لماذا السياحة؟ وما هي الأمور التي نراعيها عند اتخاذ قرارنا بزيارة بلد معين؟ وهل انتقاؤنا للأمكنة مبني على عوامل معينة؟ ما هي الإحتياطات التي نتخذها عند السفر؟ وهل هناك من اختلاف بين رؤية السياح الخليجيين وغيرهم من السياح في الدول الغربية؟

باختصار، السياحة هي نشاط ترفيهي يقوم به السائح، بهدف الترويح عن نفسه والتخلص من الروتين وأعباء الحياة طيلة فترة من العمل والمسؤوليات الحياتية، والسياحة لها أنواع متعددة، منها المغامراتية التي فيها قدر من الإثارة، والترفيهية التي يغلب عليها أكبر قدر من المتعة في أهم وجهات العالم السياحية، وأيضاً الدينية والثقافية.

أما اليوم، وسط الإزدهار الإقتصادي في دول الخليج العربي، التي تشهد غالبية شعوبها رخاء اقتصادياً، تنتعش السياحة بكل أنواعها، وتغدو للبعض مهنة رابحة وللبعض الآخر مشروعاً حياتياً بحد ذاته، الهدف منه  المرور عبر العالم كله والتعرّف إلى الثقافات البشرية المتنوعة.

ولكن السؤال المطروح أمام السياح الخليجيين: عند شدّ الرحال -إن جاز التعبير- بإتجاه بلد معين، هل اختيارهم هو بغاية التواصل مع شعب ذلك البلد، والتعرف إلى ثقافته أكثر في سبيل دعم ثقافتهم العربية، أو في سبيل إجادة اللغة أكثر؟ كما هو الحال بالنسبة للغة الإنجليزية، ليمكّنهم ذلك من الدخول في عالم العمل ومواكبة الأحداث العالمية بخطى أسرع. أم يأتي الاختيار نتيجة التأثر بالمسلسلات الدرامية، التي تطغى عليها الأحداث الرومانسية، ويحلو للبعض الاعتقاد أن قصر البطلة الأسطوري أو البحيرة الجميلة التي كانت مكان لقاء العاشقين في تلك المسلسلات ستمنحهم تلك الحميميّة الجميلة ايضاً، ويضفي المكان على حياتهم تلك الرومانسية المفتقدة عند البعض؟ هل يكون الاختيار على أساس وجود المعالم التاريخية، التي تشير إلى عراقة الإنسان؟ أم يكون بغرض المجون واللهو؟

بالنسبة للسياحة عند الأجانب فإنها تحظى بأهمية كبيرة وضرورة حياتية، حتى أن الشخص منهم، الذي لم يتسنّ له زيارة أماكن معينة، يشعر بالحسرة والضيق إن سمع باسم المكان الذي يرغب بزيارته، ونظراً لتلك الأهمية هناك العديد من الكتب باللغات الأجنبية حول أغلب الدول وأهم الوجهات السياحية فيها. حتى أن هناك الكتّاب الرحالة، الذين يمضون شطراً من عمرهم في الكتابة عن دول ومناطق معينة، حتى أننا نجد أن هناك العديد من المواقع، التي تقدّم نصائح هامة للسيّاح، حول طبيعة الجو ونوعية الأحذية واللباس الواجب ارتداؤه وضرورة الالتزام بتقاليد وعادات البلد الذي يرغبون في زيارته، وتوعيتهم بنوعية المخاطر الموجودة في ذلك البلد سواء طبيعية أو بشرية، مثل التعرّض للسرقة أو ما يشبهها، كما أن هناك زوايا مفتوحة تسمح لمن زار تلك الأماكن بأن يبدي رأيه، ويروي تجربته وما مرّ به من أحداث هامة، وهذه الزوايا تنبّه الراغب في زيارة تلك الأماكن لأشياء معينة غائبة عن ذهنه، حتى أن البعض ينشر انطباعاته عن سياسة وحياة وثقافة البلد الذي زاره في صحف ومجلات دورية.

أعود للسياح الخليجيين،  الذين يتفوقون على غالبية الشعوب العربية في جولاتهم السياحية، هل يخصصون للقارئ أو السائح العربي في المواقع الإلكترونية أو المنتديات أو الصحف زوايا، يوضحون فيها أشياء معينة، من الممكن أن تساعد السياح في اتخاذ إجراءات قبل سفرهم، ومن الممكن أن تدفعهم إلى تجنّب مناطق معيّنة لا تتوالم مع تقاليدهم الدينية، أو ليست مناسبة للسياحة العائلية على سبيل المثال؟ هل تقع هذه المسؤولية على جميع السياح أم على المثقفين الخليجيين بالدرجة الأولى؟ خاصة أن السائح يرغب أن يتعرّف على أشياء جديدة لم يسبق له أن شاهدها من قبل، وتكون كل هذه المعلومات والتجارب معروضة ومتوفرة باللغة العربية. هناك عدداً من المجلات السياحية التي أصدرت في الآونة الأخيرة، لكنها تعرض فقط الوجهة السياحية من دون التعمق في ثقافة البلد، التي باعتقادي هي أهم فائدة يتلقاها السائح عند زيارة بلد ما.

صحيح أن الطبيعة تفرج ضيق النفس وكربها، ولكن الاطلاع على ثقافة جديدة يمكن لها أن تضفي جمالاً وتألقاً على الثقافة العربية التي  تفتقد إلى جهود أبنائها في هذا المجال، خاصة من أبناء الخليج العربي، ممن على كاهلهم تقع هذه المهمّة التي يمكن لها أن تصنع ثقافة سياحية بنكهة ولغة عربية وتراعي العادات والتقاليد والأعراف العربية، فتدفع السائح إلى تحديد وجهته بناء على أمور تعود بالمنفعة على بلده ونفسه، ولا تكون مجرد لهو وعبث وإسراف في الأموال.

هناك حقيقة لابدّ أن تبقى واضحة أمام أنظارنا، وهي أن  العديد من دول الخليج العربي جذبت أنظار العالم، فغدت على قائمة أفضل الوجهات السياحية في العالم، وكان لهذا الشيء دور كبير في تقديم صورة جميلة عن الشعوب العربية وتقاليدها وعاداتها وثقافتها. كما نقرأ الكثير في اللغات الأجنبية حول تجارب جميلة مرّ بها السياح الأجانب في مدن الخليج وشجعوا الكثيرين على القيام بجولة سياحية إليها، وهذا يؤكّد تفوقها في صناعة السياحة بالطبع، ولكن السؤال هو: هل يوجد لدينا ذلك المثقف السياحي العربي، الذي يغدق علينا بما رآه وعاشه في رحلاته، والتي يمكن للجيل المعاصر أن يستفيد منها؟

في الواقع، هذه المقالة هي طرح وإثارة نقاط معينة أكثر مما هي إجابة عن الأسئلة المطروحة أعلاه، لأن الإجابة عن هذه الأسئلة أمر أترك البتّ فيه للقراء.

عبدالله ميزر –

 abdhisen@gmail.com

0 Shares:
Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

You May Also Like