ثقافةٌ فنيّة عالية، عين سينمائيّة ذواقة، وموهبة تستحق أن تُرفع لها قبعة التقدير بعد أن صقلتها أعوام خبرته بين التمثيل الدرامي والإخراج السينمائي. حقق فيلماه القصيران أصداء يليق بها التصفيق الحاد، ففيلمه الأول "عشاء" الذي كان من بطولة: أحلام محمد، هيفاء حسين، إبراهيم خلفان، وحسن الماجد، عُرض في زاوية الأفلام القصيرة بمهرجان "كان" السينمائي الدولي، أمّا فلم "القفص" الذي أدى أدواره كل من الفنانين: ياسر القرمزي، وفاء مكي، أحمد الفردان، حسين عبد علي، محمود الصفار، عائشة عبد الرحمن، والطفلين: طلال العريفي و نوف بحر، فقد نال حظ العرض في فعاليات الدورة العاشرة لمهرجان روتردام للأفلام، ليُساهم بفنّه الرفيع في وصول اسم البحرين إلى أبعاد عالميّة تستحقها، ووصول اسمه الفني إلى مكانة تطرق أبواب الخلود في تاريخ الفن البحريني خصوصًا، والخليجي عمومًا. كُل هذا جعلنا نحاول اقتناص دقائق من وقت الفنان، المُمثل، والمُخرج السينمائي البحريني "حسين الرفاعي" رغم اكتظاظه بالمشاغل، مُقتحمين عالمه الفني بتساؤلاتنا في رحلة حِواريّة على ضفاف الأجوبة

خليجيسك: بدايةً اسمح لنا أن نسألك، أين أنت، وما سرّ غيابك الطّويل عن جمهورك سواء على صعيد التّمثيل أو الإخراج؟

الرفاعي: سبب انقطاعي له علاقة بطبيعة عملي حيث أعمل كمدير للعلاقات العامة والإعلام بجامعة البحرين، مما لا يترك مساحة لممارسة التمثيل أو الإخراج أو أي نشاط أخر بشكل مستمر، ولكنني أحاول متى ما توفر الوقت للقيام بالمُستطاع

خليجيسك: لكُلّ عشقٍ إبداعي لحظةُ شغفٍ أولى، هل باستطاعتك تذكّر فترة شغفك الأوّل الذي دفعك للتشبّث بالسينما؟

الرفاعي: بدأ شغفي بالسّينما منذ كنت في الثامنة من عمري، كنت أعشق مشاهدة الأفلام ولازلت، ولكن نوعية الأفلام تغيرت. عندما أشاهد فيلما أندمج لدرجة أنني أفقد الإحساس بما حولي، قبل أن أعي صناعة الأفلام كنت اذهب لطرف الشاشة لرؤية الجزء الغير ظاهر من طرف الشاشة. السّينما ثورة وفكر وفن جمال، السّينما تمثل لي باب الولوج السّحري للواقع، منها اكتسبت جزء كبير من معرفتي بالحياة والإنسان. كنت دائم التساؤل حول كيفية صناعة الأفلام؟ لماذا تسيطر عليّ هكذا؟ كيف تؤثر فيني ولماذا؟ هذا ما دفعني لاحقاً للقراءة كثيراً حول هذا الفن الساحر. وأنا في الثالثة عشرة من عمري حصلت على دور ضمن مسرحية بالمدرسة وبدأت معها رحلتي مع الفن، مارست خلالها العديد من الأدوار الفنية والإدارية ضمن مؤسسات مسرحية وتلفزيونية وفنية، محلياً وإقليمياً ودولياً. كما أنني أخرجت العديد من الأفلام الترويجية والدعائية، إلا إن حبي للسّينما ظل ملازما لي طوال هذه الفترة

خليجيسك: كيف كان شعورك حين عُرض فيلم "عشاء" في زاوية الأفلام القصيرة بمهرجان "كان" السينمائي الدولي؟ 

الرفاعي: أنا سعيد جدا بعرض فيلمي ضمن زاوية الأفلام القصيرة بمهرجان "كان" السّينمائي لما لهذا المهرجان من صيت عالمي، هذا ووصلتني الكثير من الانطباعات عن الفيلم، كما تم اختيار الفيلم خلال عرضه من قبل عدة مهرجانات منها المهرجان الدولي للفيلم المستقل ببلجيكا، ومهرجان "بيل باو" الدولي للأفلام القصيرة والوثائقية بإسبانيا، ومسابقة أفلام "هايدن" بنيويورك. كما أن الفيلم عرض في مهرجان الخليج السينمائي ومهرجان الفيلم العربي بروتردام، والمهرجان الدولي للفيلم العربي بوهران، ومهرجان نابل السينمائي في تونس، ومهرجان الفيلم العربي بصقلية وغيرها

خليجيسك: من يُشاهد فيلميك القصيرين "القفص" و "عشاء" يُدرك على الفور أنّه أمام عقليّة تملك ثقافة فنيّة ومُجتمعيّة مُدهِشة، إلى جانب الإحساس المُرهف والعين الحسّاسة إلى حدٍ يستحق التقدير -هذا مع تقديرنا الفائق لكاتب قصّتي الفيلمين، عملاق القلم البحريني "أمين صالح"- الأمر الذي يجعلنا نتساءل: كيف استطعت تطوير موهبتك ومهاراتك الإبداعيّة في هذا المجال رُغم أن بيئتنا الخليجيّة قد لا توفر الفُرص الكافية في إطارٍ كهذا؟

