يعد اسم "سيريل زاميت" رمزا من رموز الذوق و الموهبة، فذلك الرجل الفرنسي ذو المواهب المتعددة لديه من الحس الجمالي و المهارة الثقافية مما يؤهله ليكون خبيرا في مجالات العلاقات العامة و التسويق و التصميم و إدارة و تنظيم الفعاليات المختلفة. لما يقرب عقدا من الزمن اتخذ سيريل من الإمارات العربية المتحدة مقرا لكي ينشئ شبكة من المصممين الإقليميين حتى استطاع أن يطلق مشاريع تصاميم عالمية في دبي. يعد مشروع "Design Days Dubai" أو "أيام دبي للتصميم" واحدا من أوائل المعارض التي خصصت لانتقاء و إصدار تصاميم محددة في دول مجلس التعاون الخليجي. تطور المعرض ليصبح ما يسمى "Dubai Design Week" أو "أسبوع دبي للتصميم" و الذى استمر سيريل في إدارته أيضا. قام سيريل بتدعيم و ترويج فن التصميم سواء تلك التي تنتمى لمؤسسات ذات جدارة عالية أو أفراد ذات صيت كبير في عالم الصناعة الإبداعية. قبل منصبه الحكومي الحالي كمستشار خبير في هيئة دبي للثقافة و الفنون، شملت جهوده المهنية السابقة برنامجه في المعهد الفرنسي في مدينة براج و مجهوداته في القسم الثقافي في السفارة الفرنسية في لندن و تنظيم احتفال مونترو الموسيقي في سويسرا و الإشراف على إطلاق فرقة "يو بي إس فيربير" الموسيقي للشباب، بالإضافة إلى تعاقده مع بنك HSBC الخاص كراع رئيسي لمعرض ميامي للتصاميم والذي ساعد بشكل كبير على نمو معرضه الخاص.

على متن رحلة طيران ستستغرق خمس ساعات لتصل إلى بوخارست من دبي، قام سيريل بإشباع فضولي و تساؤلاتي بالحديث عن مساره المهني و عن الصناعة الإبداعية التي يشرف عليها في دول مجلس التعاون الخليجي.

ملاك السويحل: سيريل، قد اشتهرت بدورك الكبير في ترويج و تدعيم فن التصميم في دبي، خاصة من خلال كل من معرضي التصميم "أيام دبي للتصميم" و "أسبوع دبي للتصميم" اللذان اشتهرا عالميا. حدثنا عن افتتاح معرضك الحالي و عن التحديات التي واجهتها من أجل الترويج للمعرض.

سيريل زاميت: بالنسبة لمعرض "أيام دبي للتصميم" كنا نعمل ليلا و نهارا لمدة تسعة أشهر من أجل وضع كافة الأمور في نصابها الصحيح. فقد زرت العديد من معارض التصاميم بالخارج و حاولت إقناعهم بالانضمام إلينا في دبي عام ٢٠١٢. للأسف الشديد، الكثير لديه مفاهيم خاطئة عن البلد و عن شعبها. بل يؤمن بعضهم أن السوق التجاري في دبي ثري ثراء فاحشا و كأن هناك أمطارا حصرية في دبي تنهمر الأوراق النقدية من السماء من خلالها. بغض النظر عن هذه الاعتقادات، قمت أنا و فريقي بعرض أفضل ما لدينا من إبداعات التصميم ذات الإصدار المحدود و من ثم تبع ارتفاع سعرها. تلقت المجموعة الإبداعية التي عرضناها بالترحاب الشديد و لازالت المواهب و المنشآت الجديدة التي قدمناها حية في ذكريات الناس و ذلك أراه عندما يأتون للتحدث معي عن المعرض حتى الآن.

يقبع التحدي الثاني في العثور على مواهب محلية و إقليمية من شأنها مواكبة تلك الأعمال التي يقدمها المصممون المشهورون عالميا شكلا ومحتوى. كنت مترددا لعرض بعضا من هذه المواهب بدءا من عملها الإبداعي الأول و ذلك لإدراكي بعدم استعدادها للظهور بعد، لا سيما كونها الأعمال الأولى قد يشجع الخبراء و الصحفيين التقليل من قدرها و إحباط المواهب الناشئة. لذلك قمنا بتقديمها بشكل تدريجي عن طريق مبادراتنا بالتعاقد مع هيئات "تشكيل" و "فان كليف آند آربلز" و "دبي للثقافة" من أجل تعزيز هذه المواهب المحلية.

