في الثاني من أغسطس من عام 1990، يوم الخميس الأسود، قام الطاغية العراقي صدام حسين بمحاولة فاشلة لمحو دولة الكويت من خريطة العالم، وهي غزو الكويت وما تبعه من القتل والسلب والنهب والتعذيب والاغتصاب، ومحو جميع ما أمامهم مما يرمز للكويت. حدثت الفاجعة ليلا، غدر الجيش العراقي الغاشم بلؤلؤة الخليج وحولها إلى مشهد من الفوضى العارمة والدمار. خلال تلك الأزمة، عاش الكويتيون لحظات ألم ورعب، وذاقوا أبشع أنواع التعذيب على أيدي جنود صدام حسين.
خلد التاريخ الكثيرين من الذين واجهوا العدو والخوف والخطر. خلد الأعلام الذين ضحوا بأنفسهم من أجل حياة أفضل لوطنهم ولغيرهم. نهض هؤلاء وواجهوا عندما فقد الغير العزة والكرامة وضحوا بدمائهم من أجل قيادة الغير إلى طريق النجاة. كم هم محظوظون أولئك الذين أسعدهم الحظ بتواجدهم بجوار شهيدة الكويت بإذن الله، الخالدة في التاريخ (أسرار محمد مبارك القبندي) خلال فترة الاحتلال!
أسرار القبندي واحدة من أبرز الذين ضحوا بدمائهم وعرقهم، ودموعهم بل وحياتهم من أجل مقاومة العدو والحفاظ على شرف وعزة وطنهم. إيمانها القوي وووطنيتها وشجاعتها كانت أهم العوامل التي عززت إرادتها من أجل طرد العدو من الوطن والحفاظ على أهله.
ولدت بطلة الكويت في 23 من نوفمبر عام 1959. هي السادسة من بين إخوتها. كرست حياتها للعلم والمعرفة فأكملت تعليمها بالكويت حتى سن الثامنة عشر، بعدها غادرت إلى إنجلترا لتعلم اللغة الإنجليزية. بعد ثلاث سنوات حصلت على شهادة الثانوية في ولاية كولورادو بالولايات المتحدة في عام 1980. تخصصت في مجال الكمبيوتر بعد الثانوية العامة والذي خدمها كثيرا في فترة المقاومة وتوجيه الأهداف ضد العراقيين. شغفها بالعلم والمعرفة قادها إلى الحصول على ثلاث شهادات ماجستير في كل من التربية، والاقتصاد، وتأهيل المعاقين. عملت في قطاعات عدة منها وزارة الخارجية في مركز المعلومات، أسست حضانة للزوجة، وتطوعت للعمل في جمعية لؤلؤة الخليفة لرعاية معوقي مرضى التوحد. كانت أسرار محبة للعمل وخدمة الوطن والتعليم والتطوع والأعمال الخيرية.
لم يتوقع الغزاة العراقيون عندما اجتاحوا الكويت مدى قوة الكويتيين وتلاحمهم ومدى قوة مقاومتهم. قدمت أسرار أنقى وأقوى مثال على حب الوطن والتضحية والصمود ضد العدو.
شهدت أسرار اجتياح أرضها وتدميرها على مرأى البصر؛ فعاشت الألم على أرض الواقع لحظة بلحظة. وطنيتها وشجاعتها لم تسمحا لها بأن تقف مكتوفة الأيدي وهي ترى العدو يغتصب أرضها؛ فانضمت فورا إلى مجموعة المقاومة الكويتية للعدو العراقي آنذاك. لعبت بطلة الكويت دورا كبيرا في مقاومة العدو ومساعدة الآخرين فلقد كانت أولى مهماتها البطولية هي حصولها على قائمة بأسماء الأشخاص المهمين من السفارة البحرينية لإخراجهم خارج البلاد وتكللت مهمتها بالنجاح. الكثير من أفراد الأسرة الحاكمة يدينون لأسرار بالشكر والامتنان وكذللك العديد من الأسر الكويتيين والأجانب لما قامت به من تضحيات لإبقائهم سالمين.
ومن بطولاتها أيضا، قامت بتهريب أسلحة من البصرة الى الكويت، وأموال وأسلحة من السعودية إلى الكويت. زيادة على ذلك، قامت بتعطيل الهواتف وشبكات اتصال المراقبة من قبل العدو في كل من منطقتي النزهة ومشرف. زودت كويتيين كانوا مستهدفين بهويات جديدة لحمايتهم من الوقوع في الضرر. قامت برعاية 65 رهينة أجنبية على الرغم من علمها بأن عقوبة الإعدام تنتظرها جزاء على تسترها على الأجانب.