الرفاعي: مشاهدة الأفلام والقراءة بشكل مستمر. هذا وللمخرج والفنان عبدالله السعداوي والروائي والكاتب أمين صالح دور كبير في تكويني ونظرتي للإبداع عموما. تعلمت منهما الكثير ومازلت. وهما اللذان عرّفاني على أهم المخرجين العالميين وزوداني بالأفلام والكتب، وكانا المحاورين والمسائلين طوال تجربتي الفنية، ومن خلالهم وبمساعدتهم تشكلت ذائقتي وإدراكي للفن


خليجسك: حين كُنتُ أشاهد فيلميك القصيرين "القفص" و "عشاء" لاحظت أنّ كِلا العملين يمسّ على وتر قضايا تتعلّق بالمرأة، عندها كُنتُ أتساءل: هل جاء هذا الطّرح من مُنطلق إيمانك بقضيّة "المرأة" إنسانيًا في مُجتمعاتنا العربيّة عمومًا، والخليجيّة خصوصًا، ورغبتك في إيصال رسالة تتعلّق بها، أمّ أنّ الأمر جاء بمحض صُدفةٍ عفويّة أدّت لتقاطُع قصّتي الفيلمين في الخط ذاته؟

الرفاعي: الأمر جاء بمحض صُدفة لتقاطُع قصّتي الفيلمين في الخط ذاته، إلا أنني لاحظت عند قراءتي للنصوص التي وصلتني أرى نفسي أقرب للأعمال التي تتناول المرأة أو تكون الشخصية الرئيسية امرأة

خليجيسك: أثناء مُشاهدتي لفيلم "القفص" انتابني شعورٌ رماديٌ للحظةٍ من اللحظات مُذكّرًاً إيّاي بأنّ معظمنا لا يستطيع التعبير عن آرائه الصّريحة، ولا النمو معنويًا بما يكفي لأنه يفتقر إلى الحُريّة في قول ما يودّ قوله أمام المُجتمع بطريقة صحيحة. هل انتابك مثل هذا الشّعور من قبل؟

الرفاعي: هذا الشعور يشكل جزء مما دفعني لإخراج هذا الفيلم، فشخصية سلوى أخذت هذا المنحى مع أخيها الذي سلبها حريتها عبر سلبيتها في الدفاع عن حقها. وسلوك الأخ اخذ منحى متطرف يدفعنا للتساؤل "مما نحمي من نحب، من أنفسنا أم من الآخرين ؟

خليجيسك: أنت تبدو مؤمنًا بذاتك، مشحونًا بالطّموح طوال الوقت. ما الذي تطمح إلى تحقيقه بعدما حققه فيلميك من نجاح؟

الرفاعي: أنا مؤمن بالمحاولة والاستمرار، لازلت أبحث عن ذاتي وأسعى لتطوير أدواتي ومهاراتي من خلال تجربتي ومشاهدة تجارب الآخرين والقراءة حول الفن السينمائي والحياة. الفن دينامي ولا حدود له

خليجيسك: وهل لنا بمعلومات خاصّة عن عملك السينمائي القادم؟

الرفاعي: العمل الذي أسعى لتحقيقه حالياً يعالج العزلة الإنسانية التي تعاني منها امرأة في منتصف الخمسينات

خليجيسك: من هو مثلك الأعلى في المجال الفنّي؟

الرفاعي: لا أستطيع تحديد شخص واحد مؤثر فهناك الكثير من المؤثرين في تجربتي الإنسانية والفنية سواء من أتقاطع وأتفاعل معهم بشكل مباشر أو غير مباشر

خليجيسك: الإبداع الفنّي يتطلّب التضحيات، يمتصّ روح الإنسان ويرفض الضّرائر لا سيّما المهنة أو الوظيفة في مجالٍ آخر، في الوقت الذي يجد فيه الإنسان الموهوب نفسه مُضطرًاً في أحيانًا كثيرة لأن يدوس على أعصابه والوقت الذي يستحقّه فنّه لمصلحة وظيفته أو مهنته كي يُحافظ على مصدر قوت يومه، هل تجد أنّك استطعت تجاوز هذا الصّراع بطريقةٍ ما؟

الرفاعي: اعتقد أنني استطعت تجاوز هذا الصراع في السنوات الأخيرة بالتأقلم مع وضعي الوظيفي واستغلال أي فرصة لتحقيق الممكن فاستطعت إخراج فيلمين قصيرين بالإضافة إلى المشاركة في عدد من الأفلام والأنشطة الفنية الأخرى

خليجيسك: هل حدث أن شعرت يوماً بالإحباط في هذا المجال؟

الرفاعي: الإحباط حالة إنسانية طبيعية ولكن المهم ألا تتحول إلى عائق يمنع الإنسان من مواصلة حلمه

:خليجيسك: ماذا تعني لك الكلمات الآتية

الحُريّة؟
لا حدود

الطّموح؟
رغبة التغيير

الفن؟
الحياة

القفص؟
القتل البطيء

الحُب؟
رحيق الحياة

الأمل؟
الاستمرار

النّهاية؟
طبيعة الأشياء

حاورته/ زينب علي البحراني
zainabahrani@gmail.com

0 Shares:
Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

You May Also Like