يتفاوت المخزون الثقافي من شخص لأخر بتفاوت مدى البحث والاستيعاب لكل ماهو جديد ومفيد له ولمتطلبات حياته ومدى الرغبة والحاجة لذلك.  فالثقافة هي مجموعة من المعلومات المتفاوتة في درجة أهميتها والمختلفة في مصادرها والمتركزة في ذاكرة الإنسان الممتدة منذ سنوات تعليمه الأولى وحتى أخر يوم من عمره.  فهي مطلب أساسي لتكوين الشخصية ومعرفة أبعادها وتوجهاتها، وهذا يذكرنا بقول احد الفلاسفة (الثقافة خبز الروح) فكلما زادت المعرفة زادت القدرة على التمييز بين الأشياء والتميز في ذلك، وكذلك العطاء من خلال ذاكرة ثقافية زاخرة وملمة بكل الأبعاد المحيطة بأمر ما أو مسالة ما تهم ذلك المثقف

ولو اجتهدنا في تعريف المثقف لوجدنا انه ذلك الجامع لكل معلومة قد تفيده في وقته الراهن أو في وقت لاحق وتشكل لديه خلفية واضحة الملامح ومفهوم أدق وأعمق لكل حدث أو علم إما في محيطه أو في العالم اجمع. كما إنها تحدد مسار شخصيته فتكون لدى الناس فكرة معينة عنه يضعونه من خلالها وفق إطار خاص لمدى إطلاعه ومتابعته واحترامهم لنهجه الثقافي وإدراكهم أن ذلك قد منحه نظرة ثاقبة في اغلب الأمور، فهو يبحث عن المعلومة التي تزيد من رصيده مهما كان مصدرها مادامت صحيحة فالتردد في البحث والتعقب لن يبني فكر واعي ومثقف ابدآ كما قال الفيلسوف الصيني كونفوشيوس(لا تتردد ابدآ في أن تسأل من هو دونك) فهو بذلك يخدم نفسه ومجتمعه ولا يدخر جهد أو طريقة في البحث واستقاء المعلومات من أي شخص كان مادامت دقيقة

ولكن ما يحدث اليوم هو تلحف بلحاف الثقافة كمظهر اجتماعي واجب ومكمل لواجهه برستيجيه باتت ملحة لاستحواذ هالة من المعجبين والمادحين، ولم يقتصر الأمر على ذلك فقط بل أصبح هناك مفهوم خاطئ للثقافة، فالمثقف الآن لدى البعض هو ذلك الذي يمزج بين اللغة العربية ولغات أخرى خلال حديثه، أو ذلك المتفاخر بمعرفة لغات عدة، أو الأخر الذي قضى شطرا من عمره خارج بلاده واتى بمعتقدات أخرى قد تخالف دينه معتبرا إياها ثقافة، وهناك من يفتتح الدواوين والمجالس الثقافية لبيان تشجيعه لها ولكي يذاع صيته بأنه الداعم لها والمؤمن بأهميتها وهو ابعد ما يكون عن ذلك، فتاهت الثقافة في هذه المعمعة واختفت وظيفتها الحقيقية وتستر المتمظهرون بها فكانت وسيلة لإظهارهم بالشكل المطلوب، وأصبحت كإحدى قطع الأثاث المكملة لصالون أو غرفة ما، وهذا ما نجده لدى البعض عندما تدخل منزله فتجد لديه مكتبة واسعة تشمل اكبر قدر من الكتب المتنوعة في مواضيعها وأغراضها والغريب أن يكون صاحب هذه المكتبة لم يقرآ حتى لو كتابا واحدا من هذه الكتب! الحقيقة إنني في صغري كنت ادخل مثل هذة البيوت واتمنى لو اقرأ شيئآ من هذة الكتب، ولكن البرستيج لديهم يحتم ان تظل بنفس الترتيب وفي نفس الرف، مغطاة بغبار الإهمال، فهي ليست للقراءة، وهذا مثال من أمثلة كثيرة غيرت مجرى التفكير لدى الناس ومفهوم الثقافة لدى الفرد

لن ادحض حق مثقفين من الطراز الاصيل اثرو الساحة العلمية والاجتماعية بما اختزنوه وبرمجوه بمخرجات افادتهم وافادت مجتمعهم وجعلت العالم يقف لهم وقفة احترام وتقدير ولم يستغلوا هذا الشي لشهرة ما او لإكمال رسم لوحتهم الاجتماعية، فشكرا لكل مثقف سكب لنا من عصارة تجاربه وأبحاثه واطلاعاته، واختصر علينا عناء البحث من خلال وضع خلاصة افكاره وبحوثه في كتاب او موسوعة او لقاء وافر بالحقاثق والدراسات, وهدا الله كل مستثقف الى المعنى الصحيح للثقافة ودورها الحقيقي والفعال، وان يدرك إنها ضرورة لكل إنسان عادي وبسيط، ولا يشترط في ذلك أن يكون ذا مستوى عال في التعليم ولن تكلف شيئآ سوى قليلآ من البحث والتحقق والكثير من والرغبة الجادة في تثقيف النفس لتطويرها لا للسعي وراء اعجاب الاخرين وشحذ احترامهم

أحلام القحطاني –

تصميم قرافك: لينا عامر

0 Shares:
Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

You May Also Like