… الشاعر، المسرحي، المترجم، ، السيناريست، الروائي، الناقد، الصحفي، القاص

من قرية قيرون في مصياف بمحافظة حماه السورية، زغردت الطبيعة لولادة كائن سيختار الكتابة ويحمل هموم الإنسان على ظهره، "ممدوح عدوان" (1941 – 2004)، فكان أن أبصر النور في هذه المدينة رجلاً تحدى "سيزيف"، دخل كافة المعتركات الأدبية والفلسفية والفنية، محاولاً إيصال رسالته بأكثر من وسيلة، ليس هذا فحسب، بل اتجه نحو الهم الإنساني العربي عموماً، منطلقاً من نكسة حزيران 1967 كشرارة.

ففي "الظل الأخضر"؛ ديوانه الشعري الأول عام 1967، قال للإنسان ولقارئه بالتحديد، من أنا وماذا أريد وأين أقف، وفي هذه الثلاثية أبحر بعدها نحو فضاءات أدبية أوسع، ففضلاً عن دواوينه الشعرية التي قاربت العشرين، فقد كتب أكثر من ستة وثلاثين نصاً مسرحياً سارت أغلبها وحملت مصباح "ديوجين" إلى خشبات المسارح، وخلّف عشرين كتاباً مترجماً، وكتب السيناريو لبضعة مسلسلات تلفزيونية، وغاص في روايتين اثنتين، وألّف كتباً نقدية عدة، فضلاً عن مقالاته الكثيرة في الصحافة، ليتجاوز حجم إنتاجه الفكري لأكثر من ثمانين مؤلفاً، لكنه قال: "هناك أشياء في داخلي، لم اعبر عنها بعد"، فقد كان السرطان ينتظره دائماً حتى انقضى عليه في التاسع عشر من ديسمبر 2004.

هو الرجل الذي عانى من الرقابة السياسية في بلده، ودفع ثمن ذلك البقاء في السجن لزمن ليس بقصير.

وما يثيرني أكثر في تجربته نصوصه المسرحية، ليس لأنه كتب أهم النصوص المسرحية، إلا أنه يعتبر أول من كتب المونودراما في سورية، ولعل نصوصه المتميزة تشهد بذلك، منها "الزبال"، حال الدنيا" و"القيامة" وغيرها، وكذلك مسرحية "محاكمة الرجل الذي لم يحارب"، و"هاملت يستيقظ متأخراً" و"ليل العبيد"، وغيرها الكثير.

ففي نصه المسرحي "الزبال"، نحن أمام حكاية رجل يبحث في القمامة، وفي بحثه هذا يتوصل إلى تحليل سيكولوجية وسوسيولوجية العائلات التي خلفت هذه القمامة، وبعد أن أمضى ثلاثين عاماً في هذه المهنة، يستطيع أن يحلل أمورها وأشياءها، شخصاً شخصاً، حتى يتعمق فيها من كافة فئاتها، هذا كله من خلال مفردات القمامة نفسها كعلب الأدوية الفارغة وزجاجات الخمر ونوعية الأطعمة المرمية والفاكهة والخضار، فلكل عائلة ما يميزها، والقمامة هي التي تدل عليها.

في حين يغوص "عدوان" في نصه الآخر "حال الدنيا" في زواريب الثنائيات، وهو نص مونودرامي أيضاً، لكن الثنائيات هنا هي الغالبة والمغلوبة، فثمة فقير يحكمه غني، وامرأة يحكمها رجل، وهكذا حتى نصل إلى مقولة النص المتجسدة في السيطرة غير الواعية في مجتمع غير عادل، لكن رغم ذلك يكشف النص الكثير من المشكلات التي يعاني منها مجتمع الغالبين، إن جاز القول.

أما نصه المسرحي "حكايا الملوك" الذي كتبه قبل أكثر من ثلاثين عاماً، فلا يزال يعيش معنا، وذكرى وفاته السابعة تقترب.

يكتب هنا "عدوان" عن ملوك سالفين لا يختلفون عن أسلافهم بكثير، ملوك عالجهم بإبرته وأدويته الأدبية الخاصة مشخّصاً مواضع الألم، ومبرزاً الألم الإنساني المتجسد في شخصية الحاكم نفسه، فما يؤلم الملك هو الشعب، وما يسوّد حياة الشعب هو الملك.

 و"عدوان" بطبيعة الحال كائن مولود من عمق أسطورة ممزوجة بالواقع، هو غارق حتى الثمالة في أزقة وحارات وزواريب السجون وما تحتها، هو الراحل الذي يقول في نصه المسرحي ما هو ممنوع وممنوع.

الرجل رحل وهذا لا غبار عليه، لكن نصوصه لم ترحل، ونصه المسرحي "حكايا الملوك" يشكل ذلك النقد المنهجي من رجل غيور على تراث أمة من الأمم إلى أولئك الذين يحاولون وضع سقف للخيال الإنساني.

هو عمل يأخذه المخرجون حتى الآن ويتبنون إخراجه لعمقه الفني والفكري.

ورغم سيطرة جوانب كوميدية عديدة على مجرى مسرحية "حكايات الملوك"، إلا أنها تحكي سير ملوك خانوا شعوبهم، ملوك فضحوا أمام الجموع التي يحكمونها، هو نص يصور جشعهم وظلمهم، لكن ما يميزه هو فتح ملف يعتبر من أخطر الملفات التي تهدد التراث والثقافة العربية وهو قصة حرق النسخة الأصلية لمجلد "ألف ليلة وليلة" واقتصار النسخة الأصلية على داريْن للنشر أحدهما في مصر والثاني في لبنان، وربما يكونان "دار بولاق" و"دار المثنى".

وبالتالي، النص دعوة للحوار بين حاضر منهك وماض أليم وبين أسطورة وفانتازيا لا نعلم عنها شيئاً، لكن رغم ذلك لم يوصلنا النص إلى الحقيقة المطلقة، وقد يكون المؤلف محقاً، لأنه ليس هناك من يمتلك إجابات مطلقة على أسئلة عصرنا هذا المتسم باللامعقول رغم اقتناعه بالمنطلق الفكري الأساسي في نشر هذا المؤلف المهم.

ختاماً، نورد هنا ما كتبه صديقه الكاتب السوري الكبير الراحل محمد الماغوط الذي لحقه إلى السماء بعده بعامين:

ممدوح…

أنت تحب مصياف

وأنا أحب سلمية

وكلانا ديك الجن في مجونه،

وعطيل في غيرته

فلنصطحبهما إلى أول حانة أو مقصف

ونبثهما أشواقنا وكلامنا وهمومنا.

ولأن مدينتي لا ترتدي شيئاً تحت كرومها

فإياك أن تطرف عينك عليها

وإلا صرعتك في الحال.

 آلجي حسين –

Alchy1984@hotmail.com 

0 Shares:
Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

You May Also Like