تخيّل أن تُسافر إلى بلد عربي تتزيّن فيه الطبيعة بأبهى حُلتها. مثل الجبال الخضراء والبحيرات والشلالات والطقس المثالي على مدار العام. وهذا بالفعل ما صادفتهُ خلال تجربتي الأولى في سلطنة عُمان وبالاخص رحلتي إلى مدينة صلالة، هذه المدينة التي كنتُ أتلهف الى رؤيتها في فترةٍ ما، وحق عليّ القول بأنها كانت تجربة سّارة و مفاجئة بالنسبة لي.
وصلنا الى مطار صلالة الجديد عبر مطار مسقط المُفتتَح حديثاً وذلك في الصباح الباكر. إلتقينا بسائقنا الذي استقبلناً مُرحباً بمناشف منعشة، ثم أنطلقنا نحو وجهتنا ألا وهي منتجع البليد من أنانتارا. وخلال طريقنا لم يسعني إلا أن أُلاحظ الهدوء الذي يسود أرجاء المدينة وكيف أن الشوارع واسعة ونظيفة.
و بالوصول إلى المنتجع تم إصطحابنا إلى الفيلا الخاصة بنا والتي تتألف من غرفة معيشة، غرفة نوم، مطبخ صغير وحمام سباحة. وبمجرد أن ألقيتُ نظرة سريعة على أرجاء المكان بإمكاني أن أقول بأن الألهام الذي يقف وراء التصاميم الداخلية في الفيلا هو التصاميم العربية التراثية التقليدية حيث تنتشر أنماط السدو في جميع تفاصيل غرفة المعيشة. وبعد أخذنا لقيلولة صغيرة لتنشيط أنفسنا، ذهبنا إلى مطعم الميناء لتناول وجبة الغداء وهو مطعم متوسطي ذو إطلالة خلابة على المسبح والمحيط في منظر ساحر لامتناهي. تشتهرعُمان بالأكلات البحرية الطازجة لذا فقد كان من الطبيعي أن نُعطي الأولوية للأطعمة البحرية لتذوقها، من الكالاماري إلى أرز الصيادية بل وحتى السمك الإعتيادي ورقائق البطاطا كُل شئ قد تم طهيهُ وإعدادهُ بعناية فائقة وكان لذيذاً بحق.
لقد كان التجوال في المنتجع أشبه بالتجول حول جزيرة استوائية حيث تُشاهد أشجار النخيل والممرات الصخرية. على الرغم من أننا قد كُنا في منتصف فصل الصيف ولكن وبخلاف بقية الدول العربية ففي صلالة الجو رائع يشبه موسم الخريف حيث تكتسي الأرض بردائها الأخضر والضباب الخفيف يلوح في الأفق إلى احتمالية هطول الأمطار. أرى أن هذا المكان سيكون المهرب والوجهه الأمثل للدول العربية المجاورة في موسم الصيف.
يتكون المنتجع من ١٣٦ غرفة وفلل إعتيادية وفلل بمسبح، كُلٍ منها مميز على طريقته الخاصة. تطل الغرف العادية على المنتجع بينما تحيط الجدران العالية بالفلل الخاصة لتوفر الخصوصية التامة لشاغليها. قضائي لوقتي في فيلا المسبح بين الاسترخاء والقراءة أحسستُ لحظتها بأني قد نُقلت إلى أرض السلام والطمأنينة حيث يُخيم الهدوء على كل الأجواء وجُل ما أسمعهُ هو تغاريد الطيور وأفكاري الداخلية.
تشتهر صلالة بكونها عاصمة العطور العربية. وأكثر ما تشتهر به هذه المدينة هو اللبان الواسع الإنتشار المنطقة وهو عبارة عن علكة عطرية أو صمغ فواح يتم الحصول عليه من أشجار معينة تنمو في سلطنة عُمان ولهُ فوائد صحية عديدة، فمن الممكن إستخدام زيته فيما يُطلق عليه بالعلاج العطري أو "طب الروائح". لهذا السبب كان عليّ أن اُجرب التدليك المميز لديهم بخلطة اللبان. تجربة الحمامات نفسها كانت ساحرة بحق من البداية الى النهاية. وبمجرد دخولي إلى غرفة العلاج كانت رائحة اللبان تفوح في المكان وهي حرفياً كل ما كنتُ أستنشقتهُ.
حان موعد العشاء فأخذتنا خطواتنا صوب المطعم الآسيوي ميكونغ والذي تم تصنيفه كأفضل مطعم آسيوي في مدينة صلالة وقد كان بحق الوجهة الأمثل لتناول المأكولات الآسيوية الأصيلة والمطهية بكل جودة وعناية، علاوةً على موقعه الرائع والواقع بين الشاطئ والبحيرة وما يتمتع به من إطلالة خلابة حيث الأضواء الخافتة والخصوصية التي تتمتع بها كل طاولة لرواد المطعم. الجو مميز ايضا فقد كان شديد البرودة والشاعرية. كانت أمامنا مجموعة أطباق من مختلف أصناف الأطعمة الآسيوية التقليدية إلا أنها حقيقةً لم تكن تقليدية في مذاقها.
بعد الليلة الرائعة التي قضيناها برفقة الطعام الآسيوي، انضممنا في اليوم التالي إلى صف الطبخ في المطعم نفسه ميكونغ حيث علمنا الشيف هناك بعض أسرار أطباقهم الخاصة. وضع العاملون جميع المكونات أمامنا وكل ما قمنا به هو تقطيع الخضار وتتبع وتعلم خطوات الطهي، فصنعنا حساء توم يام وطبق الكاري الأخضر وبالتأكيد طبقي المفضل الأبدي الأرز اللزج بالمانجو! قضينا وقتاً ممتعاً ثم كافئنا أنفسنا لاحقاً بالانغماس والتلذذ بالوجبات التي قمنا بطهيها.
في اليوم التالي أخذنا رحلة إلى خارج المنتجع لرؤية المناظر الطبيعية الشهيرة في مدينة صلالة. وبعد إنتقاله سريعة مع دليلنا تم أخذنا في نزهة مثيرة لمشاهدة شلالات وادي عين و تسلقنا أعلى الصخور للحصول على مشاهدة أجمل. ثم مررنا بوادي الدربات المليء بالبحيرات حيث بإمكان الزوار الذهاب في رحلة بالقارب أو التجديف او ركوب قوارب الكاياك.
موسم الخريف هو الوقت الأفضل لزيارة هذه المدينة والإستمتاع بنزهة رائعة وسط المناظر الطبيعية الخلابة. تمتلئ المنطقة بالسكان المحليين والأجانب على حدٍ سواء يقضي الجميع وقته في سعادة وفي إلتقاط الصورهنا وهناك، وعلى طول الطريق يستقبلنا الباعة المحليون بالترحاب ويقدمون لنا الحليب اللذيذ والشاي المنتج محليا في مزارعهم. في الواقع أن لروح الضيافة والكرم والعُماني الدور الأساس في جعل مدينة صلالة الوجهة الأمثل والأجمل للسياح على مدار العام.
https://www.instagram.com/anantarasalalah/
كلمات نور الصباح
الصور أنانتارا