بالنسبة لمعرض "أسبوع دبي للتصميم" فالأمر كان استكمالا لما سبقه من معارض (حيث تم إنشاء "أيام دبي للتصميم" في ٢٠١٣ و "أسبوع بيروت للتصميم" في عام ٢٠١٤ من قبل). ظهر التحدي في توسيع نطاقنا و العثور على مواهب إبداعية جديدة من كافة أنحاء المدينة. لقد فعلنا ذلك من أجل تأسيس حركة مدعمة داخل الصناعة الإبداعية في المدينة و التي لا تعتمد على المسؤولين الرعاة فحسب و إنما تستمد قوتها من العدد المتزايد من أفرادها دخل المجتمع. تتواجد الصعوبة في هذه الحالة في أن دبي على عكس العديد من المدن الأخرى التي تشهد معارض أسابيع التصميم ليست مدينة للمشاة حيث يمكن للناس التجول بسهولة و نشر الأخبار عن تلك الفعاليات و النشاطات فيما بينهم، بل هي مدينة كبيرة واسعة و يصعب متابعة الأحداث و الفعاليات عندما تزيد المسافة عن الخمسة و العشرين كيلومترا بين المحطات بعض الأحيان.

م.س: لأي مدى يمكن أن تعتبر دبي "عاصمة التصميم" يُشهد لها عالميا؟ هل هناك الكثير لرؤيته و توقعه قبل وضع هذا التكريم على المشهد الفني الناشئ في المنطقة؟ و هل تستحق دبي مثل هذا اللقب حاليا؟

س.ز: يجب أن أقر بأننا محظوظين بوجود سلطات قد أدركت على الفور الإمكانيات التي يستطيع فن التصميم أن يجلبه للمدينة. أنشأت الحكومة "منطقة دبي للتصميم" بعد بضعة أشهر من أول إطلاق "أيام دبي للتصميم". بعد ذلك قد أطلقنا معرضا تجاريا جديدا راقيا "تصميم وسط البلد" قبل تأسيس مجلس دبي للتصميم والأزياء و أسبوع دبي للتصميم و آخرهم معهد دبي للإبداع و التصميم. هناك حماس كبير للتصميم حيث يمكن أن نلاحظ إمكانيات الشركات التي تتخذ من دبي مقرا لها من أجل عرض إبداعاتها في منشورات التصميم في كافة أنحاء العالم. مما لا شك فيه أنه من الصحيح اعتبار دبي كعاصمة التصميم في دول الخليج. قد قامت اليونسكو مؤخرا بمنح دبي جائزة "تصميم المدينة الإبداعية" و هي الجائزة الفريدة من نوعها في الشرق الأوسط. تعتبر دبي المدينة الرائدة في مجال الحلول المبتكرة حيث أنها بمثابة مركز تأسيسي للأعمال الإبداعية. من الطبيعي أن تزدهر العقول المبدعة هنا.

م.س: هل يمكنك أن تحدثنا عن حياتك السابقة فيما يتعلق بمكانتك الحالية كخبير في التصميم و الحقل الإبداعي – كيف تطور اهتمامك بالصناعة الإبداعية لأول مرة؟

س.ز: لطالما كنت طفلا مفرط الحركة. شجعتني سرعة تعلمي و كثرة فضولي لأبدأ العمل من سن مبكر بما يناهز الخامسة عشر خلال وقت فراغي في محطة راديو محلية في فرنسا. أثناء تقديم النشرات الإخبارية في هذه المحطة، قمت بإصدار برامجي الخاصة خلال عطلات نهاية الأسبوع. كنت أقوم بتسجيل الأحداث على وسائط الإعلام بشكل منتظم خلال سنوات جامعتي، و لكن للأسف اضطررت للتوقف عن العمل في محطة الراديو بعدما بدأت وظيفتي الأولى في المعهد الفرنسي في مدينة براج. وقتها قد استمتعت بإعادة هيكلة البرنامج مع مديره و فريقه. كان لنا الشرف لاستقبال كل من رؤساء فرنسا و جمهورية تشيك (ف.ميتراند و في هاڤل) عند افتتاحه عام ١٩٩٥.

