"الجميع يعمل، أو أن الجميع لابد أن يعمل، وليس من فضل لأحد على آخر إلا بعمله"

يبدو أنها المقولة الوحيدة التي تعتمدها استراتيجيات العمل في دول الخليج وتتخذها مقياساً لتطورها وحداثتها، وفي هذا الشعار ثمة الكثير من الإيمان بالعمل كقيمة وثقافة يومية تتجه نحو إشباع الحاجات الرئيسة للإنسان وربما الكمالية لاحقاً

مهن عديدة ووظائف كثيرة وأعمال متشعبة يمكن ملاحظتها داخل المجتمع الخليجي، فمن قطاع الاتصالات والإعلام والتكنولوجيا والسياحة والتجارة والخدمات وما إلى ذلك من مهن ووظائف، إلى قطاعات لا تسعها الصفحات، فهناك إيمان كبير بأن هذه الأعمال، بطبيعة الحال، بحاجة إلى أعداد ضخمة من الموظفين الوافدين من دول عربية وأجنبية، وبالتالي يتشكّل مجتمع داخل مجتمع، هذا المجتمع كيف يعيش؟ كيف يتشكل الإيمان بالعمل لدى الإنسان المقيم داخله؟ إلى أي مدى يؤمن الموظف بشعار ثقافة العمل؟ هل ثمة عوائق تقف في وجه العامل؟ وثمة سؤال أهم: ما الذي يمنحه العمل للعامل وما الذي يأخذه منه؟

الإيمان دون تجاهل المال

المهندس "نعيم خضر"، يرى أن العمل يكسبه الخبرة كونه يعمل في "بيئة عملية وضمن مواصفات عالمية في تطبيق التكنولوجيا المتطورة في دولة الإمارات، الأمر الذي تفتقر إليه بعض البلدان العربية"، ويستطرد "نعيم" قائلاً: "لا شك أن وجود بعض الاختلاف أثّر علي كالغربة التي لها تأثير من الناحية النفسية، لكن ما يصبرني هو أخلاق وصفات الأهالي الطيبة وأحييهم عليها". ومن جهة أخرى، يثمن "نعيم" على جهود الجهاز الفني لمديرية الأبنية في بلدية دبي على توفيرها إجراءات الأمن والسلامة، ولكنه يشير إلى موضوع القيمة العملية للشخص، ويوضح أن "الذي لا يعمل هنا ليس من مبرر لوجوده أصلاً، فالأسعار وظروف المعيشة العالية تضاهي ظروف الدول الأجنبية دون تجاهل الجانب المادي الذي هو الأساس والمؤمن لكرامة الإنسان"

ويرى "يعقوب سالم" أن دولة الإمارات رغم الهرج والمرج اللذين لحقا بها في الفترة الأخيرة حول الأزمة المالية وتأثر الدولة بها، إلا أن "السياسات الحكيمة في البلاد استطاعت تدارك الموقف فوراً وقللت من نسب الخسارة"

يعقوب" الذي يدير قسماً للمبيعات في إحدى الشركات بمملكة البحرين يقول: "البحرين تؤمن بالعمل مقياساً لها، وهذا الكلام لا يحتمل غير ذلك، والعامل هنا يأخذ حقه من الرواتب والإجازات، فصحيح أن بيئة العمل قد تكون متعبة، لكن الحياة هنا مختلفة، والعمل هنا هو المقياس"

ويشير "يعقوب" من نافذة شرفته إلى السيارات وهي تجيء ذهاباً وإياباً وإلى العمال الآسيويين وهم يستكملون البناء المجاور، وعلى يساره ثمة مركز تجاري يستقبل الزبائن في مشهد لم يخل من أصوات سيارات وأناس بلغات مختلفة، لتدفعه هذه المشاهدة إلى سؤال فحواه باختصار: هل العمل الجاد والإيمان به كقيمة إنسانية أوصلا المملكة إلى المستقبل؟

هذا السؤال يجيب عليه "تميم حامدية" الذي يعمل في التصميم الإعلاني: "هناك سياسية واضحة لدى مديري المؤسسات تتمثل في استقطاب العقول المبدعة من جنسيات مختلفة، والاختلاف في الآراء والقوى من أهم الأسباب التي وقفت وراء نجاح البحرين بهذه الصورة، حيث يقف الزائر مذهولاً من قدرة الأيادي التي ابتدعت هذا النسيج الحضاري الراقي من خلال حكمة سياسات رشيدة تقف وراء هذه الأيادي لتجسيد قيمة إنسانية هي الأرقى من نوعها في العالم المتحضر هي الإعلاء من قيمة وثقافة العمل".

