسمح للسيّاح بالنزول إلا إلى أربعة طوابق منها. وبقدر غرابة المكان ينتابك إحساس مخيف، خاصّة أنّ الأكسجين ليس بتلك الكمّية الكبيرة، فالرطوبة فيها عالية، والسيّاح يتوافدون زمراً في كلّ الفصول. في تلك المنطقة، البلدات الصغيرة التي بنيت هناك مثل "أورغوب" و"غورمه" و"أفانوس" وغيرها، تكون في أغلبها فنادق ومطاعم وأفران تخدم السيّاح، ومن يسكن هناك لابدّ وأنّه يعمل في القطاع السياحيّ

توجد في كبادوكيا رحلة التحليق بالمنطاد التي لاتعوّض، والتي لاتتوفّر في أماكن أخرى من العالم، تحسّ أنّك تغادر من عالم الأشباح، حيث تحيط بك تلك الجبال الحادّة، إلى عالم السماء، حيث الأفق اللامنتهي، هناك لا يكفي للزائر يوم واحد، بل أيام لاتقلّ عن ثلاث، وذلك للتمكّن من رؤية كلّ شيء، والتمتّع بالمناظر، خاصّة أنّها تبتعد عن بعضها، وتحتاج إمّا إلى استئجار سيّارة أو التجوّل بالدراجات الناريّة، أو الهوائيّة، أو الذهاب مع المجموعات السياحيّة، ولكن لايتسنّى لك الوقت الكافي مع المجموعات مشاهدة كلّ شيء بهدوء كما لو كنت في سيّارتك أو على دراجتك, وفي كلّ الأحوال، من تقابلهم هناك يزوّدونك بمخطّط المنطقة، والمسافة بين كلّ مكان أثريّ وآخر، ويقترحون عليك نظام المجموعات السياحيّة وغيرها من الخدمات المتوفّرة للسائح هناك. ويمتاز الجوّ هناك بالاعتدال في الصيف، والبرودة في الشتاء، ولاتغيب عنها الثلوج في الشتاء، والتي لاتمنع السيّاح من التمتّع بتلك الأماكن الأثريّة وهي مغطّاة بالثلوج

في الحقيقة، لايمكن لهذه الفلاشات أن تصف جمال الطبيعة هناك، ولا أن تجعل القارئ يحسّ بمذاق الطعام أو الحلوى أو الشاي على بحار تركيا، إنّما وحدها زيارة المدن التركيّة المذكورة منها وغير المذكورة، تكفي أن تتحدّث عنها بآلاف الكلمات، وتستذكرها بمئات الجمل والعبارات

عبدالله ميزر –
abdhisen@gmail.com

blog.beatthebrochure.com الصوره من

0 Shares:
Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

You May Also Like