أحب أن أكون محاطا بأناس يفضلون طرح سؤال "لم لا؟" بدلا من "لماذا؟" فكذلك أتيحت لي فرصة إعادة و تغيير حياتي عدة مرات. فمن خلال التغيير نتيقن أن الحياة لن تمنحك شيئا للأبد و ذلك ما ينطبق على عالم التصميم بالضبط. لطالما قام الناس بتحديد و تقليص دور فن التصميم إلى الموضة و الجرافيك و تصميم الأثاث فحسب. إنما هي مدرسة فكرية قبل كل شيء، حيث تتطلب الكفاءة و القدرة الإبداعية للبحث عن مختلف الحلول و أوجه النظر و عن القوة الدافعة التي من شأنها تطوير العناصر الحالية.

م.س: تحدث إلينا أكثر عن دراستك و عن مساهماتك الإبداعية الخاصة – هل تعتبر نفسك فنانا أو خبير استشاري؟

س.ز: أنا لم أدرس فن التصميم بل عشته يوميا. في زمن قبل تقدم الإنترنت و ما نتج عنه من رخاء و يسر، اخترت أن أتخصص في مجالي التسويق و الإعلام في جامعتي. ففي خلال هذه الفترة الزمنية، قمت بتنظيم العديد من الفعاليات و الأنشطة وواجهت الكثير من التحديات من أجل تنسيقها بشكل صحيح. تحتم علي أن أكون مرنا و مبدعا في آن واحد و ذلك من أجل العثور على أحسن الحلول و أنسب الاختيارات. كان ذلك الوقت بمثابة الأرض الخصبة في حياتي حيث كانت بالتجربة التي ساعدتني على النمو و استيعاب عالم التصميم بمعاييره و قيمه. بفضل هذه التجربة لست بالفنان أو المفكر التجريدي التي قد تتصورينه الآن. بل أرى أنني استطعت برفقة المصممين الناجحين الآخرين أن نجسد معنى الموهبة الإبداعية العملية و الفعالة التي تستطيع العثور على أكثر الحلول التصميمية جمالا و فائدة. الآن أقضي وقتي في مساعدة الآخرين في صناعة التصميم و ذلك لوضع مدونة أخلاقيات العمل مماثلة من أجل التحرر من الفكر الذي يعزل الفن و التصميم و يصنفه مجرد كصور تجريدية.

م.س: هل يمكنك التحدث إلينا عن المشاريع المهنية السابقة الخاصة بك في الساحة الإبداعية و التي قد تعتبر أقل شهرة مثل مبادرات "أبواب" و "Global Grad Show" أو "عرض جراد العالمي"؟

س.ز: يعد كل من "عرض جراد العالمي" و "أبواب" من المشاريع التي تتناسب مع طبيعة مدينة كمدينة دبي التي لطالما كانت تقدم رؤية تسويقية رائعة. قد تم تطوير مشروع "عرض جراد العالمي" بالشراكة مع RCA في لندن و تم الإقرار أنه لن يتواجد مكانا أفضل من دبي من أجل استضافة مجموعة مختارة من المواهب العالمية. نفس الشيء قد حدث مع مشروع "أبواب".

أردت أن أقدم فرصة الظهور على الساحة للمواهب الإبداعية التي يأمل أصحابها بالعثور على تلك الفرصة. قبعت الفكرة الأولية في تقديم جناح لهم (واحدة لكل بلد) و السماح لهم بالعمل حول موضوع مشترك. في معرض "أيام دبي للتصميم" قمنا بتكليف و دعم المصممين الجدد الذين انتشروا في كافة أنحاء العالم. في الحقيقة، كنت محظوظا بفرصة بناء عائلة امتازت بتعدد المواهب فيها.

