ما كان في يومٍ من أيام عام ٢٠٠٧ مصنعاً للرخام و مجموعةٍ من المخازن التجارية أضحى شيئاً اكبر وأهم من ذلك بكثير في وقتنا الحالي. ونقصد هنا افنيو السركال الحي الفني الواقع في منطقة القوز الصناعية في دبي والذي استطاع عبدالمنعم بن عيسى السركال تحويله من بيئة صناعية الى فضاء يضج وينبض بالفن والإبداع كما هو عليه اليوم.
في العام ٢٠١١ حينما انضمت مديرة السركال افنيو فيلما يوركيوت الى فريق العمل كان السركال افنيو يضم ستة مشاريع فنية لاغير. إلا انه و بعد مشروع التوسعة اصبح يضم الآن اكثر من ٦٠ وجهة في الفن والتصميم والإبداع بما في ذلك مفاهيم من المجتمع و مجموعات خاصة.
تقول فيلما "كنت أُدرك دوماً بأن دبي مدينة تنبض بالحياة ولما وصلت إليها كان المشهد التجاري والفني في دبي في طور التأسيس إلا إنه لم يحقق إمكانياته بعد."
لقد كان معرض لاوري شبيبي (وهو معرض يختص بالفن المعاصر تأسس على يد كل من أسماء الشبيبي و وليام لاوري) هو المعرض الفني الرابع الذي أنتقل الى افنيو السركال منذ حوالي السبع سنوات.
حدث الأمر لما كان كل من أسماء و وليام يبحثان عن موقع مناسب لهم في منطقة القوز، فوجودا افنيو السركال الذي استطاع أن يطرح نفسه وبقوة لذا سارعوا إلى اغتنام هذه الفرصة المهمة واخذ موقع في هذا المكان الحيوي. تقول اسماء "في ذلك الوقت لم يكن أحد يعرف شيئا عن هذا المكان لذا فقد قضينا معظم وقتنا في توجيه وإرشاد الزائرين عبر الهاتف."
وتضيف أسماء "نحن سعداء للغاية لكوننا أصبحنا جزءاّ من جذور المشهد الفني لدبي. وبسبب مثابرة مسؤولي المعارض الفنية وقوة برامجهم أصبح الحي الآن وجهة للفنون كافة في المنطقة."
يضم السركال افنيو الآن العشرات من المعارض الفنية المعاصرة، كما يضم ايضاً خمس مبادرات غير ربحية بما في ذلك متحف خاص مسجل لدى المجلس الدولي للمتاحف، مسرح الصندوق الأسود، كما يحتوي على مقهى للنباتيين ومحمصة خاصة بالقهوة، اضافة الى بيع مجموعات من السلع المحلية المتفرقة تتراوح بين متجر لعباءات الكيمونو و الأثاث الى مساحة مخصصة لبيع الإصدارات الخاصة من أحذية السنيكرز الرياضية. سينما عقيل أيضاً (وهي سينما مستقلة وأول سينما بديلة في الخليج) إختارت أن يكون السركال افنيو مقراً دائماً لها في هذا العام.
أطلق السركال افنيو أيضاً برنامجاً بعنوان (برنامج السركال الفني) وهو عبارة عن مبادرة غير ربحية تهدف الى تسهيل عملية تنظيم المعارض، و تسهيل مهام اللجان الفنية العامة، تنظيم العروض والأفلام والحوارات، و ورش العمل التي تتناول وبإسلوبٍ إبداعي جميع الموضوعات ذات الصلة بالمجتمع الفني في المنطقة.
تقول فيلما "لقد كانت أسرة السركال وعلى المدى الطويل راعية لجميع انواع الفنون في دولة الإمارات العربية المتحدة و تعمل كل تلك البرامج مجتمعة على دعم تطوير الأفكار الجديدة، إضافة الى فتح النوافذ للحوار وتطوير التعاون بين مختلف التخصصات."
على الرغم من النمو التجاري السريع الذي تشهده مدينة دبي، إلا أن المشهد الفني والثقافي لايزال في طور النمو، بحسب قول فيلما هذا يعني أن الإمكانيات المقدمة من قبل الفنانين الشباب كبيرة جداً، فبالنظر فقط الى النمو الذي شهدته الساحة الفنية خلال السنوات الماضية بإمكاننا أن ندرك حقيقة بأن المشهد الثقافي في دبي سيستمر في الإنتشار والإندفاع بقوة نحو الأمام.
