يمتلك المُصمّمون القدرة على صياغة عالمنا، ورسم الطريق نحو مستقبلنا، فالتصميم كمفهوم يحيط بنا في كل مكان، بل ويتجسد بكل ما نراه، ونشعر به، ونلمسه. ورغم أن الإبداع والابتكار هو أول ما يتبادر إلى ذهن المرء عند طرح مفهوم التصميم، إلا أن العمل ضمن هذا المجال يوجب، وعلى نحو متنامٍ، التخصص في الكثير من التطبيقات متعددة الاستخدامات، التي بدورها تتطلب خوض مسيرة تعليمية متعددة التخصص. وقد بات الفكر التصميمي في يومنا الراهن واضع الخطط البينية لكيفية تفاعلنا مع العالم من حولنا، بدءاً من الأجهزة المحمولة التي نستخدمها وصولاً إلى الملابس التي نرتديها، والمركبات التي نقودها خلال تنقلاتنا اليومية، وتجارب خدمة العميل التي نخوضها.
هذا، ويرصد المؤشر المتغير لواقعنا إلى أن الطلاب يبدؤون بالتفكير فعلياً في أهدافهم المستقبلية خلال فترة استعدادهم لخوض البرامج الجامعية، وتدريباتهم الصيفية، وجداول فصولهم الدراسية. وعند الأخذ بعين الاعتبار مستقبل العمل والصناعات المتطورة، نجد بأن التصميم يحتل مرتبة عاليةً جدًا ضمن قائمة فرص العمل المنشودة. ومن خلال مقابلتنا مع السيد هاني عصفور، عميد معهد دبي للتصميم والابتكار DIDI، استطعنا تلخيص الأسباب الجوهرية الخمسة التي ترتقي بالتصميم لمصاف المهن المستقبلية التي تستحق العمل بها.
الرابط التخصصي: تعلّم المهارات المرتبطة بشكل وثيق بالمستقبل
أشار المنتدى الاقتصادي العالمي مؤخراً إلى حل المشاكل المستعصية، والإبداع، والتفكير النقدي باعتبارها أهم ثلاث مهارات ينبغي إتقانها من أجل تحقيق النجاح في خضم الثورة الصناعية الرابعة التي نعيشها. وعليه، من غير المستغرب أن تلعب هذه العوامل دور العجلة الدافعة لمنهاجنا الذي قمنا بوضعه وتطويره بالتعاون مع كلٍ من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT، و كلية بارسونز للتصميم، فالفكر التصميمي يُضفي المعرفة والخبرة بالنماذج الأولية إلى هذا التخصص، فضلاً عن كونه يُعزز المهارات الحياتية كالتعاون، والتسامح، والتواصل، والإنصات، والمثابرة. لذلك، نحن نؤمن إيماناً راسخاً بأن الابتكار يتمّ ويتحقق بين مختلف التخصصات، ولهذا السبب بالذات يدرس كافة طلابنا تخصصين أو أكثر خلال مسيرة تَعلّمهم وتقديم مشاريعهم، بالإضافة إلى دمجهم ما بين الاستراتيجيات والتقنيات.
علاوةً على ذلك، يتعلم طلابنا كيفية دمج مبادئ التصميم، والهندسة، والأعمال المختلفة في سبيل إنتاج ابتكارات مدروسة وذات مغزى خلال مسيرة دراستهم لشهادة البكالوريوس في التصميم. كما أننا نؤمن بأن هذه المهارات قابلة للتحوّل والارتقاء نحو مجموعة واسعة من المهن والتخصصات، بما فيها الهندسة والرعاية الصحية والاتصالات والأعمال، خاصةً وأن الحياة الرقمية باتت تتطلب بذل المزيد من الجهد، والالتزام المستدام.
الطلب المتنامي: يمر هذا القطاع بمرحلة انتقالية
أدى ظهور تقنية التعلّم الآلي إلى أفول واختفاء العديد من المهن، وفي الوقت ذاته أوجدت الكثير من الوظائف الجديدة التي تتطلب إتقان مهارات إبداعية بينية تجمع ما بين البشر والآلات. هذا، وتتطلب التجارب الرقمية، لا سيما واجهات المستخدم الأمامية، احتراف عددٍ كبيرٍ من المهارات الجديدة. وقد قمنا في معهد دبي للتصميم والابتكار DIDI بتحديد مدى أهمية الكثير من الوظائف المستقبلية، ومنها مصممي منتجات الواقع المعزز أو مدراء تصميم تجارب الطائرات المسيّرة، الذين تتجلى مهمتهم في بناء وتعزيز الثقة ما بين المستخدمين والآلات ذاتية العمل والحركة. وهي مهمة تحتل ذات الدرجة من الأهمية التي أشارت إليها الجلسة الختامية لفعاليات المنتدى الاقتصادي العالمي 2030، كونها تسلط الضوء على الوظائف المستقبلية، مثل مدير تصميم المنازل الذكية، ومهندس تصميم بيئات العمل، ومهندس تصميم حركة الأمواج الذي يعمل على رصد ومراقبة ارتفاع مستويات سطح البحر.