م.س: كيف يمكن لهذه المبادرات أن تدعم المواهب المحلية في دول مجلس التعاون الخليجي و لم تعتقد أهمية القيام بذلك؟

س.ز: هو يعد عرضا متعدد الجوانب. فهو يحث المصممين على الخروج من المألوف عن طريق الاجتماعات المفاجأة مع الزوار وممثلي الصحافة و العملاء. هناك قائمة طويلة من أشياء يجب التحضير لها من وقت مبكر، و ذلك ليس بالعمل الهين. أتذكر أن هناك بعضا من المصممين قد نفدت النشرات منهم بعد مضي ساعتين فقط مما أدى إلى عدم ظهورهم في الوقت المناسب بسبب استيقاظهم متأخرا. تستطيع دبي أن توفر للمصممين الإقليميين فرصة ظهورهم على الساحة خارج بلدانهم. فأنا فخور بذلك و فخور لكوني جزءا من هذا السوق الشامل واسع النطاق.

م.س: مسيرتك المهنية، أقل ما يقال عنها، مميزة و واسعة النطاق. بعيدا عن مسيرتك العالمية المثيرة للإعجاب، هل لك أن تعطينا لمحة عامة من شأنها أن تقارن عملك في الصناعات الإبداعية العالمية السابقة مع وظيفتك الحالية في دبي؟

س.ز: النمط العام لا يتغير؛ فكلاهما استوجبا وضوح الرسالة التي نسعى لتقديمها. أحببت العمل في دول مجلس التعاون الخليجي خصيصا لأنني أعمل في صفحة بيضاء حيث أن الفكر العام قابل للتغيير دائما. أما بالنسبة لبقية العالم، فإن هناك غالبا قواعد ثابتة أو عقلية جماعية مشتركة تحتم على المرء محاولة تفكيك أجزائه أو محاولة إما الانضمام إليه أو الانفصال عنه تماما قبل أن يتمكن من حرية الحركة أو ملاحظة أي تغيير. فمدن دول مجلس التعاون الخليجي تعتبر بالمدن الشبابية التي تستطيع مواكبة الحديث، حيث أنها قادرة على التغلب على الفكر التقليدي القديم عن طريق توفير الحلول الجديدة و حث الشعب على تقبل ما هو معاصر و حديث.

يكمن الجانب السلبي في قلة توافر المعايير المعدة سابقا أو المؤشرات التي قد تسهل انتقالنا في هذه الصناعة عند مواجهتنا لبعض المواقف. فغالبا ما نقابل مشاريعا تفتقر النضج و الصلابة الكافية بسبب العجلة في إنهائها خلال فترة قصيرة قد قمنا نحن بتحديدها من البداية. الهدف من تصميم المشروع يتعدى الجانب الجمالي و يسعى لخلق نوعا من المتانة التي تمكن من استمرارية فائدته العملية و قابليته للتحول والتغيير في نفس وقت.

م.س: تتجه الصناعة الإبداعية في دبي و دول مجلس التعاون الخليجي ككل إلى ……….. (أكمل الفراغ)

س.ز: إلى مستوى من النضج مع الحفاظ على تواضعها و بساطتها للاستهلاك العام.

م.س: ماذا عن نقاط قوة و ضعف الصناعة الإبداعية في دبي و المنطقة ككل؟

س.ز: الإمكانيات الهائلة موجودة دائما. تكمن التحديات غالبا في المهلة القصيرة التي يتوجب إنهاء التصميم خلالها و توقع العميل دائما أن المصمم يستطيع أن يوفر له حلول سريعة. هناك مشكلة جارية بسبب لجوء البعض لاستخدام تصاميم الأثاث المقلدة و الزائفة التي تكون أقل ثمنا من العمولة أو من شراء تصاميم أصلية. كما أن هناك حاجة ماسة لدعم المواهب الإبداعية و أعمالهم الأصلية عن طريق إنشاء قوانين لحقوق الطبع و النشر و المحافظة على تطبيقها. سيتم إصدار مبادئ إرشادية واضحة من خلال هذه القوانين من شأنها تعويض المصمم مقابل أعماله ماديا، فإعطاء الرؤية للمصمم فحسب لن تمكنه من العيش. و أخيرا، يجب أن نتخذ موقفا واضحا من التحيز الذي لا أساس له اتجاه بعض الجنسيات. فالعمل الإبداعي هو ما يهما و ليس موطن المصمم. على سبيل المثال، نرى المصممين كما هم في هولندا – فأولئك الذين يعملون في الصناعة لا يفرقون بين الهولندي و غير الهولندي.