تقول فيلما "لقد مثل نجاح برنامجنا المحلي نقطة إنطلاق للكثير من المبادرات والبنية التحتية الجديدة والتي تدعم رؤية دبي كمركز للإنتاج الثقافي في المنطقة. لقد قمنا بتكليف ثمانية عشر فنان للعمل حتى الآن، ومع نضوج برامجنا، بدأنا نستشعر الحاجة لدعم الفنانين الناشئين بشكل أكثر جدية و وضوحاً."
الخطوة التالية جاءت بشكل تلقائي حينما أطلق السركال (برنامج السركال للإقامة الفنية) وهي مبادرة غير ربحية تشجع على الاستكشاف الفني وتدعم الفنانين المحليين عبر منصة مختصة بالأبحاث. البرنامج تنافسي ويتم إختيار المقيمين فيه يكون على اساس الجدارة والقوة في كل تطبيق.
تقول فيلما "نحن لا نضع شروط حول تركيبة كل دورة، لأن الممارسات المعاصرة اليوم تتحدى اي تصنيفات و غالباً ما تكون مرنة فالفنانين يُمكن ان يكونوا كُتاباً أو أمناء متاحف وغالباً مايكون لديهم بحوث مكثفة مبنية على الممارسات. نحن نطلب من جميع المقيمين في البرنامج على الإنخراط في المشهد الفني والثقافي بدولة الإمارات العربية المتحدة ليغادروا البرنامج وهم بفهم أعمق بالمحتوى المحلي."
بالنسبة للشيخة وفاء بنت حشر آل مكتوم مؤسسة فن ديزاين (وهو معرض خاص بالفن والتصميم متعدد الطوابق مع مساحة استوديو يقع في السركال افنيو) فقد كان للسمات الحضارية الخام التي تتمتع بها منطقة القوز سبباً في انجذابها نحو هذا الموقع. واصفة الأجواء في السركال افنيو بالودودة، وتؤكد على أهمية وروعة الشعور بأن تكون محاطاً بمثل هكذا مجتمع إبداعي.
لهذا المجتمع الإبداعي دورا هاماً في كونه أحد الأسباب التي ساهمت في جعل دولة الإمارات العربية المتحدة عاصمةً للثقافة على صعيد المنطقة. فجميع المبادرات الثقافية مثل السركال افنيو، مؤسسة الشارقة، بينالي الشارقة، أرت دبي، ابو ظبي ارت، و المتاحف كمتحف اللوفر في أبو ظبي، وآخرهم افتتاح مركز جميل للفنون في دبي نوفمبر المقبل، ساهموا جميعاً و بشكل كبير في تعزيز نضج المشهد الفني في البلاد.
لما سألنا فيلما عن التحديات التي واجهت السركال، قالت "ليس من السهل ان تكون الاول او الرائد في قطاع محدد حيث لاتوجد معك نماذج اخرى لتقارن نفسك بها. قالي لي أحدهم ذات مرة لاتخافي من الشك، فهذا الشعور يعني بأنكِ تبتكرين شيئاً ما. ولكني اعتقد بأن مايدفع بالمواهب المحلية هنا، ليست التحديات بل إحتمالية توفر الفرصة المناسبة؛ فكل يوم مرحلة كبيرة في التطوير."
في فضاء يضم رواد معارض، فنانين، كتاب ورجال أعمال مبدعين، فلا بد أن تكون مثل هذه البيئة مؤمنة وداعمة حتماً للموهبة القادمة من هذه المنطقة.
تقول فيلما "نحن نعمل على تأسيس بنية تحية فنية مع العديد من المتميزين على طول الطريق. نمونا وكبرنا لنصبح الوجهة الثقافية والفنية الاكثر تأثيراً في المنطقة خلال السنوات القليلة الماضية، ولهذا نحن ندين بالشكر والعرفان لجميع المعارض الفنية المحلية و المساحات العالمية الجديدة ممن اختاروا بأن يكون السركال افنيو موطناً لهم لتنطلق إبداعاتهم منه نحو العالم."
كلمات ريهام العوضي