كشخص خليجى و كفرد مهتم بمجال التعليم العالي و تطوره, أصبح لدي العديد من التساؤلات والمخاوف حول التغيرات التي تحدث في العالم خاصة في نظام التعليم. أنا أؤمن بأننا في رحلة دائمة لتعلم كل ما هو جديد, و أننا – ككائنات بشرية – دائما ما تتولد لدينا الرغبة المستديمة لصقل وتطوير مهاراتنا الحياتية. فنحن نعيش في ظلال عالم يسير بخطى سريعة و دائم التغير, مما يؤثر ذلك على تغير منظور رؤيتنا للأشياء و طريقة اكتسابنا للمعرفة.
لقد بحثت عن كثب في التغيرات التي تطرأ على نظامنا التعليمي في دول مجلس التعاون الخليجى فوجدت أن التكنولوجيا أداة قوية تم تقديمها للطلاب لمساندتهم خلال مسيرتهم الدراسية و اكتسابهم للمعرفة. بجانب الطلاب, تم تقديم هذه الأداة للمعلمين و الباحثين مثلي لتزويدهم بالمصادر المختلفة التي من شأنها تطوير طريقة تدريسهم, مع استغلال و توظيف هذه الأداة و تقدمها كمنصة للتعلم.
قد لاحظت خلال بحثي أننا نعيش في منطقة لا تعمل على تطور التعليم فحسب بل تبرز بشدة أهمية موضوع الثقافة, لكن بالرغم من ذلك لا نجد ما قد يساند كتاباتنا كأكاديميين وطلاب علم عندما يتعلق الأمر بالمجال الأكاديمي. ظللت أتساءل عن إجابة هذا السؤال الأساسي: "لماذا لا نمتلك من المواد اللازمة التي من شأنها تدعيم مناقشاتنا و نتائجنا البحثية حول موضوعات الثقافة و الهوية؟"
قد تم إعاقة عدد كبير من المشاريع الأكاديمية بسبب نقص المصادر و الموارد في الأدب الخليجي. نحن لا نفتقر المصادر فحسب بل القضية أننا نفتقر المناقشات حول ما نطلق عليه أدب. فما هو "الأدب الخليجي؟" و ما هي المواد البحثية المهمة الذي نفتقدها؟
يعتبر الأدب الخليجي للكثير مزيجا من الأفكار والعقليات الثقافية والإبداعية التي تم تطويرها من قبلنا نحن – أهل الخليج – و هو القصص التى اُنتقيت بعناية و من ثم اُشتهرت و تحولت إلى مسرحيات و برامج تلفزيونية. تقبع الحقيقة المُرة في أن هذه الأعمال الإبداعية لم يتم ترجمتها أو توثيقها بشكل صحيح في مواد مطبوعة أو حفظها على الإنترنت.
ما نفتقده هو المنصات التعليمية التي تمكننا من إدارة مناقشات حول الثقافة و الهوية الخليجية. نحن بحاجة إلى منصات تسمح لنا بفهم العناصر التي شكلت ثقافتنا. يمكن أن تأتي هذه المنافذ التمثيلية في هيئة منصات مترجمة من شأنها أن تثقفنا حول كيفية تطور هذه الأفكار الأدبية و الإبداعية و كيفية نمو القصص و قدرة المسرحيات العظيمة على تغيير و تشكيل منظورنا للأشياء. انتصارنا الحقيقي لا يتجلل في إنشاء منصات رقمية جذابة المنظر فحسب بل في إنشاء منصات فعالة من شأنها مساعدة الطلاب والعلماء في مساعيهم الأكاديمية.
أشارت جوديث لانجر ذات مرة قائلة: "قراءة الأدب تخلق منا مفكرين أفضل. فهي تدفعنا لرؤية نواحي متعددة للمواقف الحياتية و من ثم تؤدي إلى توسيع نطاق رؤيتنا, فتحركنا نحو أحلام و حلول لم نكن لنتخيلها بدونها." يعتبر التعرف على الأدب الخليجي أمرا أساسيا من أجل بناء الشخصية، كما أنها أداة قوية تربط باحثي المعرفة بالجوانب المختلفة للثقافة الخليجية. فنجد أن الخيال الإبداعي تم تجسيده في مساهمات كتابية تحتوي على الشعر و المسرح و الروايات الخيالية وغير الخيالية و السيناريوهات التي تم استخدامها لإنتاج مختلف الأعمال الإبداعية المسرحية.
قد بُنيت الثقافات على قصص. قد تكون هذه القصص تاريخية أو خرافية أو دينية. فالقصص لها القدرة على تيسيير استيعاب المعرفة و من ثم تسهيل اكتسابها و تذكرها. تستطيع القصص التي نُشرت كأعمال أدبية أن تجعلنا نعيش كل من أوقات الرخاء و أوقات الكساد, فهي تعتبر بمثابة ذكريات مشتركة خاضعة للتذكر في أى رحلة تعليمية.
مطالعة الحلقات التلفزيونية الخليجية الشهيرة مثل "درب الزلق" و "خالتي قماشة" و المسرحيات التي لا تنسى ذات الشخصيات البارزة مثل "باي باي لندن" تُمكن الباحثين و الجمهور العام من المشي على نفس خطى شخصياتها, مما يسمح للجمهور من تجربة حقائق لم يكن باستطاعتهم التعرض لها دون التعرف و القراءة عنها أولا.
يعد توثيق الأدب الخليجي على منصات رقمية طريقة جديدة تساعد بها الجميع على التمتع بجمال الثقافة و فهم هويتهم الثقافية و الاجتماعية. فأرشفة الأدب الخليجي عبر الإنترنت يساعد كل من الفرد الخليجى و الأطراف المعنية المهتمة على إيجاد العديد من حلقات الوصل المفقودة التي من شأنها أن تجيب على تساؤلاتنا القديمة. الأهم من ذلك كله, يساعدنا هذا النوع من عمليات الأرشفة على تقدير فكرة التعلم – خاصة حول تاريخنا و مساهماتنا الإبداعية المستوحاة من الثقافة الخليجية.
ظهرت نسخة من هذه المقالة في منشور خليجسك ، إصدار مارس ٢٠١٩.
كلمات: خولة المري
الترجمة العربية: ندى الفحام
الرسومات: راما دوجي