م.س: قد عملت في دول أخرى من دول مجلس التعاون الخليجي. هل لك أن تعطينا لمحة عامة عن أوجه التشابه و الاختلاف، أوقات النجاح و الإخفاق التي مررت بها في الصناعة الإبداعية خاصة في الاقتصاد الذي يزدهر حاليا في عالم التصميم في دولة كدولة المملكة العربية السعودية مقارنة مع تلك الصناعة التي توجد في دبي؟

س.ز: دول مجلس التعاون الخليجي ممتلئ بجميع المواهب الإبداعية. و أنا لا أقول ذلك لإرضاء كافة جمهور القراء. مع ذلك، هناك حاجة ماسة لتعزيز هذه المواهب و تشجيع أصحابها لعرض أعمالهم الإبداعية و التأكد من أخذها على محمل الجد. أتحدث بالتأكيد عن المصممين الجادين – أولئك الذين يحرصون على بناء سجل من الأعمال التي تستحق الشهرة و ليس أولئك الذين يسعون للحصول على اللقب فحسب. كما يجب على العاملين في المجال الإبداعي أن يضعوا في اعتبارهم أن نتائجهم الفنية ليس لها أن تجلب حلولا بسيطة فحسب و إنما فعالة أيضا للحياة اليومية. المال لا يعد العقبة الوحيدة. إنما العقبة أو الحاجز الأكبر الذي يؤخر تقدم بعض هؤلاء المصممين أو الصناعة ككل في دول الخليج هو العقليات و المفاهيم المتأخرة لبعض السلطات الحكومية و أحيانا لبعض من العاملين في القطاع الخاص.

م.س: هل تعتقد أننا نستهدف الجمهور المحلي أكثر من الجمهور الدولي؟ أي هل تعتقد أن المصممين المحليين و أعمالهم المحلية قد علقت في بلاد الخليج بالرغم من طموحهم للوصول إلى الأسواق العالمية؟

س.ز: أود أن أحث مصممي دول الخليج أن يطمحوا إلى الظهور في الصفحة الأولى للمنشورات العالمية كجريدة نيويورك تايمز. لكن قبل إدراك هذا الهدف، تذكر أن تحافظ على تواضعك و أن تتعلم المزيد عن مجال عملك و أن تتأكد من استيعابك للتحديات المختلفة و أن تستثمر وقتك في السفر و حضور مختلف الفعاليات. ربما تم تطبيق فكرتك في مكان آخر، و لذلك يعد موقع جوجل أفضل صديق لك في الصناعة الإبداعية و عالم التصميم للبحث و التأكد في هذه الحالة. عندما تدرك أن لديك فكرة رائعة، لا تقم بنشرها على الفور. فلقد رأيت العديد من الأفكار التي تم سرقتها من قبل أصحاب هذه الصناعة. نصيحتي هي حمايتها ببراءة اختراع أو ترخيص و إجراء اختبار و عرضه على بعض المهنيين الموثوق بهم.

م.س: تتمتع الثقافة و الهوية ببصمة عميقة في منطقة الخليج. هل تعتقد في رأيك أن التقاليد و التراث و الثقافة قد يشكلون عائقا أمام الصناعة الإبداعية الناشئة؟ و كيف يمكن استخدام علامات الهوية التاريخية من أجل تعزيز عالم التصميم و الإبداع؟

