مع كل بداية عام وإنقضاء آخر تبدأ مراسيم إستقبال السنة المولودة بشيء من التفاؤل وكثيراً من التمنيات بدوام الصحة والسعادة، وكذلك تبدأ المخاوف بشق طريقها إلى قلب كلمن كانت سنته المنصرمه غير مريحة له، وأن تكون القادمه وصلة لما مضى، فنجد الكثير من القنوات الفضائية ليلة رأس السنة أو قبلها بأيام معدودة تستغل تلك المخاوف أو حتى تلك الأمنيات لتتعهد ببث ما قد يخفف وطأة الحيرة لدى البعض مما قد يخبئه المستقبل لهم، فتنهال البرامج التي تحمل في طياتها توقعات للعام الجديد والإعلان عن إصدار كتب مخصصه لذلك، فينجرف البعض ممن تستهويهم تلك البرامج نحو مشاهدتها والتمعن الجيد في كل كلمة تخرج عن ذلك البرج الذي يحمل تاريخ ميلادهم وحفرها في جدار الذاكرة كي لا تنسى لتطبق فيما بعد، ضاربين كل معتقد ديني يدحض صحة ذلك أو يندد بمصداقية أو حتى متابعية عرض الحائط
ومن المضحك أن المشاهد يبرمج سنته على تلك الأقوال، فإن قيل له أنها سنة ممتازة تجده مبتسماً متفائل ومصدقاً ذلك، لأنها أتت على هواه حتى وإن كانت تلك السنة في الحقيقة سنة تعيسه عليه. وعلى الصعيد الآخر من تنتابه حالات من اليأس والإحباط لما قيل عن سنته بأنها سنة المتاعب والإنتكاسات حتى وإن كانت سنته في الحقيقه مفعمة بالنجاحات والتقدم، وقد زودتهم تلك الكتب بالتوقعات اليومية، فقد نجد شخص ما يستيقظ في قمة النشاط والحيوية وملامح الرضا تداعب وجهه، فيحضر له فنجان من القهوة ويجلس بجانب الشرفة ليستنشق الهواء العليل ثم يبدأ بقراءة ذلك الكتاب المشؤوم ليجد في ثناياه أن يومه متعب جداً وأن مزاجه متعكر منذ ساعات الصباح الأولى وذلك لأنه صدقها، فبرمجته كما تريد، ولا أبالغ إن قلت أن البعض ممن هم مهووسون بتلك الهراءات قد وظفوها في حياتهم لدرجة أنهم لا يتزوجون إلا ممن هم متوافقون معهم في أبراجهم لأنها إستحوذت على تفكيرهم، فأصبحوا لا يرون الحياة إلا من خلالها ولا يقدمون على شيء إلا بعد الرجوع إليها، وهذا ما جعل الكثير ممن أسميهم بالمنجمين يعتلون الصدارة في القنوات الفضائية ويتزايد عددهم بفعل تزايد عدد المقبلين عليهم، فتجدهم يحذرون من عمل كذا في يوم كذا لبرج كذا ويحرصون على أهمية وجود كتبهم في كل بيت كي يستفيد كل إنسان من يومه ولا يقدم على شيء إلا عندما تؤكد له تلك الكتب أن خطوته صحيحة، مع أن أحد المنجمات المعروفات مطلقة فكيف لم يحمها ذلك التنجيم وتلك الخطوات اليومية المدروسه حسب زعمها من ذلك الطلاق؟
لا أنكر أن هناك الكثير ممن لا يعيرون لتفاهاتهم بال وأن كثيراً ممن إستهدوا بالله وعرفوا أن الله وحده هو علام الغيوب قد عادوا إلى رشدهم، ولكن هذا لا ينفي أن هناك ممن هم لازالوا تحت رحمة تلك التوقعات المغلوطة وعوامل نفسية مهزوزه وخلفية دينية مهترئه، كما أن رجال الدين لم يتركوا طريقاً للنصح إلا سلكوه ولكن الإنسان بطبعه عجول فإستغل المروجون ذلك وأصبح مرتادوهم من مدمني الأوهام ألعوبة في أيديهم، يشكلونهم كما يشائون، وقد أجزم أن البعض يعلم مدى خطورة ذلك ولكنه إنجرف لهم بحكم العادة، وهذا ما يجعل جيلنا في قائمة الإنتظار، إن قالت له الأبراج إنهض نهض وإن قالت إجلس جلس، فأندحضت روح المغامرة لديه وتلاشت ملامح شخصيته لتتطابق مع كل أبناء برجه، وكلنا نعلم أن هناك كثيراً من المخاطرات والمغامرات المعقولة التي تجعلنا ننتج ونبدع ونخترع لنجعل لنا طريق خاص وبصمة خاصة، وكذلك الحال مع الفرص التي لا تأتي إلا نادراً قد تكون مرة في العمر، فلن أرضخ لنصيحة برج وأضيع فرصة العمر، وهذا ما يحدث كثيراً لمن أضاعوا فرصاً في سبيل الإنصياع وراء تلك الأوهام، فالعقل البشري عقل مفكر ومبتكر وقائد، وكلي أمل أن يبقى كذلك. فلا تسمح عزيزي الإنسان لأحد أن يجعلك مجرد آله فيفكر عنك، يأمرك وينهاك ويقودك فتكون تحت إمرته، ولعقلك مني كل الإحترام والتقدير.
– احلام معوضه القحطاني
labanda_-11@hotmail.com