ولكن "عبد اللطيف الشمري"، موظف في مكتب للسيارات بدولة الكويت، يرى أن الغاية من مجيئه كانت لتطوير نفسه وزيادة دخله لمساعدة أهله، لكنه تفاجأ بأن الطموح الذي كان يتوق لتحقيقه لم يتحقق، فهنا "الرسوم كبيرة على كافة المجالات والقطاعات، والعمالة الآسيوية مسيطرة على كل شيء"، ويستنتج بالتالي بأنه خسر صحته ووقته في العمل من غير مردود إيجابي فعلي وفي المقابل، استفاد "عبد اللطيف" من عمله الصبر والجلادة والاعتماد على النفس ومعرفة ثقافات الآخرين بالنسبة العمالة الوافدة محبة العمل من الإيمان

يعتبر "عبد الرحمن نحلاوي" أن "الدولة تمنح الناس حقوقاً وترفّه المقيم، وتأخذ منه أفكاره الجدية وتطورها وتدافع عنه وتحويه وتعايشه مع الجنسيات الأخرى، والشعب هنا محترم ويحترم غيره"، ويشدد "عبد الرحمن"، الذي يعمل كمعلم حلويات في دبي، على نواح إيجابية متعددة يتميز بها المجتمع

بينما يرصد "جمعة المحمد" بدايات قدومه إلى الدولة حين حصل على فيزا سياحية للبحث عن عمل يليق باختصاصه، إذ كان يمتلك "جمعة" صورة ذهنية وفكرة سابقة بأن تشجيع المواهب والمحافظة عليها هي الأساس، ويضيف: "العملية استدعت دراسة سلوكي الوظيفي منذ خضوعي لمقابلة القبول العملي والتأكد من سلامة أدائي وماهية اتجاهاتي وكنه تجاربي، وهذه الموضوعات قابلة للتطوير بين فترة وأخرى، بيد أن هذا التفاهم والتعاطف اللذين يعتبران النواة الأولى لعمل المؤسسات هنا لا يخلوان من التقييم الدائم لهذا السلوك وجعله من أهم الأولويات"

مسألة الإيمان بالعمل دينياً يتطرق إليها "سمير"، سائق سيارة أجرة في المنامة، ويستعرض الآية الكريمة "إن الذين آمنوا وعملوا الصالحات يهديهم ربهم بإيمانهم"، ويرى أن الإيمان والعمل توأمان، ولاسيما في ظل "احترامك لعملك واحترام من تعمل لديهم، وفي هذه الناحية لابد للإنسان أن يقدم أفضل ما لديه حتى يرضي ربه"

"المتأمل للحياة في دول الخليج عموماً يستنتج أن للشخص قيمته وفقاً لعمله، هذا العمل هو الذي يحدد درجة قبوله في المجتمع نفسه"، جملة يقولها "كريم محمد" الذي يحمل الجنسية الهندية ويعمل كحارس أمني لأحد الأبراج السكنية في إحدى دول الخليج، مضيفاً: "الحياة العملية هنا مختلفة بالتأكيد عن حياتي فيما سبق، هنا ثمة إيمان واضح بأهمية العمل والمسؤولية في بناء الإنسان معنوياً ومادياً، فعندما أمارس عملي بكل راحة وضمير أعتقد بأن هناك من سيكرمني وهناك من سيحاسبني أو بالأحرى من سيمنحني حقي"
تنظيم العمل وفقاً لأسس إدارية

تنظيم العمل نابع من تفريعه إلى منظمات ومؤسسات تتيح للعامل التفرغ للعمل وفقاً لاختصاصه، وبدراسة أكثر إدارية للموضوع، من الطبيعي الوصول إلى أن الإدارة كمؤسسة تأخذ على عاتقها شدة الاتصال بين الموظف ومؤسسته التي ينتمي إليها، وحتى ينتمي إليها بشكل تام، من الأجدر أن يتعرف على جو العمل

ويؤكد إداريون أكاديميون أن عملية التنظيم والإدارة والسير على نهج الاقتصاديين العالميين والإداريين الذي ينتمون إلى مدارس الحداثة وما بعد الحداثة في العلوم الإدارية، من أهم مقاييس القائمين على الأعمال ومجمل الشركات

ويرى أحد المهندسين الفرنسيين المقيمين في دبي أن شدة التضافر ين الخبرات العربية والأجنبية المتنوعة بإدارات وطنية ومقيمة ممن يمتلكون خبرات كافية، سيسهم في دفع عجلة العمل نحو الأمام، وبالتالي الاتساق بين خيارات المواطنين والعرب والأجانب، وفي هذه الهرمية الثلاثية سيكون من اللازم تحديد درجات القبول العملي

مجتمعات داخل مجتمعات

الصورة تبدو رائعة، فصحيح أن الناس يعملون مثل الآلات بدون عواطف، لكن ثمة عواطف يجب أن توضع في الثلاجة كما يقال أثناء العمل، وهناك المزيد من الوقت بعد ذلك، وفي نفس الحالة من البديهي المرور على حالات لموظفين وعمال متنوعي الجنسية يعملون في المجمعات والشركات وداخل الأبنية التجارية وضمن قطاع الاتصالات، هي جميعها مفردات الحضارة الحديثة  في المجتمع الخليجي والذي يضم حوالي 250 جنسية مختلفة من دول العالم

آلجي حسين –
Alchy-husein@hotmail.com

0 Shares:
Leave a Reply

Your email address will not be published. Required fields are marked *

You May Also Like