س.ز: غالبا ما أقارن أعمال المصممين بكتابات المؤلف. فغالبا ما يتم استلهام المشروع الأول من الحياة الشخصية للمؤلف و من تراث بلده، و ذلك لأن أفضل ما قد يكتب عنه المرء هو ما شهده و عاشه شخصيا. لكنني دائما ما أحذر المصممين بعدم التوقف عند تراثهم فحسب. فبمجرد اختفاء عنصر المفاجأة ستختفي قيمة القطعة الفنية، و ذلك سيحد من تطور و نمو المصمم و التقليل من التقدير العالمي لعمله الفني. بالرغم أن الثقافة و التراث مصدران من مصادر الإلهام بشكل كبير، إلا أن المواهب الإبداعية لا يجب أن تقتصر على هاتين النقطتين المرجعيتين فقط. هناك مساحة هائلة لمزيد من الأفكار الإبداعية في منطقة الخليج، فالحرف اليدوية المحلية التي تم دراستها و توثيقها يمكن توظيفها و استخدامها للوصول إلى مستوى أعلى من الابتكار. التقاء الحرف اليدوية المحلية مع الهوية الإبداعية للمصمم يمكن أن يخلق عنصرا أو تصميما فريدا ضمن مشروع فني كبير بدون أن يكون مثقلا بخلفية تاريخية غابرة.

م.س: كيف تغيرت طبيعة عملك على المستوى الشخصي في المجال الإبداعي على مر السنين؟ و كيف تغيرت طبيعة العمل على المستوى العام في هذه المنطقة من العالم؟

س.ز: أنا شخصيا لازلت طفلا، أحب الاستكشاف و السفر و مقابلة المواهب الجديدة. لطالما كان العمل و كل ما أنتجه في عالم الصناعة الإبداعية هو ما يشبع فضولي. أعتبر نفسي محظوظا لأنني استطعت أن أنشأ شبكة من المعارف من كافة أنحاء العالم. أحب أن أنشر و أروج لأعمالهم الإبداعية على منصات التواصل الاجتماعي – هم و شبكة المعارف القيمة التي لها صلة بهم. إنها لحقيقة، لا تحتاج إلى أن تسافر بالقدر الذي أقوم به لكي تتعرف على مفاهيم جديدة لفن التصميم، و ذلك بفضل سهولة التواصل الذي أتاحه الإنترنت ومواقع التواصل الاجتماعية، و لكنه من المهم دائما أن تستكشف ما هو أبعد من "الأماكن المعتادة" و أن تسلك دروبا لم يخطها أحد من قبل عند وصولك إلى فكرة أو مكان جديد.

بالنسبة إلى منطقة الخليج فيسعدني للغاية النتيجة التي تم تحقيقها في أقل من عشر سنوات. الفعاليات تحدث في كل مكان و يسعدني أن كل مدينة قد وجدت الشكل و البنيان اللذان يتناسبان مع شريحة زوار هذه المدينة و مع المسار الاقتصادي العام. نحتاج فقط أن نحث كل من القطاع الخاص و القطاع العام على الاستثمار في عروض التصميم أكثر، و ذلك لأنهم سيستفيدون كثيرا من دعم المواهب الجديدة. فذاك الاستثمار شائعا في مجالات الرياضة و الاقتصاد و العلوم – فلم لا مجال التصميم أيضا؟

م.س: في عام ٢٠١٧، قد انتقلت للعمل في منصب حكومي في دبي – من مستشار و مصمم مستقل إلى العمل في هيئة دبي للثقافة و الفنون كخبير مكتب نائب رئيس مجلس الإدارة. حدثنا عن طبيعة هذا الانتقال من عمل خاص حر إلى مكتب حكومي.

س.ز: كأنني رجعت إلى طبيعة عملي الأول و ذلك لأنني قد بدأت مساري المهني في العمل لحساب إدارة حكومية (المعهد الفرنسي في مدينة براج ثم في لندن). أعتقد أنه شيء صحي لأنه يعزز نمو و نضج خبرة الشخص عندما يعمل في كلا القطاعين الخاص و العام. القطاع الخاص سيجعل منك شخصا مرنا سريع التفكير. أما القطاع العام فيهدف إلى رؤية متوسطة أو طويلة المدى. الوتيرة تختلف في كلا القطاعين. أنا أستمتع بالعمل مع حكومة دبي. إذا اعتبرنا دبي كالكتاب فسيعتبر ممثلو الحكومة أهم كتَّاب و مؤلفي هذا الكتاب سواء في الزمن الحاضر أو المستقبل. فيشرفني أن أكون جزءا من هذه العملية و يشرفني أن أعرض ما اكتسبته من خبرة خلال مساري المهني من أجل تحسين العلاقات العامة و إنشاء طريقا جديدا لدعم العقول المبدعة في هذه المنطقة من العالم. هناك رؤية مستقبلية شاملة لدبي الثقافية, حيث ستعد تلك الرؤية جزءا جذريا من التراث الذي سيتم استثماره في الفن و التصميم. من الرائع أن تكون جزءا من قوة التأثير الذي ستفتح قريبا مكتبة جديدة مكرسة للفن و التصميم في المنطقة و هي مكرسة أيضا لتطوير شبكات تعاونية في الخارج. مازالت أقوم باستشارة الشركات و المصممين خارج نطاق ولايتي في مؤسسة دبي للثقافة . إنه مزيج جيد و متوازن.