لذا، ينصب اهتمام جهود قيادتنا الحكيمة على تنمية وتطوير قطاع التصميم، بما فيها حي دبي للتصميم، ما يشير إلى أن الإبداع والفكر التصميمي هما الدافعان الأساسيان لمسيرة النمو، والمحركان لعجلة الاستثمار. كما أن واقع الأمر يتجلى على ضوء النتائج الصادرة عن دائرة التنمية الاقتصادية بدبي خلال العام 2021، والتي أشارت إلى أن 71 بالمائة من إجمالي الاستثمارات الأجنبية المباشرة في دبي انحصرت بمجالي الثقافة والإبداع. كما أظهر مؤشر قيمة التصميم التابع لـ "معهد إدارة التصميم" Design Management Institute الأمريكي، وبوتيرة مستمرة، أن معدل الاستثمار في الشركات التي تركز على عمليات التصميم، مثل شركة "آبل" Apple وشركة "ستاربكس" Starbucks، يتخطى بكثير معدل الاستثمار في الشركات المدرجة ضمن قائمة "ستاندرد آند بورز" S&P، وذلك بنسبة تصل إلى 200 بالمائة على الأقل، ويُعزى السبب وراء ذلك لحقيقة أن التصميم يعمل على تغطية الكثير من المجالات والتخصصات، بدءاً من الأعمال والهندسة وصولاً إلى الأزياء والموضة، حيث يعتمد تعزيز مستوى رضا العملاء والتميّز في الخدمة على مستوى جودة التجربة التي يتمتع بها العميل، بتعبير آخر، يعتمد على مستوى تصميمها.
الفرص المستقبلية: الآفاق الواعدة والمتنامية
نحن نعيش حالياً في خضم عصر التصميم، حيث تتمحور مهمة تعزيز نمط حياتنا الرقمية حول إضفاء الطابع البشري على التكنولوجيا. لذا، يُعتبر مصممو المنتجات، ومصممي واجهات المستخدم، ومصممي الديكورات الداخلية، ومصممي الأزياء من المحركات الأساسية لعجلة الاقتصاد الإبداعي، ما يضع بين أيدينا عينة بسيطة من وظائف التصميم المتنوعة والضرورية لتحقيق مسيرة واعدة نحو المستقبل. بناءً على ما سبق، أضحى كل من يتمتع بخبرة في التصميم، ومعرفة بواجهة التخاطب البشرية-الآلية (واجهة المستخدم)، يمتلك عوامل التميّز الاستراتيجي والجوهري في أي شركة، بدءاً من مدراء التصميم ومدراء الفنون ومصممي التجارب، وصولاً إلى مصممي الواقع المعزز وخبراء سلامة المنتج ومدراء تجارب العملاء.
وفي ضوء الصخب الإعلامي المتصاعد حول العالم الافتراضي Metaverse، و"الرموز غير القابلة للاستبدال" NFTs، والحقائق المختلطة فيما بينها، يلعب المصممون بالفعل دور حيوياً في مسيرة تحوّل وارتقاء الشركات، وذلك عبر إنشاء بيئات هادفة ورحلات مدروسة للعملاء ضمن قنوات جديدة، وعوالم مجهولة. كما أنّ المصممين، المبدعين والمفكرين النقديين، هم من سيقود دفة المشاريع الجديدة والعصرية ضمن الفضاء الافتراضي (السيبراني)، وهم من سيبتكر الحلول الخلاقة لحل ومعالجة التحديات البشرية والبيئية بدرجة عالية من الواقعية. وعليه فإننا، معهد دبي للتصميم والابتكار DIDI، نعمل على دمج التصميم ضمن التكنولوجيا والخطط الاستراتيجية منذ البداية كي نمهد الطريق أمام طلابنا نحو المستقبل، بما يسهم وتعليمهم الأساليب العلمية للفكر التصميمي، سعياً منا لتبسيط مسيرة التعايش البشري مع العالم الرقمي المنشود والموجه بالبيانات.
القيادة: المضي بالعالم نحو مستقبل أخلاقي
عندما اتخذت شركة "كيا" Kia قرارها التاريخي بتحقيق الريادة من خلال تبني مبادئ التصميم، عملت على توظيف بيتر شراير، مدير التصميم السابق في شركة "أودي" Audi، ما أدى لارتفاع معدل مبيعاتها إلى ثمانية أضعاف في غضون عام واحد. كما أصدر ستيف جوبز، لدى عودته إلى شركة "آبل" Apple خلال العام 1997، قراراً تاريخياً أشار من خلاله، وبشكل صريح، إلى أنه ينبغي على عمليات التصميم توجيه وإدارة مسيرة تطوير منتجاتهم، مع تولي جوني إيف دفة القيادة، وجميعنا على علم تام بأن هذا القرار ارتقى بشركة "آبل" Apple إلى مستويات غير مسبوقة، بحيث أصبحت من أكثر شركات الابتكار تقديراً وإثارةً للإعجاب في العالم.