كان لها مواقف ووقفات شهد التاريخ بشجاعتها. قامت بالتخطيط والحصول على معلومات حسابات الكويتيين في البنك المركزي للحفاظ عليهم ومنع العراقيين من الوصول إليها. وأيضا قامت بتنفيذ مهمة بطولية وهي حصولها على ديسكات الهيئة العامة للمعلومات المدنية في الجابرية عن طريق تنكرها في شخصية عاملة نظافة هندية وتهريب المعلومات والثبوتيات إلى المملكة العربية السعودية بنفسها. عادت إلى الكويت المحتلة عن طريق البر الذي كان مزروعا بالألغام وما يقارب الخمسمائة ألف جندي من جنود الاحتلال موزعين في الصحراء، باسم "سارة مبارك" وهو اسم جديد أصدرته لها القيادة السياسة في السعودية لتعود إلى وطنها ومواصلة نضالها وجهادها ضد العدو. وقامت أيضا بتفجير سيارات مفخخة قتلت من خلالها العديد من الغزاة المجرمين!
وقامت بإرسال تقارير عن أحوال الأسر الكويتية إلى حكومة الكويت المؤقتة في الطائف. كانت أول من اكتشف مخطط العراقيين لتلغيم البترول بمادة الفسفور واستطاعت الحصول على خريطة التلغيم وتهريبها، وكان الفضل أيضا يعود للعاملين الكويتيين في المجال النفطي بمساعدتها.
خططت لإطلاع العالم الخارجي على مايحدث داخل أرضها المحتلة وكسر حاجز الصمت وفضح جرائم العدو العراقي الذي كان يخفي ما يحصل داخل الكويت. فقامت بإرسال صور من ضحايا التعذيب والتشويه على أيدي جنود الطاغية صدام للعالم. وكذللك قامت بالاتصال بالمذيعة الأمريكية الشهيرة "باربرا والترز" عبر اختراق إعلامي قامت به وقد أذاعته محطة إم بي سي وتبعتها قنوات إعلامية عالمية أخرى مثل سي إن إن.
واصلت بطلة الكويت نضالها من أجل الحرية ومعركتها ضد العدو من أجل تحرير أرضها الطاهرة حتى جاء يوم الرابع من نوفمبر 1990 فكان يوم القبض عليها في كمين وضع لها بعد أن وشي بها على القول الأرجح؛ وتحققت أمنية العراقيين، واقتادوها إلى المعتقل، وخلال فترة 70 يوما عاشت خلالها القهر والألم والتعذيب على أيدي الغزاة ومع ذلك ظلت مرفوعة الرأس حبا وولاء لأرضها ولم تبح بأي سر أو معلومة. عرض عليها مبعوث صدام العمل معهم والاستفادة من خبراتها ولكنها رفضت بشموخ وفضلت النهاية النبيلة رغم الألم والرعب الذين ذاقتهما على أيديهم.
في الحادي عشر من يناير أخبروها أنه ستتم محاكمتها في البصرة وسيأخذونها في نهار الغد فطلبوا منها تجهيز حاجاتها.
في الساعة الخامسة من فجر 12 يناير 1991 أدت صلاة الفجر ودعت ربها، وفي الساعة الثانية والنصف وصل الضابط واقتادوها إلى معتقل المشاتل. على مدى يومين عاشت أقصى وأفظع وأبشع أنواع التعذيب ما لا يستطيع أحد تحمله ومع ذلك كانت تقاوم وتصد الجنود بكل قوة وشموخ وشجاعة. اقتلع الأنذال جميع أظافرها… وصلوا أماكن بجسدها بأجهزة الصعق الكهربائية…. تم اقتلاع عينيها… شقوا رأسها وأخرجوا منه المخ!!! ورغم كل هذا التعذيب القاتل والمروع لم تخضع لمبتغاهم وأهدافهم الدنيئة.
بعد ليلتين عاشت فيهما أصعب لحظات حياتها، حكم عليها بالإعدام وأطلق عليها رصاصتان على المعدة وواحدة نحو الصدر. ثم قاموا برمي جسدها الطاهر أمام منزل والدها في ضاحية عبدالله السالم بكل بشاعة ولا مبالاة!
واحد وعشرون عاما مضت على الغزو الصدامي العراقي للكويت، حدث لن ينساه الكويتيون مهما طال الزمن وسيظل دائما في أذهان وذاكرة الكويتيين. رحلت أسرار القبندي ولكنها ستظل خالدة في تاريخ الكويت العريق وقلوبنا وعقولنا. كافحت وجاهدت بكل ما تمللك من دم وعرق وتحملت القهر والألم والتعذيب من أجل الكويت. سنظل نفتخر ببطولات أسرار وغيرها من الشهداء الأبرار الذين ضربوا أروع وأنقى الأمثلة لحب الوطن وفدائهه طيلة العمر.
– خالد البناي
– من المصادر: موسوعة شهيدات فداء تحرير الكويت، للأستاذ عبدالعزيز يوسف الأحمد