م.س: هل يمكنك أن تقدم لنا بعض المعلومات من داخل المنظومة؟ خاصة فيما يتعلق بالأعمال الداخلية في القطاع الخاص مقارنة بالقطاع الحكومي في مجال الصناعة الإبداعية؟

س.ز: يمتاز القطاع الخاص ببيئة لطيفة و لكنها صعبة. إذا أردت شيئا، عليك الخروج و السعي للحصول عليه. لن تمنحك الحياة شيئا من نفسها، لذلك أعتبر العمل فيه بمثابة مدرسة رائعة في حد ذاتها لتعلم البقاء على قيد الحياة. يمكن أن تحصل على فرصة أو فرصتين و لكن سيصعب الحصول على الثالثة إذا لازلت قائما في العمل. فعليك بالاستمرار و المثابرة إذا كنت على يقين من أن فكرتك صحيحة – مبتكرة و قابلة للتكيف.

م.س: أين سيأخذك مسارك المهني من هنا؟

س.ز: في ٢٠١٩ سأحتفل بمرور عشر سنوات على وجودي في الإمارات العربية المتحدة. فأنا ممتن و محظوظ لتلك الفترة من حياتي. لقد قابلت أناسا عظيمة و كنت محظوظا بأن أشهد افتتاح العديد من الصناعات. ليس لدي خطة محددة لمستقبلي الآن فأترك الأشياء تأخذ مسارها.

م.س: هل تحب أن تحدثنا عن أي مشاريع حالية تديرها أو تروج إليها؟

س.ز: في السنة السابقة قد أوصلت مشروع فاطمة بنت محمد بن زايد FBMI بشركة ندى ديبز مما أثمر عنه مجموعة رائعة من السجاد الذي أنتجته النساء الأفغانستانيات. تم اختيار هذه المبادرة من قبل تصاميم "بيزلي" لجائزة العام في متحف لندن للتصميم. أقوم بتحضير العديد من المشاريع ليتم عرضها هذا العام و لكن لايزال الوقت مبكرا للإفصاح عنها الآن. بالإضافة لذلك سأزال دائما أروج للمواهب الجديدة على قنوات التواصل الاجتماعي ("cyrilzam" على الإنستجرام و www.cyrilzammit.com على مدونتي) أقوم بالاطلاع على سجل أعمالهم الإبداعية و إجراء حديثا عميقا مع أصحابها و من ثم أقوم بنشر تلك الأعمال. كل ذلك يتم بدون مقابل, فالعثور على مواهب تستحق الشهرة تعد جائزة في حد ذاتها بالنسبة لي.

ظهرت نسخة من هذه المقالة في منشور خليجسك ، إصدار مارس ٢٠١٩.

كلمات: ملاك السويحل
الترجمة العربية: ندى الفحام
الرسومات: راما دوجي

0 Shares:
اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

You May Also Like
Read More

نور مبارك الصباح

ولدت من أم أمريكية واشتهرت على الصعيد العالمي باقتنائها للأعمال الفنية تحت اسم الشيخة بولا الصباح، نور مبارك…
Read More

عهد العمودي

تصوّر‭ ‬رجلا‭ ‬يلبس‭ ‬الثوب‭ ‬و‭ ‬الشماغ‭ ‬مغطى‭ ‬بالرمان‭. ‬الخلفية‭ ‬من‭ ‬وراءه‭ ‬لها‭ ‬أيضا‭ ‬نفس‭ ‬التصميم‭. ‬يتوقف‭ ‬المارة‭ ‬عند‭…