مما سبق، وبكل بساطة، نجد بأن التصميم هو عامل التميزّ، ومن الواضح تماماً أن عملية القيادة من خلال التصميم هو المسار الحتمي نحو المستقبل، خاصةً عندما يكون العالم بحاجة لمهندسين ورواد أعمال من ذوي الأخلاق الرفيعة، الذين تتجلى بصمتهم البشرية في عمليات حل ومعالجة المشكلات المعقدة. وفي الوقت الذي تعمل فيه تقنية "التعلّم الآلي" وغيرها من التقنيات الصاعدة على رسم طريق المستقبل، تبرز الحاجة الماسة لوجود مفكرين استراتيجيين في عالمنا يركزون بالدرجة الأولى على تجربة المستخدم. لذا، يوفر التعليم الأكاديمي لمفاهيم التصميم الأساس المتين لكل من يرغب في إحداث التغيير الهادف والمؤثر في هذا العالم. كما أن التصميم يوفر لنا حلولاً مقبولة ومحببة، إلى جانب أنه يساعد البشرية على تمهيد الطريق أمام مستقبل مستدام قائم على الممارسات الأخلاقية والهادفة.
الأثر: الصدى العالمي للتصميم
يُعدّ الفكر التصميمي المرتكز على العامل البشري عنصراً هاماً وحاسماً في صياغة مستقبل عالم أفضل، فالأمر هنا لا يقتصر على دوران أنماط حياتنا وأعمالنا حول الإنترنت فحسب، بل لأن الكثير من الحلول المستدامة المذهلة، وسبل دعم الصحة العقلية، والأمن الغذائي متجذرة في صميم الابتكارات التقنية. وعليه، يتعلّم الطلاب في معهد دبي للتصميم والابتكار DIDI كيفية مواجهة تحديات الحياة الواقعية، وإيجاد الحلول العملية والمؤثرة لها.
ونشير هنا إلى أنّ أحد طلابنا تمكّن من تصميم روبوت (إنسان آلي) يعمل بالطاقة الشمسية، ويقوم بزراعة البذور في الصحراء. في حين قام طالب آخر بابتكار عصابة رأس قادرة على تعقب وتسجيل الموجات الدماغية وحركة عيني طفل مصاب بـ "اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط" ADHD، وذلك أثناء ممارسته لألعاب الواقع المعزز الغامرة، ما ساعد والديه ومقدمي الرعاية الصحية على رصد مسيرة تعافي الطفل عن طريق اللعب. واستطاع طالب ثالث تطوير جهازٍ يدويٍّ يتيح للمكفوفين إمكانية مسح اللوحات الفنية ضوئياً وتحويلها لأصوات، حيث يقوم الجهاز بإصدار أصوات خاصة بكل لون.
وبالإضافة إلى أن الإحساس العالي في التصميم يضفي الطابع البشري على العالم الرقمي، فضلاً عن إيجاده للأثر الإيجابي، فإنه يقدم لنا تجارب ثورية غير مسبوقة، وشعوراً قوياً بالغاية المنشودة من ورائه. ومؤخراً، تمّت دعوة سبعة من طلابنا لمشاركة وعرض ابتكاراتهم خلال فعالية "حاضنة التصميم" التي يُنظمها معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT. بالإضافة لذلك، تمّ عرض ما لا يقل عن أربعة عشر ابتكاراً لطلابنا من على منصة معرضي "جيتكس" GITEX و"غلوبال غراد شو" Global Grad Show، إلى جانب نشرها في كبرى المجلات الرائدة والمتخصصة في العالم. كما شارك اثنين آخرين من طلابنا – مع الإشارة إلى أننا الجامعة الوحيدة المشاركة على مستوى المنطقة – بفعاليات معرض "نماذج من أجل الإنسانية"، الذي نُظّمت مؤخراً في "مركز دبي المالي العالمي"، تحت رعاية سمو الشيخة لطيفة بنت محمد بن راشد آل مكتوم، وبدعم كل من "هيئة دبي للثقافة والفنون" و"أ.ر.م القابضة". وتؤكد هذه الإنجازات على الدور الجوهري الذي يلعبه التصميم كعامل تغيير إيجابي لبناء عالم أفضل.
للمزيد من المعلومات حول معهد دبي للتصميم والابتكار DIDI، يُرجى زيارة www.didi.ac.ae
هاني عصفور هو عميد معهد دبي للتصميم والابتكار DIDI و مصمم ممارس يحمل في جعبته خبرة واسعة وعميقة جناها بالعمل في مجال التصميم لفترة تخطت الـ 20 عاماً. يجمع السيد هاني عصفور ما بين الخبرة في مجال التصميم، والمهارات التخصصية في ريادة الأعمال، والعمق المعرفي الأكاديمي، ما مكّنه احتراف وتطبيق المنهجيات العملية والنظرية في أساليب تدريسه داخل أروقة معهد دبي للتصميم والابتكار DIDI. يحمل السيد هاني عصفور شهادة الماجستير في الهندسة المعمارية بدرجة امتياز من جامعة هارفارد، وشهادة بكالوريوس العلوم في الفن والتصميم من معهد ماساتشوستس للتكنولوجيا MIT.